كيف تتخلص من مشكلة أردوغان؟
مشكلة تركيا أردوغان ظلت تتراكم لسنوات. وخلال هذه السنوات بدا أن المسؤولين الأميركيين يتفادون التعامل معها على أمل ألا تكون سيئة بالدرجة التي كانوا يخشونها أو أن تحل من تلقاء نفسها، بما يجنبهم الحاجة إلى اتخاذ قرارات صعبة تجاه حليف تاريخي يحدث أنه يحتل بعض أكثر المناطق الاستراتيجية أهمية على وجه الأرض. لكن عاجلاً أم آجلاً سيأتي يوم الحساب وعلى الولايات المتحدة أن تستعد من الآن للحد من الضرر.
ينطلق جون هنّا الخبير في الشأن الاستراتيجي والذي شغل منصب نائب مستشار الأمن القومي الأميركي في عهد جورج بوش، من أن تركيا تسير ببطء ولكن بشكل مؤكد باتجاه الهاوية متحدثاً عن مؤشرات قاتمة مثل "الاستبداد والإرهاب والحرب الأهلية" فيما تلوح في الأفق سيناريوهات أخرى مثل الدولة الفاشلة والتقسيم القسري. في ظل هذا الواقع يقول "ربما يقترب اليوم الذي سيضطر فيه صانعو القرار الأميركيون سواء رغبوا أو لم يرغبوا للتعامل مع السؤال التالي: ماذا يمكن أن تفعل مع حليف للناتو بات سيئاً لهذه الدرجة؟". يعرب الكاتب عن تأييده لتوصيف الرئيس الأميركي باراك أوباما لأردوغان بأنه فاشل في مقابلته الشهيرة مع "ذي اتلانتيك" مضيفاً على ذلك بأنه "يشكل تهديداً متنامياً للمصالح الأميركية وسياساته تعرض استقرار تركيا الحليف الرئيسي للناتو للخطر لكنها أيضاً تؤجج نيران التطرف والإرهاب ما وراء الحدود التركية في سوريا والشرق الأوسط وفي أوروبا على حد سواء".
وفق هنّا "في ظل القبضة المطلقة لأردوغان على السياسة في تركيا فإن خروجه من المشهد السياسي أو البدء بالتصرف على نحو أكثر انضباطاً، يمكن أن يغيرا الأمور نحو الأفضل، لكن أيا من هذين السيناريوهين غير قابل للتحقق". يذهب الكاتب إلى استعراض مجموعة من الخيارات على الشكل التالي: ـ لسنوات ظل الناس يتكهنون بأن بعض مسؤولي حزب العدالة والتنمية الأكثر مسؤولية سيقولون كفى في نهاية المطاف مما يؤدي إلى انشقاق داخل الحزب وتأسيس معارضة يمينية وسطية جدية وحقيقية للسلطة الاستبدادية المتنامية لأردوغان. لكن واحداً تلو الآخر بدءاً من الرئيس السابق عبدالله غول إلى نائب رئيس الحكومة بولنت ارينج إلى أحمد داوود أوغلو نفسه، كل هذه الشخصيات ذات المكانة المستقلة جرى كبحها وإذلالها من قبل أردوغان. لذلك هناك تطورات أخرى وأحداث ضعيفة الاحتمال لكن يمكن لها أن تعرقل مشروع أردوغان مثل اندلاع حركة احتجاج جماعية جديدة على غرار تظاهرات حديقة جيزي التي هزت حكومة أردوغان عام 2013. ـ لا يمكن استبعاد نوع من التدخل العسكري بشكل تام. هل يمكن السماح باستمرار تدهور الوضع في تركيا لجهة تنامي الإرهاب والصراع السياسي وجعل العلاقات تسوء مع الشركاء الغربيين التقليديين على سبيل المثال؟ ليس من المستبعد أن ينقلب الجيش على أردوغان في سبيل حماية تركيا من السير باتجاه الديكتاتورية الإسلامية وفشلها كدولة. ـ احتمال آخر يبدو مستبعداً هو عودة فضيحة الفساد الكبيرة التي طالت حزب العدالة والتنمية وأردوغان نفسه في كانون الأول/ ديسمبر 2013 للظهور من جديد. ـ وفقاً لذلك على واشنطن أن تتوقف عن التردد حين يقوم أردوغان بأعمال تهدد مصالحنا سواء في تركيا أو ما وراء حدودها. يجب ألا يترك الشعب التركي في دائرة الحيرة والتساؤل عما إذا كانت الولايات المتحدة تدعم انتهاك أردوغان للديمقراطية في تركيا وحرية التعبير وسيادة القانون. يجب أن تكون واضحة بالنسبة لهم المخاوف الأميركية من أن حرب أردوغان على حزب العمال الكردستاني ليست رابحة عسكرياً وأنه كلما تم تسريع عملية السلام مع الكرد كلما كانت تركيا قادرة على تجنب تقسيمها. يجب أن يعلموا أننا نعي مداعبة أردوغان للجهادية السنية في سوريا وأماكن أخرى وأننا نعارضها بشدة. ويجب ألا يبقى لديهم أدنى شك بأن أي محاولة من قبل أردوغان لاستخدام مأساة اللاجئين كسلاح لتقويض وزعزعة استقرار حلفائنا الأوروبيين هي مرفوضة. ـ هناك خطوة أكبر يجب على الولايات المتحدة أخذها بجدية وهي البحث عن بديل لقاعدة انجرليك الجوية التي لعبت خلال السنوات الماضية ولا تزال دوراً مهماً في عمليات الولايات المتحدة والناتو العسكرية في المسرح العراقي السوري. إن الاعتماد الأميركي على أنجرليك لا شك جعل الولايات المتحدة مترددة في اتخاذ موقف من السياسات التدميرية لأردوغان. إن قراراً أميركياً بدراسة القواعد البديلة لانجرليك سيكون بمثابة ضربة قوية لأردوغان وتحذير من واشنطن بأنها لن تسمح بإبقاء مصالحها رهينة سياساته الخطيرة وبأنها مستعدة للرهان على شركاء موثوقين أكثر وقد يكون على رأس اللائحة كردستان العراق والإمارات العربية المتحدة والأردن. بعد استعراض هذه الخيارات يخلص الكاتب في "فورين بوليسي" إلى "أن مشكلة تركيا أردوغان ظلت تتراكم لسنوات. وخلال هذه السنوات بدا أن المسؤولين الأميركيين يتفادون التعامل معها على أمل ألا تكون سيئة بالدرجة التي كانوا يخشونها أو أن تحل من تلقاء نفسها، بما يجنبهم الحاجة إلى اتخاذ قرارات صعبة تجاه حليف تاريخي يحدث أنه يحتل بعض أكثر المناطق الاستراتيجية أهمية على وجه الأرض"، مضيفاً "لكن العناية الإلهية لم تتدخل لتجنيبنا ذلك. بدلاً من ذلك فإن المشكلة التي يمثلها أردوغان تزداد سوءاً ووتتفاقم لتخلق تهديدات أكبر للمصالح الأميركية. عاجلاً أم آجلاً سيأتي يوم الحساب وعلى الولايات المتحدة أن تستعد من الآن للحد من الضرر.