لماذا يبدو تهديد ترامب للأسد أجوفَ

العمل الوحيد الذي من شأنه تغيير مسار الحرب في سوريا هو تدخل عسكري ضخم بقيادة الولايات المتحدة ضد دمشق.

المزاعم بهجوم كيميائي على دوما لا يمكن التأكد منه بسبب انقطاعها عن العالم

كتبت روبن رايت في صحيفة ذا نيويوركر مقالة عن مزاعم هجوم جديد بالأسلحة الكيمائية في سوريا  وتهديد الرئيس الأميركي دونالد ترامب بالرد والانتقام من الرئيس السوري بشار الأسد.

وقالت رايت إن هذه "الضجة العالمية مألوفة. هجوم آخر بالأسلحة الكيمائية في سوريا - قيل إنه قتل أكثر من أربعين وجرح مئات آخرين، بما في ذلك الأطفال الصغار، في دوما - يثير شعوراً بغيضاً بالحرب الأهلية مع دخول الحرب الأهلية المميتة عامها الثامن. بالكلمات، على الأقل، الغرب على الجانب الصحيح من التاريخ. يوم الأحد، قام الرئيس ترامب بالتغريد بشراسة حول "فظاعة" وصفها بـ"العقيمة" و"المريضة". وانتقد ترامب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين - بخصوصية نادرة - وإيران لدعمهما الرئيس السوري بشار الأسد. حتى أن ترامب ألقى باللوم على الرئيس السابق باراك أوباما لعدم قيامه بالمزيد بعد أن فرض "خطاً أحمر" على استخدام سوريا للأسلحة الكيميائية في عام 2012.

وأضافت رايت أن ترامب، الذي وضع إدارته في وضع مماثل، من أنه سيكون هناك "ثمن كبير يدفع" مقابل الهجوم. وحذت الحكومات الأوروبية وجماعات حقوق الإنسان حذوه، ودعا تسعة من الأعضاء الخمسة عشر في مجلس الأمن الدولي إلى عقد اجتماع عاجل. لكنها رأت أنه بالنسبة للولايات المتحدة، هناك القليل من الأهداف في سوريا التي لم تستطع روسيا وإيران إعادة بنائهما مع وجودهما الكبير في البلاد. فبعد هجوم ترامب بصواريخ كروز على قاعدة جوية سورية(الشعيرات)، في الربيع الماضي(2017)، أعلن المحافظ المحلي أنه تم إصلاح الأضرار واستؤنفت الرحلات الجوية بعد أيام عدة من العدوان الأميركي.

وأشارت الكاتبة إلى أن الحقيقة هي أنه "من المرجح أن يغيّر القليل من الضربات الأميركية التوازن العسكري على الأرض بشكل ملحوظ - أو من نتيجة الحرب. لأنه بمساعدة القوة الجوية الروسية، بالإضافة إلى القوة العاملة الإيرانية وحزب الله، استعاد نظام الأسد الكثير من الأراضي، بما في ذلك معظم المدن الرئيسية في سوريا. وخلال العام الماضي، قام النظام السوري بتجميع رقع من الأراضي التي تم الاستيلاء عليها لجعلها أكثر قابلية للحكم. في هذه الأثناء، تواجه العديد من قوى المعارضة، مثل المتمردين المحاصرين في دوما والغوطة الشرقية، خارج دمشق، صعوبات شبه مستحيلة".

ونقلت رايت عن فريد هوف، وهو ضابط عسكري سابق وسفير عمل في قضايا الشرق الأوسط في إدارات الرؤساء رونالد ريغان، وجورج إتش. دبليو بوش(الأب) وباراك أوباما، قوله إن وزارة الدفاع الأميركية "قد أعدت بالفعل أهداف طوارئ في حال حدث شيء من هذا القبيل. لكنني أشك بشدة في أن أيًا من تلك الأهداف - وحتى مزيجًا من العديد منها - سيغيّر بشكل كبير المسار العسكري للحرب في سوريا".

أما روبرت فورد، آخر سفير أميركي في سوريا، فقد أبلغ الكاتبة "أن العمل الوحيد الذي من شأنه تغيير مسار الحرب هو تدخل عسكري ضخم بقيادة الولايات المتحدة ضد الأسد يحمل جميع أنواع المخاطر العسكرية"، مشيراً إلى أن الأسد باقٍ ولن يرحل وأن الحرب مستمرة.

وقال فورد وهوف إنه لإلزام الرئيس الأسد بالتوقف عن الاستخدام المزعوم للأسلحة الكيميائية سيتطلب ذلك حملة عسكرية مستدامة. وقال فورد: "لو كانت الولايات المتحدة قد قامت بسلسلة من الضربات المؤلمة للأسد - من خلال تدمير الطائرات أو الاتصالات - في كل مرة يسقط فيها الأسلحة الكيمائية، سواء غاز الكلورين أو السارين، فإن إحساسي هو أنه سيوقف استخدامها لفترة. ولكن يجب أن تكون سلسلة من الضربات على مدى أسابيع وشهور قبل أن يتغير سلوكه. سوف تقوم سوريا باختبار الأمر مرة بعد أخرى. قد تتوقف لمدة أسبوع أو اثنين أو ثلاثة. ثم سيختبرونه مرة أخرى".

وأضافت رايت أن كلاً من إدارتي أوباما وترامب قد تجنبتا التدخل العميق في الحرب في سوريا، وانخرطتا إلى حد كبير في جزء منه فقط - المعركة ضد "داعش"، بداية عندما استولت على ثلث سوريا وثلث العراق لإنشاء "الدولة الإسلامية" في عام 2014. حتى هذا الجهد قد تلاشى. في الأسبوع الماضي فقط، أمر ترامب جنرالاته بترتيب خروج سريع لألفي جندي أميركي كانوا يقدمون المشورة لـ"قوات سوريا الديمقراطية"، وهي ائتلاف للمتمردين الذين يقاتلون في شمال شرق البلاد.

يواجه ترامب ضغوطًا للتحرك. وقال السناتور ليندسي غراهام، وهو عضو جمهوري من كارولينا الجنوبية وعضو في لجنة الخدمات المسلحة، في برنامج "هذا الأسبوع" في قناة إيه بي سي ABC: "إنها لحظة حاسمة في رئاسة" ترامب. فإذا لم يتابع هذه التغريدة وينفذها، سيبدو ضعيفاً في نظر روسيا وإيران. وقال إن ترامب بحاجة إلى" إظهار عزم لم يفعله أوباما أبداً للحصول على هذا الحق".

وكان السناتور جون ماكين أكثر انتقاداً وقال: "الرئيس ترامب أشار إلى العالم في الأسبوع الماضي أن الولايات المتحدة سوف تنسحب قبل الأوان من سوريا. لقد سمعه بشار الأسد وداعماه الروسي والإيراني".

وتابعت الكاتبة أن ترامب قد حظي بإشادة واسعة النطاق على العدوان العسكري ضد سوريا الذي وقع العام الماضي، والذي جاءت بعد التذرع بهجوم مزعوم بالأسلحة الكيمائية في خان شيخون زُعم أنه أسفر عن مقتل نحو مائة شخص وإصابة نحو ستمائة آخرين. ومنذ ذلك الحين، تم الزعم بأن سوريا قد صنعت أسلحة كلور في قنابل أسقطت في أماكن عدة، لكن الولايات المتحدة لم ترد عسكرياً على أي من تلك الهجمات. لكن التقارير المزعومة الواردة من دوما التي تتحدث عن عمال إنقاذ يعثرون على قتلى مدنيين في منازلهم بسبب الاختناق، والصور التي تظهر أطفالًا صغارًا يكافحون للتنفس ـ قد أثارت الاهتمام العالمي.

وقال مستشار ترامب للأمن الداخلي، توماس بوسرت على شبكة إي بي سي ABC، "هذه ليست (قضية تعني) فقط الولايات المتحدة. هذه واحدة من تلك القضايا التي وافقت عليها كل دولة وكل الشعوب واتفقوا عليها منذ الحرب العالمية الثانية. إنها ممارسة غير مقبولة". وفيما يتعلق برد الولايات المتحدة، قال بوسرت "إن جميع الخيارات مطروحة الآن على الطاولة. هذه صور مروعة. نحن نبحث في الهجوم(الكيمائي) عند هذه النقطة".

وأشارت الكاتبة إلى أن مدينة دوما مقطوعة تماماً عن العالم الخارجي من قبل الجيش السوري، مما يجعل التحقق من الأسلحة، وعدد المصابين، ومصدر الهجوم أمراً بالغ الصعوبة. وأوضحت أن الصور تأتي من سكان دوما، وجماعات حقوق الإنسان السورية، و"الخوذات البيضاء"، وهم فريق من المتطوعين المدنيين الذين تم ترشيحهم لجائزة نوبل لأعمالهم الإنقاذية. وقالت إن هذا الهجوم العنيف جاء في عطلة نهاية الأسبوع بعد انهيار المفاوضات التي جرت بين المتمردين والحكومة يوم الجمعة لإجلاء المقاتلين من دوما وإنهاء الحصار العسكري والسماح للحكومة باستعادة سلطتها. ويوم الأحد، ذكرت وسائل الإعلام الرسمية السورية أن المتمردين وافقوا على التخلي عن آخر موطئ قدم لهم في الغوطة، في الضواحي الشرقية للعاصمة السورية المترامية الأطراف. ورأت رايت أنه قد يكون للهدنة تأثير على زخم الرد العسكري الأميركي.

وفي بيان، وصفت وزارة الخارجية الروسية المزاعم عن هجوم بالأسلحة الكيمائية بأنه "خدعة" تهدف إلى حماية "الإرهابيين". وقال البيان: "لقد حذرنا من مثل هذه الاستفزازات الخطيرة مرات عديدة من قبل. والغرض من هذه التخمينات الخاطئة، التي لا أساس لها من الصحة، هو حماية الإرهابيين والمعارضة الراديكالية التي لا لا تقبل المساومة، والتي ترفض التسوية السياسية بينما تحاول تبرير الضربات العسكرية المحتملة من الخارج".

ودعت السيناتور الأميركية سوزان كولينز، الجمهورية من ولاية ماين، ترامب لإعادة النظر في قراره بسحب القوات الأميركية من سوريا. كما حثته على اتخاذ خطوة غير مسبوقة بفرض عقوبات على موسكو لمساعدتها الطويلة الأمد لدمشق. وقالت كولينز في برنامج "حالة الاتحاد" على قناة سي إن إن: "في آخر مرة حدث هذا، قام الرئيس بهجوم محدد لضرب بعض المرافق (السورية)، وقد يكون هذا خيارًا يجب علينا النظر فيه الآن، لكنه سبب إضافي لتبيان مدى أهمية أن يزيد الرئيس من الضغط والعقوبات على الحكومة الروسية، لأنه من دون دعم روسيا لا أعتقد أن الأسد سيظل في منصبه".

 

ترجمة: هيثم مزاحم - الميادين نت