الشهيد مصطفى بدر الدين في الصحافة البريطانية
الصحف البريطانية تتناول قضية اغتيال القيادي في حزب الله الشهيد مصطفى بدر الدين، معتبرة أنه شخصية غامضة، نجح في البقاء في الظل، محاولة الإضاءة على حياته وبعض تفاصيل جريمة اغتياله.
واعتبر الكاتب البريطاني أن الأمور ستأخذ بعضاً من الوقت لمعرفة القصة الكاملة حول مقتل القيادي في حزب الله مصطفى بدر الدين ما إذا كان قد قتل في دمشق أو في أي مكان آخر ، وهل قتل بسيارة مفخخة أو بقذائف أو غارة جوية ؟ لكن الكاتب يستدرك بأن في ظل فوضى الحرب ليس من السهل معاينة أبسط الوقائع .
وأضاف بلاك ما هو مؤكد أن بدر الدين كان لديه أعداء كثر حيث أنه يتصدر اللائحة في إسرائيل، لكن دعم حزب الله للرئيس الأسد وسّع من دائرة المشتبيهن بهم .
وتناول الكاتب البريطاني لائحة الدول التي تبغض حزب الله ومنها السعودية التي تنظر إلى الحزب بأنه "وكيل لإيران" فضلاً عن المجموعات السنية في سوريا ولا سيما جبهة النصرة أو غيرها من التنظيمات الإسلامية المتفرعة عنها الذين لديهم دوافع ومن المرجح قدرات بتوجيه ضربة لحزب الله.
ويتحدث بلاك عن دور السيّد بدر الدين في حزب الله، ويشير إلى أوجه الشبه الملفتة بين إغتيال الحاج مصطفى بدر الدين والشهيد عماد مغنية الذي اغتيل في دمشق عام ٢٠٠٨ في سيارة مفخخة نتيجة تعاون بين الموساد والمخابرات الأميركية "سي آي إيه" .
وأشار الكاتب البريطاني إلى أن رفض اسرائيل التعليق على موضوع إغتيال الشهيد بدر الدين أمراً متوقعاً، لكنه ينقل عن مسؤول أمني رسمي إسرائيلي الذي وصف مقتل بدر الدين ب"الأخبار الجيدة"، لكنه يضيف، المسؤول الإسرائيلي “ تذكر بأن جماعة حزب الله تعمل في سوريا اليوم ولديها الكثير من الحاقدين والكارهين ".
ويشير الكاتب إلى أن مجموعة "جيش الإسلام " ادعت بأن بدر الدين قتل في منطقة خان طومان في هجوم شن ضد غرفة عمليات لحزب الله في شمال حلب. ويستدرك الكاتب أنه بغض النظر عن صحة هذه التقارير ، لكن الأمر يؤشر إلى حجم حضور حزب الله في سوريا.
ويختم أيان بلاك مقاله بإعطائه مثالاّ عن السعودية التي قطعت المساعدات عن لبنان بسبب تساهل الحكومة اللبنانية مع حزب الله ولإعتبار حزب الله دولة ضمن الحدود اللبنانية فضلاً عن أنه يشكل موطئ قدم لإيران في قلب بلاد الشام , ونقل الكاتب البريطاني عن مسؤول خليجي رفيع قوله: “ إن مقتل بدر الدين مؤشر على طبيعة هذا النوع من الناس فهو كان خاطفاً وقاتل وقائداً لحزب الله ".
تفاصيل قليلة فقط هي المعروفة عن بدر الدين الذي قتل في انفجار غامض في قاعدة لحزب الله بمطار دمشق، على الرغم من كونه أحد أبرز الشخصيات في حزب الله وصهر عماد مغنية، حيث كان بدر الدين خلفاً لمغنية في القيادة بعد مقتل الثاني في عملية نفذتها الإستخبارات الأميركية والموساد الإسرائيلي في العاصمة السورية عام 2008، بحسب تقرير صحيفة “الغارديان” البريطانية.
وُلد بدر الدين في بيروت ببلدية الغبيري في 6 نيسان/أبريل 1961، وكان يعاني من عَرَجٍ واضح في مشيته يعتقد أنه نتيجة لإصابة أثناء قتاله إلى جانب إحدى المجموعات المؤيدة لفلسطين أثناء الغزو الإسرائيلي للبنان عام 1982.
كان بدر الدين يحمل إسماً حركياً هو سيّد ذو الفقار، حيث يشير إسم سيّد إلى صلة نسب بالنبي محمد، بينما ذو الفقار هو إسم السيف الأسطوري للإمام علي بن أبي طالب الذي يعد الرمز الإسلامي الأهم لدى الشيعة.
أُلقِي القبض على بدر الدين وحُكم عليه بالإعدام في الكويت عام 1983 بسبب الإشتباه في تورطه بالتخطيط لسلسلة من التفجيرات في الكويت بينها هجمات استهدفت السفارتين الأميركية والفرنسية، حيث يُعتقد أن تلك الهجمات جاءت إنتقاماً من الكويت والغرب على دعمهم للعراق في حربها مع إيران.
لم يُنفذ حكم الإعدام بحق بدر الدين، ربما بسبب سلسلة من الهجمات اللاحقة وإختطاف الطائرات للمطالبة بالإفراج عن المعتقلين في هجمات الكويت ومن بينهم بدر الدين، التي يشير البعض إلى أن عماد مغنية كان أحد المتورطين فيها. لم ينفذ الحكم أيضاً لأنه مع غزو صدام حسين للكويت في آب/ اغسطس 1990 قام بفتح السجون الكويتية، وهو ما مكّن بدر الدين من الهرب في ذلك الوقت.
هنا اختفت محاكمات بدر الدين، قبل أن تظهر من جديد مرة أخرى عام 2011، حيث قام فريق من المحققين من الأمم المتحدة بالتحقيق في تفجيرات 2005 التي قتل في أحدها رئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريري، قبل أن تشير التحقيقات إلى تورّط بدر الدين، حيث ذكر أنه لعب دور المنسق بين الشبكة التي قامت بتعقب واغتيال الملياردير اللبناني الشهير.
تشير سجلات المحكمة والجلسات الخاصة إلى ومضات من حياة بدر الدين الذي اتهم بالتآمر لتنفيذ عمل إرهابي، وتنفيذ عمل إرهابي عن طريق جهاز متفجر، بالإضافة إلى القتل العمد.
درس بدر الدين العلوم السياسية في الجامعة الأميركية اللبنانية في الفترة من 2002 إلى 2004، وكان يملك سيارة فارهة من طراز مرسيدس بنز، بالإضافة إلى متجر للمجوهرات في بيروت، وكان يملك شقة في منطقة جونيه، على الساحل الشمالي لبيروت، وهي منطقة تشتهر بالحياة الليلية النشطة، وهناك كان يلتقي أصدقاء للترفيه.
زعم المحققون أيضاً أن قائمة الأرقام على هاتف بدر الدين شملت بعض زملاء الجامعة ورجال أعمال، بالإضافة إلى مسؤولين رسميين في حزب الله وحراس شخصيين، وكذلك بعض الأقارب وبعض الأرقام التي يُفترض أنها لخليلاته.
أصبح بدر الدين قائداً عسكرياً في 2008 بعدما قتل صهره عماد مغنية إثر زراعة قنبلة في سيارته الخاصة. كان مغنية بمثابة مهندس الدفاعات في حزب الله خلال الحرب مع إسرائيل في 2006، بالإضافة إلى تورطه سابقاً في تفجير معبد يهودي في الأرجنتين في تسعينيات القرن الماضي.
لا توجد سوى صور نادرة لبدر الدين، ولم تستطع المحكمة تحديد تاريخ الصور بخلاف صورتين فقط، إحداهما كان بدر الدين فيها مراهقاً، بينما تبدو الثانية في فترة تواجده في الكويت، حيث بدا شاباً وسيماً ذا شعر مجعّد وشارب، وكان يرتدي بدلة دون ربطة عنق. قام القسم الإعلامي بحزب الله بتعميم صورة لبدر الدين يظهر فيها مرتدياً الزيّ العسكري، مع لحية رمادية ونظارات طبية.
ترك بدر الدين سجلات شخصية نادرة جداً، حيث يقول محققو الأمم المتحدة إنهم لم يعثروا على رخصة قيادة أو جواز سفر، كما لا يوجد سجل لأية ممتلكات مسجلة باسمه، ولا يوجد سجل لمغادرته للبنان، ولا أية حسابات بنكية بالإضافة لعدم وجود أية صور في الفترة التي اغتيل فيها الحريري. في الجسلة الافتتاحية لمحاكمته غيابياً في لاهاي، ذكر المحققون أنه كان يتحرك مثل الشبح الذي لا يمكن التعرف عليه أو تعقبه في أنحاء لبنان، كما أنه لم لا يترك أية آثار خلفه.
ينفي حزب الله بشدة كل هذه المزاعم، كما أنه لا يعترف بالمحاكمة. في السنوات الأخيرة، اشتهر بدر الدين بدوره القيادي لمجموعات حزب الله في سوريا، حيث تقاتل قوات حزب الله دعماً لقوات النظام السوري بقيادة الأسد، بالإضافة إلى التواجد الإيراني، حيث تشير التقديرات إلى مقتل 900 مقاتل من حزب الله، من بينهم جهاد مغنية، نجل عماد مغنية.
في عام 2012، تم فرض عقوبات على بدر الدين من قبل وزارة الخزانة الأميركية بسبب دوره في الحرب السورية، بينما أشار صحفي إسرائيلي إلى أن الهجمات التي قُتِل على إثرها جهاد مغنية بالقرب من هضبة الجولان العام الماضي كانت تستهدف بدر الدين بالأساس.
يقول الكاتب بأنه ليس واضحاً بعد من المسؤول عن مقتل بدر الدين لكنها تشكل نهاية أطول مطاردة لأجهزة الإستخبارت الإسرائيلية والغربية لقائد حرب العصابات الذي نجح في البقاء في الظل بينما كان يشارك في عمليات الإغتيال والعمليات العسكرية.
وأشار الكاتب البريطاني أن أول إعلان عن مقتل بدر الدين جاء عبر قناة الميادين التي قال فيها حزب الله بأن قتل في غارة جوية إسرائيلية .لكن هذا الخبر سحب في النهاية ولم يرد إسم إسرائيل في البيانات اللاحقة بل أكدت أن الحزب يعمل على تحديد ما إذا كان الأمر نتيجة غارة جوية أو قصف مدفعي على أن يتم لاحقا تحديد الجهة المسؤولة .
وقالت الصحيفة أن قناة الميادين نقلت أن بدر الدين قتل بغارة إسرائيلية لكن في وقت لاحق حذف هذا الخبر . وأضافت الصحيفة أن مقتل بدر الدين يشكّل ضربة كبيرة لحزب الله منذ العام ٢٠٠٨ يوم اغتيال عماد مغنية الذي قتل بسيارة مفخخة في دمشق .
وأشارت الديلي ميل أن بدر الدين وخليفته المتوقع ابراهيم عقيل هما آخر جيل المقاتلين القدامي الذين يملكون الخبرات منذ الحرب الأهلية في بيروت التي انتهت في العام ١٩٩٠ ومن المرجّح أن يعتمد حزب الله على الجيل الجديد من القادة.
وتناول الكاتب موضوع الإتهامات بقتل الشهيد بدر الدين فقال إن أصابع الإتهام الأولى كانت إسرائيل لكنه سحب فيما بعد من أجل تحديد الموقف بعد الإنتهاء من التحقيقات.
وقال الكاتب بغض النظر عن هوية القاتل بعد أن بات لبدر الدين بالإضافة إلى لإسرائيل أعداء من دول الخليج والجماعات المسلحة في سوريا فإن مقتله ينهي حياة رجل شبح في قيادة حزب الله، الذي أفادت التقارير عنه بأنه كان لا يملك جواز سفر أو رخصة لقيادة سيارة أو ملكية عقارية في لبنان.
ثم يتحدّث الكاتب عن دور بدر الدين وتاريخ انضمامه إلى الحركات المقاومة في السبيعنيات، ويضيف الكاتب أن بدر الدين برع في صناعة المتفجيرات أثناء الهجوم على السفارات الأميركية والفرنسية في بيروت عام ١٩٨٣ .