داعش سيخسر الموصل والرقة. ماذا بعد ذلك؟
صحيفة واشنطن بوست الأميركية تستشرف مرحلة ما بعد سقوط داعش في الموصل والرقة متوقعة مرحلة صعبة في ظل عدم القضاء على جذور الاسباب التي أدت إلى ظهور داعش.
أخيراً يتم إخراج مسلحي تنظيم
داعش من معقليهم الرئيسيين: مدينة الموصل شمال العراق ومدينة الرقة شرق سوريا. طوال
ثلاث سنوات سيطروا على مركزين حضريين، خصوصاً الموصل، بما يؤكد طموحاتهم لبناء خلافة
حديثة. اليوم، وبعد أشهر من الغارات
الجوية وهجوم طويل مدعوم من الولايات المتحدة، يتراجع المسلحون.
الأسبوع الماضي، أشاد رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي باستعادة مسجد النوري الكبير في الموصل، الذي تحول إلى أنقاض على أيدي المسلحين، وكأنها نهاية "خرافة داعش". ويشار إلى أنه من هذا المكان أعلن أبو بكر البغدادي الخلافة.
حالياً، تخوض القوات العراقية المراحل الأخيرة من الحرب، في حرب شوارع شرسة تدور من بيت إلى آخر من أجل استعادة الأحياء المتبقية تحت سيطرة المسلحين.
من جهتها، قالت السلطات الأميركية الثلاثاء، إنّ حلفاءها في سوريا، أي قوات سوريا الديمقراطية، اخترقت جداراً يحيط بمدينة الرقة القديمة، حيث معقل داعش.
وبعد أشهر من غارات جوية مستمرة على المدينة، سيتوجب على مقاتلي داعش مواجهة عدوهم في الشوارع.
أكبر مسؤول مدني أميركي ينسق معركة تنظيم داعش بريت ماكغرك، أشاد بهذه اللحظة قائلاً إنها "نقطة تحول رئيسية" في حملة تحرير الرقة. ولكن حتى لو أنّ داعش يخسر، لا يعني ذلك أنه يمكن لأحد أن ينام على حرير.
لا يزال هناك عدد من المدنيين لا يمكن إحصاؤه، ضعيفاً ويحتاج إلى المساعدة، كما أنه يواجه خطر الجوع والمرض فضلاً عن الأعمال الوحشية التي يمارسها التنظيم.
في الموصل، لقي العشرات وربما المئات حتفهم في الغارات الجوية التي يقودها التحالف.
قالت المتحدثة باسم اللجنة الدولية للصليب الأحمر إيولندا جاكمت، "يتحدث مدنيون فروا من التجارب المخيفة التي تعرضوا لها. تم القبض عليهم تحت القصف الجوي والمدفعيات القناصين والسيارات المفخخة".
في الرقة أيضاً، مئات الآلاف من الأشخاص ألقي القبض عليهم في ظلّ الاشتباكات، وقد ارتفع عدد الإصابات نتيجة الغارات الجوية، كما القناصين، والإعدامات الوحشية التي نفذها جهاديو داعش لبث الرعب في المدنيين في المدينة.
في هذا الإطار، يبدو تأمين السلام أصعب من كسب الحرب.
تقرير حديث لمركز مكافحة الإرهاب في "ويست بوينت" أكد على "أهمية ما بعد التحرير، الحكم والسياسات"، مسجلاً "مئات الهجمات التي نفذها داعش في المناطق التي يفترض أنه طرد منها، مع الإشارة إلى استمرار وجود الخلايا المسلحة في المناطقة المحررة من سيطرتها.
وكتب صاحبا التقرير دانيال ملتون ومحمد العبيدي أنّ "إخراج داعش من سوريا والعراق، على الرغم من أنه خطوة مهمة، لن يضمن تحقيق مهام ما بعد التحرير، أو يقلل من احتمال عودة ظهور داعش أو منظمات إرهابية أخرى للاستفادة من السلام الهش".
هنا تزداد الأمور تعقيداً. إن تحرير الموصل في العراق، هو الخطوة الأولى من دراما متوترة تتطور في البلاد، حيث أن الحكومة يهيمن عليها الشيعة في بغداد، وستصارع من أجل تأكيد سيطرتها.
أما الكرد العراقيون، الأساسيون في المعركة ضدّ داعش، فيدفعون الآن إلى إجراء استفتاء من أجل الاستقلال في منطقتهم المتمتعة بالحكم الذاتي.
ولا يزال السنة المحليون غير واثقين من عدد من الميليشيات المدعومة من إيران التي ساعدت في سد الفراغ الأمني.
"إنّ معظم الحرب ضد داعش وقعت في منطقة لطالما شهدت حروباً للسيطرة عليها منذ اكتشاف النفط في كركوك عام 1930" كتب جوست هلترمان من مجموعة الأزمة الدولية.
"الصراعات الأعمق هنا، بين العرب والكرد، بين الشيعة والسنة، بين القوى المجاورة كإيران وتركيا، وبين الكرد أنفسهم، ستتصاعد طالما أن المنتصرين، محصنين بإمدادات الأسلحة والتدريب العسكري التي تقدمها الحكومات الأجنبية، ينخرطون في التدافع من أجل الغنائم".
الحملة في الرقة أيضاً، على قدر من التعقيد السياسي. إنّ قوات سوريا الديمقراطية المدعومة من الولايات المتحدة "منبوذة" من قبل تركيا بسبب العلاقة مع حزب العمال الكردستاني، الذي تعتبره واشنطن منظمة إرهابية.
زميلتي آليس مارتنز أمضت يوماً، مؤخراً، مع أحد المنشقين عن قوات سوريا الديمقراطية على الجبهة في الرقة. وقالت "بعض القادة الذين التقيتهم بدوا كأنهم على علاقة مباشرة أكثر مع حزب العمال الكردستاني، يتحدثون بلهجة تركية وغيرها، رافضين البوح من أين أتوا". وغالبا ما كانوا يجهلون أسماء القرى أو الأحياء التي كانوا يقاتلون فيها.
في واشنطن، يجهّز مخططون مدنيون وعسكريون للمرحلة المقبلة من الحرب بسوريا. تبدو المعركة وكأنها، كما كتبت زميلتي كارن دي يونغ، معقدة من شأنها أن تجعلهم في صراع مباشر مع الحكومة السورية والقوات الإيرانية للتنافس على السيطرة على امتداد الصحراء الشاسعة في الجزء الشرقي من البلاد".
وقد وقعت اشتباكات مع قيام الولايات المتحدة بإسقاط طائرات بدون طيار تستخدمها الميليشيات المدعومة من إيران.
إنّ خطر تصعيد المشاركة العسكرية الأميركية في سوريا، الذي حاولت إدارة أوباما تجنبه، يبدو الآن حقيقياً تحت إدارة ترامب.
ويبدو أنه لا يزال هناك انقسام
بين البيت الأبيض ومسؤولين في البنتاغون حريصين على تجنب الانزلاق إلى الحرب السورية
واحتمال إزالة الأسد.
إن الفوضى المنتشرة والمجهول سيحلان مكان داعش.
وفق شارلي وينتر من المركز العالمي
للدراسات حول التطرف فإن "الحقيقة هي أنه بالرغم من العنف المفرط الذي
استخدمه داعش أظهر الأخير أيضاً قدرة على خلق البيئة الخاصة به، وهي بيئة مضطربة
تقوم على الاستقطاب وتستوعب الفكر الجهادي على نحو جيد".
في ظل هذا المناخ القائم، فإن جذور الأسباب التي أدت إلى ظهور داعش، الاضطرابات السياسية،
والتوترات الطائفية لن تعالج قريباً.