العلاقات بين إسرائيل والجماعات المسلّحة في جنوب سوريا (دراسة)
في ضوء تغطية الإعلام للدعم الإسرائيلي لبعض الجماعات المسلحة التي تقاتل النظام السوري على طول الحدود مع إسرائيل يقدّم أيمن جواد التميمي في مركز "روبن" رؤية أوسع للوضع في تلك المنطقة ويقدّم تفاصيل إضافية ليخلص إلى تقييم السياسات الإسرائيلية والأهداف عند الحدود انطلاقاً من مخاوف تل أبيب وهواجسها تجاه الوضع في سوريا.
ملاحظة المحرر: نشر عدد من المقالات في الأسابيع الأخيرة حول علاقات إسرائيل مع المتمردين السوريين العرب في منطقة شرق القنيطرة. بعض هذه المقالات افتقر للمعلومات والمصادر التي تشكل أرضية لها. لذلك يفخر "مركز روبن" بتقديم تقرير خاص من إعداد الزميل أيمن جواد التميمي وهو يمثل أكثر الدراسات عمقاً وجدية التي نشرت حتى الآن حول هذه القضية المهمة.
في ضوء تغطية الإعلام للدعم الإسرائيلي لبعض المتمردين السوريين الذين يقاتلون نظام الأسد على طول الحدود مع إسرائيل في محافظة القنيطرة، يقدّم هذا المقال رؤية أوسع للوضع على طول الحدود الإسرائيلية مع سوريا. كما أنه يعرض سياقاً أفضل من خلال تقديم تفاصيل إضافية ليست موجودة في التغطية الإعلامية الراهنة. المقال يخلص إلى تقييم السياسات الإسرائيلية والأهداف عند الحدود نظراً للمخاوف المختلفة تجاه الوضع في سوريا.
مقدمة
للمرة الأولى سمّت التقارير الإعلامية مجموعة محددة تتلقى دعماً إسرائيلياً هي: فرسان الجولان، وهي مجموعة تتواجد في بلدة جباتا الخشب التي لا يزال يسيطر عليها المسلحون والواقعة في الجهة المقابلة تماماً لبلدة بقعاتا في هضبة الجولان التي تسيطر عليها إسرائيل.
هدف هذا المقال في جزء منه تقديم رؤية مفصلة أكثر عن "فرسان الجولان" والوضع في جباتا الخشب خصوصاً في ما هو مرتبط بالصراع الأوسع بين نظام الأسد والمسلحين الذي يعدّ خط الصدع الرئيسي في محافظة القنيطرة.جنوباً على طول هضبة الجولان تقع الحدود مع الجزء الجنوبي الغربي من محافظة درعا. إن الجزء السوري من هذه الحدود يقع تحت سيطرة مجموعة تدعى "جيش خالد بن الوليد" المرتبطة بداعش والتي تخوض حرباً مع الفصائل السورية المسلحة شمال وشرق المنطقة التي تسيطر عليها والتي تتشارك أيضاً حدوداً مع الأردن المشارك في التحالف الدولي ضدّ داعش بقيادة الولايات المتحدة.
لحظت التغطية الإعلامية لهذه المنطقة حقيقة تشارك الحدود بين إسرائيل و"جيش خالد بن الوليد" لكن لم يتمّ تقديم سوى القليل من المعلومات حول الديناميات الداخلية لهذه المجموعة. في الواقع بعض التطورات الأخيرة المهمة مرّت من دون أن يلحظها أحد. بغرض تقديم صورة أكثر وضوحاً سيسلط هذا المقال الضوء على جبهة الجولان الجنوبية وبشكل منفصل عن الوضع في محافظة القنيطرة.
جيش خالد بن الوليد: إزعاج داخلي لا تهديداً وشيكاً
من جهة أخرى كانت "كتائب شهداء اليرموك" حتى الآن التنظيم الأكبر والأقدم في حوض اليرموك مسيطراً على قرى عديدة انطلاقاً من قاعدتها الرئيسية في قرية جملة التي نشأت فيها.
منذ نهاية 2014 و"كتائب شهداء اليرموك" تخوض حروباً مع المجموعات الأخرى المسلحة بدءاً من اغتيال أبو محمد المسالمة رجل الدين المرتبط بها والمحارب الأفغاني القديم في تشرين الثاني/ نوفمبر 2014 وصولاً إلى اشتباك مفتوح في الشهر الذي تلاه مع "جبهة النصرة"، الفرع السوري للقاعدة، والتي اتهمت "كتائب شهداء اليرموك" بالعلاقة مع داعش. هذه الاتهامات كانت في الواقعة صحيحة بالرغم من أنه لم تكن هناك أدلة لدعمها في حينه كما أن هذه الادعاءات لم تكن مقبولة عالمياً.
لكن بعد الاشتباك مع "جبهة النصرة" باتت علاقة "كتائب شهداء اليرموك" فضلاً عن عدائها الأوسع تجاه الجماعات المتمردة الأخرى أكثر وضوحاً.
في المقابل جعل تشكيل "جيش خالد بن الوليد" العلاقة بين داعش ومكوناته أكثر وضوحاً، والدليل على ذلك إنتاج تقارير وإشعارات حول نشاط "جيش خالد بن الوليد" والتطورات في حوض اليرموك عبر وكالة "أعماق" التابعة لداعش.
باستثناء الاشتباك القصير في تشرين الثاني/ نوفمبر 2016 الذي شاركت فيه قلة من عناصر "جيش خالد بن الوليد" لم تقع أي حوادث أمنية مع القوات الإسرائيلية.
هناك تصور خاطئ حول حادثة تشرين الثاني/ نوفمبر 2016 التي قيل إن داعش اعتذر عنها لإسرائيل. وقد أثارت هذه الرواية تعليقات وزير الدفاع السابق موشيه يعالون.
لا دليل يدعم الادعاء بحصول اعتذار. بل إن التصور الخاطئ نشأ على الأرجح من طمس حقيقة أن الحادث لم يكن هجوماً مخططاً له ضدّ إسرائيل بل ردّة فعل عبّرت عنها قلّة من عناصر المجموعة على ما بدا لها تعدياً إسرائيلياً على الأرض التي يسيطر عليها التنظيم.
وقد يكون ذلك السبب الذي أثار غضب قيادة "جيش خالد بن الوليد" على الوحدة التي تورطت في الاشتباك، لعدم الرغبة في إثارة حرب أوسع مع إسرائيل. مع ذلك فإن عدم الرغبة بحرب أوسع مع إسرائيل هو بكل بساطة مسألة أولويات، وليس مرتبطاً بأي نوع من التقارب السري أو العلاقات أو التواصل مع إسرائيل.
"جيش خالد بن الوليد" منخرط في حرب مع المسلحين السوريين الآخرين وليس بوسعه القتال على جبهة أخرى ضدّ قوة متفوقة عسكرياً إلى حدّ كبير. في المقابل ليست لدى إسرائيل مصلحة في شن هجوم أوسع ضدّ "جيش خالد بن الوليد" ليس رغبة منها بإبقاء حضور مرتبط بداعش على طول حدودها من أجل حصد التعاطف، بل لأن أي محاولة جدية لإقصاء "جيش خالد بن الوليد" تتطلب غزواً عبر قوات برية وهو حل سياسي غير قابل للحياة.
في الوقت نفسه، من الصعب افتراض أن إسرائيل لا تعمل بطريقة ما على تعطيل نشاط "جيش خالد بن الوليد" على الأرجح بالتنسيق مع الأردن والتحالف الدولي ضدّ داعش.
في تشرين الأول/ أكتوبر 2016 اغتيل، أول أمير لـ"جيش خالد بن الوليد" أبو هاشم الشامي المتحدر من إدلب الذي أرسله داعش إلى الشمال لقيادة الجيش، في ظروف غامضة قيل إنها تصفيات داخلية.
في أعقاب اغتياله، عيّن أمير يدعى أبو محمد المقدسي واعتقل الجهاز الأمني التابع لـ"جيش خالد بن الوليد" شخصيات عديدة من جملة لارتباطها بالتنظيم الأساسي أي "لواء شهداء اليرموك" بمن فيهم السوري الفلسطيني أبو عبيدة قحطان المحارب السابق في أفغانستان الذي كان مساعداً مقرباً من مؤسس اللواء محمد البريدي (الخال) بالإضافة إلى شقيق الخال نضال البريدي.
الاتهامات الدقيقة خلف هذه التوقيفات لم تتضح أبداً، على الرغم من أن الاشتباه بالتواطؤ مع إسرائيل والتورط في اغتيال أبو هاشم الشامي كان من بين الشائعات التي سرت.
أحد التحليلات رأى في الاعتقالات مؤشراً على صراع على السلطة بين العناصر السابقين في حركة "المثنى" و"لواء شهداء اليرموك".
تقلّصت "حركة المثنى" إلى ما لا يزيد عن عشرات العناصر مع انتقالها إلى حوض اليرموك في ربيع 2016، حيث خسرت كل الأراضي التي كانت تسيطر عليها لمصلحة الجماعات المسلحة السورية. وقد قتل نائب قائد المجموعة أبو عمر صواعق في انفجار في منزله بعد وقت قصير من إنشاء "جيش خالد بن الوليد". وقد قيل إنه من بين الذين رفضوا فكرة الاندماج مع "لواء شهداء اليرموك".
في أعقاب تشكيل "جيش خالد بن الوليد" ألقي القبض على عناصر سابقين في حركة "المثنى" وهم يحاولون الهروب من حوض اليرموك، فيما ترك أمير الحركة أبو أيوب المسالمة الحوض خلال صيف 2016 ومنذ ذلك الحين صدرت تقارير متناقضة حول مكان وجوده، لكن أحد الادعاءات الذي يتحدث عن محاولة "حركة المثنى" انتزاع السلطة يقول إنه غادر إلى أراضي داعش الرسمية بهدف حشد تأييد قيادتها ضدّ "لواء شهداء اليرموك".
لكنّ تحليل الأحداث على أنها محاولة لانتزاع السلطة من قبل "حركة المثنى" يتناقض مع حقيقة أنه لم يتم الاحتفاظ بأي من الشخصيات الهامة من "لواء شهداء اليرموك" في تلك الفترة قيد الاعتقال كما أن الآخرين لم يتم اعتقالهم على الإطلاق.
على سبيل المثال أبو علي سرايا المعروف أيضاً بأبو علي سبات الذي ترأس المحكمة الشرعية خلال الأيام الأخيرة للواء شهداء اليرموك هو لم يعتقل. أبو حمزة القم الذي ترأس المحكمة الشرعية لـ"جيش خالد بن الوليد" خلال أواخر صيف وخريف 2016، تمّ إلقاء القبض عليه بعد وقت قصير من إزاحته من منصبه لكن أطلق سراحه لاحقاً.
لم يبدُ أن اغتيال أبو هاشم الشامي وموجة الاعتقالات أنها من عمل "جيش خالد بن الوليد". على سبيل المثال استمر إنتاج الصور من قبل المكتب الاعلامي لــ"جيش خالد بن الوليد". هذا التنظيم كان قادراً على شن هجوم ناجح في شباط/ فبراير 2017 ضدّ المسلحين الذين سيطروا على أحياء عدة بما فيها تسيل وشام الجولان، من خلال قرصنة اتصالاتهم.
مع ذلك استهدفت في حزيران/ يونيو 2017 قيادة "جيش خالد بن الوليد" مرتين في غارات تشير إلى اختراق كبير للاستخبارات الإسرائيلية والأردنية واستخبارات التحالف الدولي ضدّ داعش.
الغارة الأولى نفذت خلال زيارة موسّعة للجنة أرسلها داعش في الشمال إلى حوض اليرموك. هدف الزيارة التي بدأت في نهاية أيار/ مايو 2017 بدا وكأنه عملية تفتيش بما في ذلك مراقبة نقاط المواجهة وتلقي أي شكاوى من السكان. كذلك سرت شائعة بأن اللجنة كانت تنظر في قضيتي أبو عبيدة قحطان ونضال البريدي على وجه التحديد.
كما استهدفت غارة اجتماعاً في 6 حزيران/ يونيو 2017 يضمّ هذه اللجنة وبعض قيادات "جيش خالد بن الوليد": من بين الذين قتلوا في الغارة كان أبو محمد المقدسي، أبو محمود بنّش، وأبو عدي الحمصي، والأخيران قياديان عسكريان في الفصيل المذكور. بعض التقارير زعم أن أبو علي سرايا كان من بين القتلى أيضاً، لكن لاحقاً اكتشف أن ذلك ليس صحيحاً. وحلّ أبو هاشم الرفاعي، القائد العسكري الذي يتحدر من تل شهاب مكان أبو محمد المقدسي كأمير لجيش خالد بن الوليد.
بحلول ذلك كان أبو عبيدة القحطان ونضال البريدي وخالد جمال ونادر القاسم وأبو تحرير الأردني قد جرى قتلهم. بعد ذلك استهدفت غارة أخرى في 28 حزيران/ يونيو 2017 اجتماعاً يضمّ أبو هاشم الرفاعي ووجوهاً أخرى من الفصيل ما أدى إلى مقتل أبو هاشم نفسه كما أبو حمزة القم وأبو عبيدة (المسؤول في جهاز الحسبة) ويبدو أن أبو علي سرايا نجا من هذه الغارة ونجح بالهروب. هناك احتمالات متعددة حول الجهة التي تقود هذه الغارات: إسرائيل، الأردن، و/ أو التحالف الدولي ضدّ داعش. لكن لا تقارير صدرت عن مركز القيادة الأميركية بخصوص تواريخ الغارات المزعومة في حوض اليرموك. من المستبعد بكل بساطة ألا تسعى إسرائيل والأردن والتحالف، بناء على قاعدة بديهية، إلى الحصول على معلومات استخبارية عن طبيعة عمل "جيش خالد بن الوليد" وتعطيل التنظيم على مستوى قيادته على أمل أن تمنح هذه الاضطرابات الجماعات المسلحة فرصة استعادة الأرض منه والدفع في نهاية المطاف نحو معقله.
بالتأكيد هناك رؤية في حوض اليرموك أن المعلومة جرى تناقلها عبر بعض السكان إلى هؤلاء اللاعبين في محاولة حثيثة لتقويض "جيش خالد بن الوليد": "أسأل الله أن يعاقبهم الله" (السكان الذين نقلوا المعلومة)" قال أبو عدي الدرعاوي للكاتب. يجب أن ننتظر لنرى ما مدى حجم فعالية استراتيجية قطع الرؤوس ضدّ "جيش خالد بن الوليد" لكن من وجهة نظر إسرائيل والأردن والتحالف هذه الاستراتيجية هي الخيار الأكثر قابلية للحياة نظراً لعدم القدرة على التدخل البري.
نظراً للفساد والتقسيم الفصائلي والتضاريس الصعبة لمنطقة حوض اليرموك لم يؤد القتال بين الفصائل و"جيش خالد بن الوليد" سوى إلى حالة من الجمود على الرغم من أن عددها يفوق بلا شك عدده.
بالنظر إلى أولويات "جيش خالد بن الوليد" وقدراته فإن إرباكه من خلال الغارات التي لا يستطيع الردّ عليها يضمن عدم وجود تهديد وشيك من قبله على إسرائيل.
جبهة القنيطرة: نظرة عن كثب لجباتا الخشب
العائلات الرئيسية الموجودة في جباتا الخشب التي يمارس سكانها بشكل أساسي الزراعة هي: مريود، بكر، نصار، علّان، غانم، حجازي، الشارحي، كيوان.
كما الكثير من المناطق السورية بعض السكان هم من النازحين. سقطت جباتا الخشب في تموز/ يوليو 2012.
أول تشكيل كبير في المنطقة كان ما يسمى "المجلس العسكري" الذي نشأ بالتوافق بين الجميع. وعرف المجلس العسكري بأسماء أخرى مثل "مجلس القنيطرة العسكري" كما "المجلس العسكري في القنيطرة والجولان" و"المجلس العسكري الثوري في القنيطرة والجولان". وقد قاده أحد المنشقين عن الجيش السوري ويدعى عبدالاله البشير الذي قتل ولده في المعركة داخل القنيطرة في تشرين الثاني/ نوفمبر 2013.
تمكن عبد الاله البشير من أن يصبح قائد الجيش السوري الحر كله المرتبط بالحكومة الموقتة والمعارضة في المنفى في شباط/ فبراير 2014 ليحلّ مكان سليم ادريس. ليحلّ مكان عبد الإله البشير في القنيطرة رضوان حمدي الرفيع. ليس من مصلحة هذا المقال الخوض في بيانات ونتائج الحرب المرتبطة بالمجلس العسكري. مع ذلك يبدو أن تأثير المجلس العسكري كان أكبر بين 2012 وبداية 2014. في منتصف 2014 وما بعده، هناك إشارات على التراجع. تزايدت الاتهامات بالفساد ضدّ المجلس العسكري. على سبيل المثال كتب المركز الإعلام في القنيطرة في حزيران/ يونيو 2014:
“دفعت الحكومة الموقتة مبلغ 300 ألف دولار لمحافظة القنيطرة لكن المبلغ تمت مصادرته من قبل أبو طلال عبد الاله البشير، حيث وزع 50 ألف دولار لكتائب الفرقان في كناكر (الواقعة في ريف دمشق) وليس لأبناء القنيطرة، ووزع 250 ألف دولار للمجلس العسكري في رفيد. نحن أبناء القنيطرة نطالب بمحاكمة عادلة لرئيس المجلس العسكري ورئيس هيئة الأركان عبد الإله البشير”.
كذلك اتهم المجلس العسكري بقمع المتظاهرين المحليين وسط مخاوف بشأن اختلاس أموال من قبل المجلس المحلي في الرفيد الموكل إليه القيام بمشاريع خدماتية.
رغم ذلك لا يزال المجلس العسكري قائماً حتى اليوم لكنه يعدّ فصيلاً صغيراً جداً لا حضور له في جباتا الخشب، فيما بات نتاجه الإعلامي مقتصراً بشكل رئيسي على إصدار بيانات التعزية للفصائل الأخرى في حين تقوم العمليات الميدانية على إدارة بعض النقاط في الجبهة الأمامية ضدّ "جيش خالد بن الوليد".
للمجلس العسكري أهمية هنا لأنه المنظمة الرئيسية التي انبثقت منها فرسان الجولان. أبو محمد المنتمي لعائلة نصار في جبة الخشب وأحد قادة فرسان الجولان قال إن جزءاً من "فرسان الجولان" كان ينتمي إلى المجلس العسكري.
حين أنشئ "فرسان الجولان" في البداية في إطار المجلس العسكري وقع انفصال مع المجلس العسكري بسبب الفساد ونقص الدعم.
وتعود مشاكل الفساد إلى المرحلة التي أعقبت تولي رضوان حمدي الرافي لقيادة المجلس العسكري. أما الانفصال عن المجلس العسكري فحصل في حزيران/ يونيو 2015 وأعلن عنه في بعض وسائل الاعلام المحلية في حينه.
متحدث باسم فرسان الجولان شرح لسمارت نيوز في تلك الفترة أن سبب الانشقاق نقص الدعم العسكري فضلاً عن وقف رواتب المقاتلين على مدى الأشهر الثلاثة السابقة.
بعد الانفصال عن المجلس العسكري تعززت صفوف فرسان الجولان من خلال الانشقاقات في جبهة ثوار سوريا.
نشأت "جبهة ثوار سوريا" في شمال محافظة إدلب في نهاية 2013 تحت قيادة جمال معروف لكن سرعان ما ظهر فرع جنوبي للجبهة بقيادة المدعو أبو أسامة الجولاني. وفيما دمّر الفرع الشمالي من قبل جبهة النصرة التابعة للقاعدة في أواخر 2014، ولا يزال الفرع الجنوبي قائماً ومقره الرئيسي محافظة القنيطرة.
باعتراف أبو محمد نفسه "على مستوى القنيطرة جبهة ثوار سوريا كبيرة جداً". رغم ذلك انهارت "جبهة ثوار سوريا" كالمجلس العسكري على وقع الانقسامات ولم يعد لها وجود في المنطقة. وفق المسؤول السابق للمجلس المحلي في جباتا الخشب فإن "جبهة ثوار سوريا" في البلدة كانت عبارة عن ثلاث كتائب انفصلت عن بعضها البعض وانقسمت إلى ثلاثة فصائل.
في الواقع إن الزعيم المحلي لجبهة ثوار سوريا في جباتا الخشب انتهى به الأمر بالانضمام إلى "فوج الجولان" التابع لقوات الدفاع الوطني والذي يقوم عماده على المتمردين السابقين في محافظة القنيطرة.
نقطة أخيرة يجب تسجيلها في ما يتعلق بتشكيل "فرسان الجولان" هي أن بعض عناصره كانوا ينتمون في السابق لجبهة أنصار الإسلام في جباتا الخشب. الفصيل هو جزء من الجبهة الجنوبية التي تضم تحالفاً واسعاً من الفصائل المسلحة في درعا والقنيطرة التي تحصل على دعم لها من قبل غرفة العمليات الأردنية الغربية في عمّان.
ولا يزال هناك وجود لجبهة أنصار الاسلام في جباتا الخشب ولكن من خلال فصيل صغير لا يتعدى عدده العشرين شخصاً. ويبدو أنه لا تزال تعاني ماديا نتيجة نقص الدعم المادي خلال السنة الماضية حيث يؤمن عناصره لقمة عيشهم من خلال بيع الحليب.
خلال السنتين الماضيتين منذ انفصال فرسان الجولان عن المجلس العسكري باتت الفصائل التالية هي الفصائل الرئيسية في جباتا الخشب: فرسان الجولان، هيئة تحرير الشام، أحرار الشام، كتائب الفرقان، كتائب سيف الشام.
مع الإشارة إلى أن الترتيب في هذه اللائحة ليس بالضرورة أن يكون وفقاً لحجم الفصيل. لا يوجد دليل واضح على أن هذه الفصائل نظمت نفسها على أسس عائلية في جباتا الخشب. (أي أن كل مجموعة يسيطر عليها أفراد عائلة واحدة). توصف العلاقات بشكل عام بين الفصائل بعبارات إيجابية ولا يبدو أن حوادث رئيسية نشأت بينها. ويوجد إجماع على أن "فرسان الجولان" هي الأكبر بين هذه الفصائل. ويحدد أبو محمد عدد عناصر هذا الفصيل بـ340 عنصراً. على نقيض "فرسان الجولان" هناك مجموعة مستقلة أصغر في جباتا الخشب تحمل اسم أنصار الشريعة. ويشاع أن أنصار الشريعة ذات التوجه الإسلامي كما هو واضح تتلقى الدعم من الشبكات السلفية في لبنان. المسؤول السابق للمجلس المحلي حدّد عدد أفرادها بـ27.
إلى جانب هذه الفصائل يوجد مشروع قضائي صغير مرتبط بدار العدل والمجلس المدني المحلي التابع للحكومة الموقتة والذي يفتقر حالياً لرئيس. وقال الرئيس السابق للمجلس المحلي إنه استقال منذ أربعة أشهر مضيفاً أنه لم يرد البقاء في منصبه للأسف كما بشار الأسد.
حالياً المجلس المحلي في جباتا الخشب محدود جداً لجهة الخدمات التي يمكن أن يقدمها نظراً لاقتصاره على قضايا الخبز وتوزيع السلال الغذائية كل شهرين.
بدلاً من ذلك، يقوم "فرسان الجولان" بسدّ النقص في الخدمات الأمر الذي روّجت له المجموعة في مواقعها على التواصل الاجتماعي.
على سبيل المثال كتبت على إحدى الصفحات التابعة لها على فايسبوك في 14 حزيران/ يونيو 2017 أن "الكتائب واصلت تقديم دعمها للقطاع الشمالي من القنيطرة منذ إنشائها وحتى اليوم: جزء من ذلك في مدرسة "جباتا الخشب" التي تتلقى أكبر حصة من رواتب المعلمين ومسلتزمات التدريس في الوقت الذي يتجاهل فيه الائتلاف السوري المعارض مدرستنا.
ثلاثة تعليقات أخرى في اليوم نفسه تسلط الضوء على خدمات المجموعة: أحدها يشير إلى كميات من مياه الشرب المجانية إلى المدنيين ليس في جباتا الخشب فقط إنما أيضاً في القرى المجاورة التي يسيطر عليها المسلحون في القنيطرة مثل طرنجة وأوفانيا. تعليق آخر يشير إلى أن المجموعة كانت تزود المدنيين بالطاقة الكهربائية في جباتا الخشب ومنطقة شمال القنيطرة لستة عشر يوماً متواصلة أخيراً يظهر فيديو قصير عملية توزيع اللحوم على عائلات المقاتلين كما العائلات الفقيرة مع بداية شهر رمضان. وفق المسؤول السابق للمجلس المحلي، فإن خدمات "فرسان الجولان" كما هو واضح مستمرة منذ 8 أشهر. في المقابل، بالرغم من الجهاز الإداري الكبير لـ"هيئة تحرير الشام" وصورة الدولة التي تقدمها في شمال غرب البلاد، فإن الهيئة لا تقدم الخدمات في جباتا الخشب. هذا التباين يظهر من خلال لوائح الموارد، الأمر الذي يثير مسألة الدعم الإسرائيلي لفرسان الجولان، الذي يبدو أنه بدأ في الوقت الذي انفصل فيه الفصيل عن المجلس العسكري ثم تنامى خلال العام الماضي بالتزامن مع إنشاء الجيش الإسرائيلي وحدة اتصال خاصة المنطقة الحدودية مع سوريا. على الرغم من أن أحد عناصر "فرسان الجولان" لم يكن على علم بما إذا كانت إسرائيل تقدم الدعم للمجموعة على الأرض كونه غير متورط بهذه القضايا، من المسلّم به أن هذا الدعم يصل إلى المجموعة عبر إسرائيل.
أحد الذين شاركوا في المعارك مع "فرسان الجولان" ادعى أن الدعم الحالي هو إماراتي لكنه يدخل فقط عبر إسرائيل لأن الأردن يرفض السماح بمرور مساعدات لفرسان الجولان.
صحيح أن "فرسان الجولان" خارج إطار الجبهة الجنوبية ولا تتلقى دعماً من خلال غرفة العمليات في عمّان. لكن الفكرة القائلة بأن المساعدة إماراتية غير قابلة للتصديق. موضوع النقاش هو طبيعة المساعدات المقدمة.
هؤلاء الذين يعترفون بأنه جرى تقديم مساعدات إسرائيلية يحاولون الحدّ من أهميتها، ويبررونها على قاعدة الوضع الإنساني المتردي، هذا على الأقل بالنسبة للوقت الراهن، فالنظام السوري وحلفاؤه هم أعداء أسوأ من إسرائيل.
يقول أبو محمد "إن المساعدات من إسرائيل محصورة بالجانب الطبي والإنساني كما هي المساعدات التي يحصل عليها أي فصيل في الجنوب السوري من الأردن".
أحد الأمثلة المحددة على المساعدة الإنسانية التي ذكرها هو "الديزل" من أجل تشغيل مضخات جيدة لتوفير المياه للسكان المحليين والماشية. وشرع في توضيح ما رآه وضعاً صعباً يبرر تلقي مساعدات إسرائيلية: "نحن محاصرون منذ ست سنوات، ولم يقدّم لنا أحد يد المساعدة في أي شيء. المصاب كان يحتضر أمامنا.. تخيل ابنك أو صديقك أو اخاك جريحاً أمامك ولا يمكنك فعل شيء له وهو بين الحياة والموت. هل وضع أحد ما نفسه في مثل هذه الحالات الصعبة؟
توصف جباتا الخشب بأنها في حالة ما أقرب ما تكون إلى الحصار. كما أوضح أبو محمد، فإنها عبارة عن منطقة محاصرة من كل الجهات: من جهة الغرب هناك إسرائيل. من الشمال بلدة الحضر الدرزية. من الشرق منطقة النظام. من الجنوب الشرقي مدينة البعث وهي مع النظام.
"هناك معبر ضيق جداً يسمى طريق الموت نعبره ليلاً تحت قصف النظام. في كل يوم هناك شهيد أو جريح على هذا الطريق وتفجيرات مستمرة".
بالرغم من أن لا دليل على وضع شبيه بالزبداني أو مضايا حيث جرى الحديث عن حالات مجاعة الا أن النظام يبدو أنه يسيطر على طرق إمداد جباتا الخشب بالمواد الغذائية وغيرها من السلع.
السيطرة على هذه الطرق كانت على قدر كبير من الأهمية بالنسبة للنظام بهدف محاولة فرض ما يسمى اتفاقات "المصالحة" على بعض المناطق في سوريا. في المنطقة الجنوبية الأوسع، ممارسة الضغط من خلال تقييد الوصول إلى المواد الغذائية والسلع، ساعدت على التوصل إلى مصالحات في بعض بلدات درعا مثل الصنمين والمحجة.
هذه المصالحات أعادت رسمياً هذه البلدات تحت سيطرة النظام بما سمح للفصائل المسلحة داخلها بالبقاء وإدارة الأمن الداخلي وقضايا الإجرام.
في المقابل تعهدت الفصائل بعدم استهداف قوات النظام، بعض الأسلحة جرى تسليمه كجزء من إجراءات المصالحة الرسمية وبعض الأشخاص شاركوا في عملية "تسوية الواد" التي شكلت بمثابة عفو موقت مستهدفة بشكل رئيسي هؤلاء الذين هربوا أو تخلوا عن الخدمة العسكرية الإجبارية والاحتياطية.
وجرى الحديث مراراً عن التوصل إلى اتفاق مصالحة في جباتا الخشب ومن المحتمل في حال تطبيق مثل هذا الاتفاق في البلدة فإنها ستتبع على نطاق واسع الاتفاقات السابقة في الصنمين والمحجة.
ويمكن أن يؤدي الاتفاق إلى اندماج بعض أو كل المقاتلين في جباتا الخشب في قوة رديفة مثل قوات الدفاع الوطني أو "فوج حرمون" التي أنشئت لكي تكون بمثابة القوة القابضة في بلدات رديفة في بلدات ريف دمشق الغربية بالقرب من جبل حرمون.
بمعزل من ادعاءات عضو مجلس الشعب السوري مصعب الحلبي في كانون الثاني/ يناير 2017 الناشط في جهود المصالحة في مناطق ريف دمشق، بأن مفاوضات المصالحة كانت في مراحلها الأخيرة في جباتا الخشب، لا تزال المصالة تواجه بالرفض.
وبما لا يثير الدهشة هناك إدعاءات في الدوائرة المؤيدة للنظام بأن إسرائيل كانت تعمل على عرقلة المصالحة في المنطقة من خلال المسلحين.
بغض النظر عن حقيقة هذا الادعاء بالتحديد من وجهة النظر الإسرائيلية لا شكّ بأن هناك مصلحة في منع تطبيق المصالحة في جباتا الخشب لأسباب سنناقشها في الخلاصة. تقديم مساعدات غير قاتلة لـ"فرسان الجولان" في شكل العلاج واللوازم الطبية والسلع الغذائية وحتى الأموال النقدية من أجل دفع رواتب المقاتلين أو تمويل مكتب خدمات المجموعة ينظر إليه على أنه ذا أهمية من أجل منع تعاظم ضغوط المصالحة وبالتالي منع النظام من إعادة تأكيد سيطرته على جباتا الخشب.
لا توجد أدلة قاطعة على إمداد "فرسان الجولان" بالأسلحة لكن يرجح أن بعض المبالغ النقدية يستخدم لشراء أسلحة خفيفة. نظراً لحجم المجموعة لا تمتلك "فرسان الجولان" القدرة على شن هجمات من تلقاء نفسها. بدلاً من ذلك فإن النشاطات العسكرية تقتصر بالدرجة الأولى على تأمين النقاط الأمامية.
لا يبدو أن المجموعة كانت عنصراً رئيسياً مشاركاً في الهجوم المسلح على مدينة البعث الذي بدأ في 24 حزيران/ يونيو. الهجوم قادته "هيئة تحرير الشام" وشاركت فيه أيضاً "كتائب الفريقان" و"أحرار الشام" وبعض فصائل الجيش السوري الحر. أما أحد أهدافه المحتملة فكان تخفيف الضغط العسكري عن رفاقهم المسلحين في مدينة درعا.
الخلاصات: الأهداف والمصالح
من هذا المنظور تصبح التهديدات الرئيسية هي إيران والميليشيات الحليفة مثل حزب الله اللبناني، إذ إن القلق الذي يسود هو أنه في حال استعادة النظام السيطرة على محافظة القنيطرة ستكون لإيران وحلفائها قدرة على الوصول بحرية إلى هذه الأراضي من أجل تأسيس جبهة مقاومة في الجولان ضدّ اسرائيل الأمر الذي يتطلب على الأقل التهديد اللفظي بشن هجمات على نطاق ضيق من أجل صدّ القوات الإسرائيلية في الجولان واختبار المياه، وفي أسوأ الأحوال اجتياح بري واسع لإسرائيل. في الواقع قد لا يكون من الضروري بالنسبة لإيران تثبيت فريقها أو عناصر من القوات الاجنبية في القنيطرة في المستقبل: يمكنها فعلاً أن تحقق طموحاتها لإنشاء جبهة مقاومة في المنطقة من خلال السكان الأصليين عبر مجموعات حزب الله السورية المتعددة التي ازدادت خلال الحرب الأهلية.
بشكل عام يمكن تقسيم مجموعات حزب الله السورية إلى نوعين: الحركات الكبيرة مثل لواء بدر المؤلف من 4 آلاف مقاتل والذي طوّر شبكات متطورة ومهمة في محافظة حلب ومجموعات عمليات خاصة صغيرة التي يختلف عديدها في الجبهات وفقاً للحاجات العسكرية ولتأزم الوضع.
بعض هذه المجموعات الصغيرة انتشرت في جبهة القنيطرة، بالرغم من عدم وجود دليل على أنها قامت بذلك استعداداً لاعتداء وشيك على اسرائيل. في سيناريو مستقبلي لتطور مقاومة أوسع على طول الجولان قد تكون هذه المجموعات الصغيرة لاعباً رئيسياً في تهديد إسرائيل.
مصدر آخر للقلق يتركز في قرية الحضر الدرزية حيث كان يحاول قائد حزب الله سمير القنطار الدرزي الأصل وفرحان الشعلان أحد قادة قوات الدفاع الوطني المتحدر من قرية عين كينية الدرزية في مرتفعات الجولان تأسيس مقاومة في الحضر من أجل استهداف إسرائيل. لكن الرجلين قتلا في ما يشتبه أنه غارة إسرائيلية في كانون الأول/ ديسمبر 2015. ولم يظهر أي دليل منذ ذلك الحين عن إعادة إحياء مثل هذا المشروع.
بيد أن حالة الحضر تظهر في الواقع أن رواية "المنطقة العازلة" بالرغم من أنها تبدو مقنعة في بساطتها إلا أنها لا تراعي تماماً سياسة إسرائيل تجاه هذه المناطق الحدودية. على المستوى العام من المؤكد أنه بين سيطرة النظام وسيطرة المسلحين على بلدات مثل جباتا الخشب، الأفضلية لسيطرة المسلحين على تلك البلدات. بالنسبة للحضر لدى إسرائيل مخاوف من وقوعها بيد المسلحين بمعزل من مخاوفها بشأن استخدام حزب الله لها كقاعدة للتجنيد من أجل استهداف إسرائيل. هذا الموقف نشأ في إطار احترام مشاعر الدروز في اسرائيل ومرتفعات الجولان الذي يخشون من أن يلقوا مصير أتباع الديانات الأخرى في حال سقوط القرية بيد المسلحين.
ولفت مورو حوران إلى عدم استعداد إسرائيل لرؤية الحضر تسقط قائلاً "كل ما يحصل هو لعبة دولية على حساب الدم السوري: تصفية حسابات" وعلى المنوال نفسه كان واضحاً لجهة اعتبار إسرائيل دولة عدوة لكنها برر قبول "فرسان الجولان" المساعدة من قبل إسرائيل على الأرض بأنه من الافضل لهذا الفصيل القيام بذلك بدلاً من تدمير نفسه.
من المستغرب كيف يمكن للمرء أن يدعو المسلحين الذين تعاملوا مع إسرائيل أو أشادوا بتوفيرها العلاج الطبي للمسلحين والمدنيين بـ"الأصدقاء" في التعليقات المخصصة للاعلام الاجنبي.
منذ أربع سنوات تصدرت "كتائب شهداء اليرموك" العناوين حين قال متحدث باسمها إنها ليست على خلاف مع اسرائيل وعلى ما يبدو حتى في حال إزاحة الأسد عن السلطة.
هذه المجموعة هي اليوم جزء من "جيش خالد بن الوليد" المرتبط بداعش والذي لم يتسبب حتى الآن بأي إخلال بأمن إسرائيل في مرتفعات الجولان، لكن المسألة مرتبطة بأولويات الجماعة في محاربة الجماعات الأخرى وتوسيع سيطرتها.
ماذا لو أن "جيش خالد بن الوليد" قرر أن أولويته لم تعد قتال المسلحين الآن وقرر بدلاً من ابقاء السيطرة على ما يسيطر عليه بالفعل مضايقة القوات الإسرائيلية؟ المسألة هنا هي أنه ليست كل جماعة متمردة تنظيماً جديداً تابعاً لداعش. بل قد يكون مفهوماً لدى اجانب الإسرائيلي أن انتماءات التنظيمات المسلحة يمكن أن تتبدل مع الوقت وأن القضية بالنسبة لتلك التنظيمات ليست بالضرورة إنشاء تحالف أو صداقة مع إسرائيل بقدر ما تعتبر نظام الأسد وحلفاءه الشرّ الأكبر.
هذه النقطة يوضحها أبو محمد من "فرسان الجولان" قائلاً "نعم أخي، إسرائيل هي عدو اغتصب الأرض لكنها لم تغتصب الشرف. كل العرب الذين قتلتهم اسرائيل منذ قيامها حتى اليوم لا يساوون جزءاً من هؤلاء الذين قتلهم بشار الأسد، وروسيا هي الأخرى عدو وكذلك إيران وحزب الله".
في مناسبة أخرى أكد أبو محمد ازدراء إسرائيل كقوة عسكرية لدى سؤاله عن مسألة عودة هضبة الجولان إلى سوريا قائلاً: الجولان يمكن أن يعود في غضون 24 ساعة إلى سوريا، لو أن الشهداء والشباب الذين قتلوا في سوريا ولو أن الذخائر التي اعطيت للأطراف المتنازعة استخدمت لتحرير الجولان. الجيش الإسرائيلي هو الأكثر جبناً على الأرض والرجل السوري والمسلم العربي هو الأقوى".
من الممكن طبعاً أن يكون استرسل في هذا الخطاب جزئياً لكونه يتحدث الى محاور عربي لكن هذه الملاحظات يجب أخذها بعين الاعتبار قبل الافتراض تلقائياً أن المسلحين سيكونون عملاء وديين مرتبطين بطريقة ما بأوامر ورغبات إسرائيل في المنطقة لكونهم يتلقون المساعدات والاموال النقدية.
إذا أريد منع إيران وحلفائها من استخدام القنيطرة كمنصة انطلاق هجمات ضدّ اسرائيل وفي الوقت نفسه منع سقوط الحضر في يد المسلحين الذين قد لا يكونون حلفاء بحدّ ذاتهم لكنهم أقل شراً لكون أولوياتهم مركزة في أماكن أخرى، فإن السياسة المنطقية الوحيدة هي مواظنة المصالح في هذا الصراع. أي ضمان أن يبقى الصراع في القنيطرة على وجه الخصوص في طريق مسدود مع جمود أوسع نطاقاً في كل سوريا. إحدى طرق الحفاظ على حالة الجمود في القنيطرة كما ذكر آنفاً هي تقديم المعونة لأمثال "فرسان الجولان" مما يخفف جزئياً من الوضع الإنساني في جباتا الخشب ويساعد على منع فرض مصالحة في البلدة.
الطريقة الأخرى من خلال استخدام قوة عسكرية محدودة على شكل غارات على مواقع النظام حين يعنف القتال في القنيطرة أو تسقط قذيفة هاون عشوائية أو اثنتان في هضبة الجولان. النقطة التي يثيرها المنتقدون بأن الانتقام لمثل هذه الحوادث غالباً ما ينتهي بضرب مواقع النظام هي صحيحة في الواقع: نظراً لكون النظام وحلفائه لكون النظام وحلفائه يعتبرون الأطراف الأكثر عدائية لإسرائيل فإنها لا تستطيع مساعدتهم بطريقة غير مباشرة عبر شن غارات تستهدف المسلحين حتى لو أن هؤلاء كانوا مسؤولين عن سقوط قذيفة عن طريق الخطأ في هضبة الجولان. في الوقت نفسه من الواضح أن هذه الغارات لا تشن على نحو من شأنه إحداث تحوّل جذري في الجبهات. بدلاً من ذلك يقضي الهدف بالضغط على النظام وحلفائه من خلال وضعهم في موقع الدفاع.
بالرغم من أن هذه السياسات قد تبدو مثار تشكيك، يجب التأكيد مرة أخرى على أنها تحلل الطريقة المنطقية الوحيدة للتعامل مع المصالح المختلفة المعرضة للخطر التي حددناها آنفاً. المقاربة الراهنة تستبعد من النقاشات إحتمال تغيير النظام في سوريا.
نظراً لخليط الفصائل، المتنافسة المختلفة في البيئة الراهنة يثير احتمال إزاحة الأسد عن السلطة في دمشق مخاوف مبررة من نشوء فراغ في السلطة. لكن سوريا ضعيفة في حالة حرب أهلية وجمود تمثّل أقل النتائج سوءاً من حيث المخاطر الأمنية. علاوة على ذلك، من المرجح في مثل هذا السيناريو أن يتم الاعتراف بسيطرة إسرائيل على مرتفعات الجولان، خاصة إذا كان السكان السوريون الدروز الأصليون الذين لا يزالون هناك مستعدين للقبول بالمواطنة الإسرائيلية على نطاق أوسع. حتى الآن، لم يحدث تحول كبير في أعداد السكان، لكن التفاعل مع بعض السكان الأصغر سناً على وجه الخصوص يظهر اعترافاً متزايداً بالاستقرار والتنمية البشرية في إسرائيل بما يتناقض مع مناخ الحرب الأهلية والنظام الاستبدادي في سوريا، بعيداً من المفاهيم التي تقول بأن مرتفعات الجولان مكان يعيش فيه السوريون تحت "الاحتلال القبيح والوحشي".
على المدى الطويل، لا تملك إسرائيل القدرة على التأثير على الاتجاه العام في الحرب، ويعود ذلك في جزء كبير منه إلى كون التدخلات البرية خيارات غير قابلة للتطبيق كما ذكرنا سابقاً. في حال ظلّ الاتجاه العام لمصلحة النظام وحلفائه الذين تنصب أولويتهم الحالية على المنطقة الجنوبية في سوريا والحدود مع العراق، قد تثير سياسة معايرة الصراع (الإسرائيلية) إمكانية إطلاق قوات لشن هجوم واسع النطاق في درعا والقنيطرة فيما لا تطبيق مجدياً للاتفاق الدولي بشأن إبقاء القوات الإيرانية والميليشيات العميلة لها بعيداً من الحدود مع هضبة الجولان.