كيف خدعت السعودية دونالد ترامب؟

الولايات المتحدة وقعت على السياسة الخارجية السعودية التي تقوم على سلسلة من المعارك ضد الشيعة وحلفائهم في الشرق الأوسط، مما سيجعل واشنطن عالقة في صراع مذهبي لا ينتهي، ويغذي حالة عدم الاستقرار في المنطقة ويعقّد العلاقات مع دول مثل العراق الذي يريد علاقات جيدة مع الطرفين. لكن الأهم، أن ذلك لن يؤدي إلى معالجة التهديد المباشر والمستمر للأميركيين، المتمثل بالإرهاب الجهادي. كنت أعتقد أن سياسة ترامب الخارجية ستضع أميركا أولاً لا السعودية.

واشنطن بوست: لعقود نشرت السعودية نسختها المنغلقة والمتزمتة من الإسلام
كتب فريد زكريا في "واشنطن بوست"

جاء التفجير البشع الذي وقع في مانشستر في إنكلترا هذا الأسبوع لينبه مجدداً إلى أن الخطر المتأتي من الإرهاب الراديكالي الإسلامي لا يزال مستمراً.
كما أن رحلة الرئيس ترامب إلى الشرق الأوسط أظهرت مرة جديدة أن السعودية، البلد الرئيسي في نشر الإرهاب، نجحت في التهرب وصرف الأنظار عن مسؤوليتها في هذا المجال. في الواقع لقد منح ترامب السعودية بطاقة بيضاء وأطلق يدها في المنطقة.  


الحقائق تبدو معروفة جيداً. لخمسة عقود، نشرت السعودية نسختها الضيقة وغير المتسامحة والمتزمتة من الإسلام، التي بالأساس لم تكن تمارس في أي مكان آخر من العالم الإسلامي. أسامة بن لادن كان سعودياً تماماً كما كان إرهابيو 11 أيلول التسعة عشر.   

وإننا نعرف من خلال الرسائل البريدية التي تمّ تسريبها لوزيرة الخارجية الأميركية السابقة هيلاري كلينتون أن "الحكومة السعودية إلى جانب قطر كانت تزود في السنوات الماضية داعش وغيره من التنظيمات الراديكالية السنية في المنطقة بالدعم المالي واللوجستي".  

   
يحتل السعوديون من حيث العدد المرتبة الثانية بين المقاتلين الأجانب في صفوف داعش، وبعض الإحصاءات تتحدث عن أنهم الأكثر عدداً في صفوف التنظيم في العراق، فيما تبدو المملكة في تحالف ضمني مع القاعدة في اليمن. يستقي داعش معتقداته من النسخة السعودية للإسلام أي الوهابية. وهو ما قاله الإمام السابق للمسجد الكبير في المملكة العام الماضي بأن داعش "استفاد من مبادئنا التي يمكن العثور عليها في كتبنا. نحن نتبع الفكر نفسه لكننا نطبقه على نحو أكثر دقة". إلى حين يصبح بإمكان داعش كتابة كتبها الخاصة في مدارسها الخاصة فإنه يتبنى المناهج السعودية كما لو أنها مناهجه. 


الإسلام الأوروبي بدأ يتحول الآن بفعل المال السعودي. إذ إن تقريراً استخباراتياً ألمانياً يظهر أن الجمعيات الخيرية المرتبطة بالحكومة في السعودية وقطر والكويت تموّل المساجد والمدارس والأئمة بهدف نشر الاسلام المتطرف وغير المتسامح في جميع أنحاء ألمانيا.

كارلوتا غال تصف في "نيويورك تايمز" عملية تدمير الإسلام المعتدل المتبع منذ 500 سنة في كوسوفو. تقول "من مواقعهم، نشر الأئمة المدربون في السعودية تعاليم المذهب الوهابي: سيادة الشريعة كما الأفكار الجهادية العنيفة والتكفير الذي يسمح بقتل المسلمين الذين يعتبرون مرتدين لعدم اتباعهم الإسلام. وغالباً ما كانت المساعدة الخيرية مشروطة. إذ إن العائلات كانت تعطى رواتب شهرية شرط حضور الخطب في المسجد وارتداء النساء والفتيات الحجاب".    


بدأت الحكومة السعودية بإبطاء الكثير من ممارساتها الأكثر فظاعة. ويقودها اليوم، بحكم الأمر الواقع، شاب إصلاحي ذكي هو ولي ولي العهد محمد بن سلمان الذي يبدو براغماتياً، على شاكلة حاكم دبي الملهم الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم. لكن حتى الآن ترجمت الإصلاحات السعودية بسياسة اقتصادية أفضل في المملكة ولكن ليس بقطيعة مع المؤسسة الدينية النافذة. 


إن خطاب ترامب عن الإسلام أظهر تعاطفاً مع الضحايا المسلمين للإرهاب الجهادي (والذين يشكلون 95% من ضحايا). وبدا وكأنه يركز على المشكلة حين قال "إنه لا يمكن القضاء على هذا التهديد بشكل كامل من دون ذكر الحكومة التي تمنح الإرهابيين الملاذ الآمن والدعم المالي والمكانة الاجتماعية اللازمة للتجنيد". 
لكن ترامب لم يكن يتحدث عن الدولة التي تستضيفه، السعودية، بل عن إيران. لنكن واضحين، إيران قوة تساهم في زعزعة الاستقرار في الشرق الأوسط وتدعم بعض اللاعبين السيئين جداً، لكن من غير الدقيق على الإطلاق وصفها بمصدر الإرهاب الجهادي. وفق تحليلات بيانات الإرهاب العالمي التي أعدها ليف وينار لمصلحة "كينجز كولدج لندن" فإن 94% من ضحايا الإرهاب الإسلامي منذ 2001 قتلوا على يد داعش والقاعدة وغيرهما من الجهاديين "السنة". إيران تحارب هذه الجماعات ولا تغذيها. تقريباً كل اعتداء إرهابي في الغرب كان على صلة بالسعودية، فيما لم يتم ربط أي منها تقريباً بإيران.  


تبنى ترامب الخط السعودي في مجال الإرهاب، أي الخط الذي يحرف المسؤولية عن عاتق المملكة ويلقيها على إيران. أمطر السعوديون مفاوضي ترامب عديمي الخبرة بالاهتمام من خلال صفقات الأسلحة والتبرعات لمؤسسة البنك العالمي التي تملكها إيفانكا ترامب.  
(المرشح ترامب كتب في تعليق على فايسبوك في 2016 أن السعودية والكثير من الدول التي تعطي مبالغ ضخمة من المال لمؤسسة كلينتون تريد استعباد النساء وقتل المثليين. على هيلاري إرجاع كل هذا المال الذي حصلت عليه من هكذا دول)، باختصار السعوديون خدعوا ترامب. 


الولايات المتحدة وقعت على السياسة الخارجية السعودية التي تقوم على سلسلة من المعارك ضد الشيعة وحلفائهم في الشرق الأوسط، مما سيجعل واشنطن عالقة في صراع مذهبي لا ينتهي، ويغذي حالة عدم الاستقرار في المنطقة ويعقّد العلاقات مع دول مثل العراق الذي يريد علاقات جيدة مع الطرفين. لكن الأهم، أن ذلك لن يؤدي إلى معالجة التهديد المباشر والمستمر للأميركيين، المتمثل بالإرهاب الجهادي. كنت أعتقد أن سياسة ترامب الخارجية ستضع أميركا أولاً لا السعودية.