العلاقات الفرنسية السعودية: صفقات عسكرية معلّقة ودور مهمّش

في تشرين الثاني/ نوفمبر يزور وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان السعودية على وقع علاقات لا تبدو بأفضل أحوالها بين البلدين خصوصاً على صعيد الصفقات التجارية بين الرياض وباريس لا سيّما العسكرية منها.

لودريان يزور الرياض في تشرين الثاني/ نوفمبر المقبل

موقع "شالنج" Challenges الفرنسي نشر تحقيقاً في هذا الإطار خلص فيه إلى أن باريس لم تعد مؤثرة في الرياض وأن العودة الأميركية بقوة إلى المملكة همّشتها أكثر فأكثر.
ينطلق التحقيق من المشهد في فندق "ريتز كارلتون" في العاصمة السعودية الذي غزاه جيش من رجال الأعمال الأميركيين للمشاركة في مؤتمر "دافوس الصحراء" كما أطلق عليه الأميركيون والذي نظمه الفرنسي ريتشارد اتياس. فمن الجانب الفرنسي باستثناء رؤساء "تالس" و"توتال" و"سوسييتي جنرال" والرئيس السابق نيكولا ساركوزي لم يقطع أي وزير فرنسي مسافة الستة آلاف كيلومتر بين باريس والرياض للمشاركة في المؤتمر الاقتصادي في "خطوة رمزية نظراً للأهمية التي تعقدها فرنسا على هذا البلد" كما ينقل الموقع عن أحد الصناعيين المشاركين الذي أضاف أنه "منذ زيارة دونالد ترامب في أيار/ مايو الوضع معقّد جداً بالنسبة لنا".  
ما تمرّ به العلاقات وفق الموقع الفرنسي هو أكثر من مجرد تعقيدات بسيطة. يكشف عن حادثة تعود إلى منتصف تشرين الأول/ أكتوبر الماضي حين وجهت وزيرة الدفاع الفرنسية فلورانس بارلي رسالة إلى ولي العهد السعودي محمد بن سلمان بصفته وزيراً للدفاع تخبره فيها بتغيير مدير شركة أوداس المكلّفة التفاوض مع الرياض بشأن صفقات الأسلحة وتطلب منه مقابلة المدير الجديد مشيرة إلى أنه سيصار إلى عرض استراتيجية جديدة عليه.
ينقل الموقع عن مصادر متقاطعة أن الرسالة أثارت استياء بن سلمان على نحو كبير لكون الأخير كان أبلغ في تشرين الثاني/ نوفمبر 2015 في رسالة وجهها إلى وزير الدفاع الفرنسي آنذاك جان إيف لو دريان أن السعودية لا تنوي العمل بعد الآن مع شركة "أوداس"، بيد أن باريس لم تنتظر فقط عامين للرد على رسالة بن سلمان بل إنها أبلغته أن الشركة ستستمر بقيادة شخص آخر على رأسها.  
ينقل "شالنج" عن أحد الصناعيين في القطاع العسكري انتقاده لباريس التي "لا يبدو أنها فهمت يوماً ما يريده شريكها". وتضمّ أوداس مجموعة من المؤسسات من بينها مجموعة "نافال" المتخصصة في الصناعات العسكرية البحرية.  
من جهة أخرى يشير الموقع إلى الضغط المستمر للودريان من أجل بيع صواريخ "كروتال ان جي" التي تصنعها "تاليس" للسعودية الأمر الذي توقف عنده أحد المراقبين المتخصصين في العلاقات الفرنسية السعودية قائلاً "إن السعوديين ومحمد بن سلمان على وجه الخصوص لا يفهمون إصرار لودريان الذي يحظى باحترامهم على منتج يرونه أنه غير متطور تكنولوجيا ولا يريدونه".
وتشير المعلومات التي حصل عليها الموقع إلى أن الرياض على وشك توقيع صفقة مع شركة "نافانتيا" الإسبانية التابعة لـ"ام بي دي آي" لشراء خمس سفن حربية على حساب مجموعة "نافال".
في المقابل فإن فرنسا على وشك توقيع صفقتين الأولى لبيع الرياض 35 زورقاً حربياً من شركة "سي ام ان" التي يملكها رجل الأعمال اللبناني الفرنسي اسكندر صفا. وتبلغ قيمة الصفقة 600 مليون يورو. أما الصفقة الثانية فتصل إلى 300 مليون يورو وتشمل بيع الحرس الوطني مدافع 105 ملم من طراز "نكستر". أحد الصناعيين قال "إن التوقيع على هاتين الصفقتين بات قريباً لكن السعوديين يجعلوننا ننتظر" مشيراً إلى أن "الاعلان عن سفر الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى طهران أو موقفه في ما يتعلق بالأزمة الخليجية لم يمرّا على نحو جيد".
بعيداً من العلاقات العسكرية تبدو الأمور أفضل حالاً وفق الموقع الذي يشير إلى مجموعة من المشاريع بين الجانبين لتحسين وتطوير شبكات المترو وإن كانت الرياض طلبت من الشركات الفرنسية المعنية بهذا الملف تعديل عرضها مقترحة شراكة بين القطاعين الرسمي والخاص وهو ما تقوم عليه رؤية 2030 كما يؤكد فرانسوا غويات السفير الفرنسي في الرياض.
ومن بين ما تعمل عليه الشركات الفرنسية المشاركة في مشروع "نيوم" العملاق ومشروع إقامة مدينة ترفيهية على غرار "يورو ديزني" على بعد 30 دقيقة من الرياض.
وخلص الموقع إلى أنه لا يزال لدى فرنسا من الاسباب ما يجعلها تعقد الآمال على السوق السعودية لكن الأشهر الأخيرة التي شهدت عودة الأميركيين بقوة إلى الرياض والتقارب التاريخي الروسي السعودي والتنافس المحتدم بين الشركات الآسيوية تدفع بفرنسا إلى التحرك خصوصاً أن الصفقات العسكرية مع الرياض لم تصل إلى 700 مليون يورو في 2016.  
الأمر لن يكون سهلاً بالنسبة لباريس لا سيما وأن ولي العهد السعودي لم يردّ حتى الآن على دعوة ماكرون لزيارة فرنسا لكن ربما تدفع زيارة لودريان للرياض المرتقبة في تشرين الثاني/ نوفمبر بالعلاقات نحو الأمام. يقول مصدر دبلوماسي "إن محمد بن سلمان سيزور الولايات المتحدة قبل القدوم إلى فرنسا" رداً على اختيار ترامب الرياض المحطة الأولى في جولاته الخارجية كرئيس للبلاد. وبالرغم من شهر العسل الدبلوماسي بين باريس والرياض في عهد فرانسوا هولاند يبدو أن شعار "أميركا أولاً" لا حدود له على الإطلاق.