قيمنا أهمّ من إبرام الصفقات مع السعودية

بالرغم من قرار المحكمة العليا البريطانية القاضي باستمرار صفقات الأسلحة البريطانية مع السعودية تتحدث صحيفة "التايمز" عن صراع داخل الإدارة البريطانية وبين المحافظين بخصوص استمرار هذه الصفقات في ظل الانتهاكات السعودية لحقوق الإنسان لا سيما في اليمن.

الحكومة البريطانية تحفظت على تقرير يتحدث عن دور السعودية في تمويل الإرهاب
كتبت رايتشل سيلفستر في "التايمز"
ليلة أمس كان الوزراء يحتفلون بانتصارهم في المحكمة العليا التي أقرّت أن صادرات الأسلحة البريطانية للسعودية قانونية. مع ذلك لا يوجد أي سبب للاحتفال. في الواقع خلص القضاة إلى أن هناك مجموعة من الأدلة تشير إلى أن التحالف بقيادة السعودية ارتكب انتهاكات خطيرة للقانون الدولي الإنساني في سياق مشاركته في الصراع اليمني".    
الحكم استند إلى نقطة قانونية حول ما اذا كان الوزراء اتبعوا الإجراءات المناسبة وعملوا على نحو حكيم في تقييم المخاطر. وتعتزم حملة مكافحة الإتجار بالأسلحة الطعن في الحكم.
بمعزل عن نتائج المسار القانوني حان الوقت على الحكومة لكي تعيد النظر في علاقة بريطانيا السامّة مع السعودية بدءاً بتعليق مبيعات الأسلحة لبلد متهم بارتكاب انتهاكات لحقوق الإنسان داخل حدوده كما تمويل الإرهاب خارجها. ما هي السياسة الخارجية للمملكة المتحدة إن لم تكن الترويج لقيم هذا البلد في جميع أنحاء العالم؟ 
بالتأكيد لا يمكن لرئيس الوزراء أو وزير الخارجية أن يجادلا بأن السعودية تلتزم في اليمن بقيم التسامح والحرية وسيادة القانون التي تتحلى بها بريطانيا. بحسب الأمم المتحدة قتل أكثر من 10 آلاف شخص في البلد ثلثاهم من المدنيين، فيما قصفت المدارس والمستشفيات والأسواق ومصانع التغذية عن بكرة أبيها. في تشرين الاول/ اكتوبر قصفت صالة عزاء ما أدى إلى مقتل 140 شخصاً واصابة 600، ومن أجل ضمان حصول أكبر نسبة من الاضرار عادت القاذفات لتنفيذ ضربة مزدوجة في الوقت الذي كان فيه رجال الإنقاذ يساعدون المصابين ويجمعون جثث الموتى.
مع استمرار عمل 45% من المنشآت الطبية فقط وتدمير أنظمة الصرف الصحي، أصيب ما لا يقل عن 300 ألف شخص بالكوليرا. وأعلنت الأمم المتحدة البلاد "كارثة إنسانية" مع حاجة 80% من السكان للمساعدة.
في كانون الثاني/ يناير خلص تقرير صادر عن مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية إلى أن "انتهاكات قوانين حقوق الانسان والقانون الانساني الدولي مستمرة بلا هوادة وإلى حدّ كبير من دون عقاب".
في العام الماضي خصصت بريطانيا 85 مليون جنيه استرليني لليمن مما يجعل من إدارة التنمية الدولية رابع أكبر المانحين في الأزمة.
لكن الحكومة صادقت على أكثر من 3.3 مليار جنيه من الأسلحة للسعودية منذ بدء القصف في آذار/ مارس 2015 بما فيها 2.2 مليار جنيه من الطائرات الحربية والمروحيات وطائرات الاستطلاع من دون طيار، و1.1 مليار من القنابل اليدوية والصواريخ. بما يبدو وكأن جزءاً من الحكومة يخفي على نحو كامل الفوضى التي تسبب بها جزء آخر. 
بالرغم من أن وزارة الدفاع تصرّ على أن الفرق البريطانية لا تنفذ عمليات في اليمن، شاركت طائرات "التيفون" و"التورنادو" فضلاً عن الصواريخ والقنابل العنقودية البريطانية الصنع في الهجمات السعودية. وقال تقرير مشترك للجنتي الأعمال التجارية والتنمية الدولية العام الماضي: من المحتّم أنه جرى استخدام أسلحة مستوردة من بريطانيا في انتهاكات القانون الدولي وحقوق الانسان".    
حتى الموظف المدني المكلّف مراقبة صفقات الأسلحة مدير منظمة مراقبة الصادرات ادوار بيل كتب في رسالة الكترونية: "لأكن صريحاً، إحساسي ينبؤني بأنه يجب أن نعلّق (صادرات الأسلحة)..". كانت العلاقة مع آل سعود لعقود المبدأ الرئيسي الذي قامت عليه السياسة الخارجية البريطانية لأسباب اقتصادية واستخباراتية. 
ضعيفة هي الإدارة البريطانية لدرجة رفضت الحكومة نشر تقرير حول التمويل الأجنبي للإرهاب خشية إزعاج الأصدقاء السعوديين. بيد أن هذا البلد ينفذ عقوبات قطع الرأس والصلب والرجم والبتر والجلد بحق مواطنيه. وبالرغم من أن المرأة منحت حق التصويت مؤخراً إلا أنه لا تستطيع القيادة. السعودية تطالب أيضاً بإقفال قناة الجزيرة القطرية في محاولة فاضحة للتدخل في حرية التعبير. 
ببطء لكن على نحو مؤكد يبدو أن هناك تحولاً في التوازن بين الأخلاق والبراغماتية في علاقات بريطانيا مع العالم.  العمال والديمقراطيون الليبراليون دعوا دائماً لوقف صادرات الأسلحة إلى السعودية لبعض الوقت لكن الآن هناك عدد متزايد من المسؤولين المحافظين رفيعي المستوى وآخرين في وزارة الخارجية ممن يتساءلون عما إذا كانت بريطانيا ساذجة في علاقتها مع المملكة.  
مصدر في الحكومة البريطانية قال "إن الناس بدأوا يشعرون بعدم الارتياح تجاه ذلك" مضيفاً أن هناك صراعاً داخل وزارة الخارجية في ظل الكثير من نظرات الانزعاج لدى ذكر السعودية".
يصف أحد المحافظين تعامل السعودية مع مكافحة الإرهاب بأنه أشبه بمن يعالج "الالتهاب الرئوي بشرب الشاي"، لأنه أكثر من أي بلدة آخر مسؤول عن تصدير الفكر الوهابي الذي يستند اليه التطرف الإسلامي، مضيفاً "أن الهجمات الثلاثة الأخيرة في بريطانيا بدت كجرس إنذار. أي علاقة خارجية لا تستحق تعريض حياة مواطنيك من أجلها. الجمهور ليس مراقباً سلبياً لما يجري لقد أصبح معرّضاً لأضراره الجانبية".
هناك خلاف متزايد بين المحافظين الذين يعتقدون بضرورة حصول تغيير في المقاربة تجاه السعودية والمحافظين التقليديين الذين لا يزالون مقتنعين أن صادرات الأسلحة أساسية للاقتصاد البريطاني. 
في العام الماضي اتهم وزير الخارجية بوريس جونسون السعودية بخوض حروب بالوكالة. كان غاضباً جداً من الصفعة التي تلقاها من قبل الحكومة بحيث فكّر لفترة  بالاستقالة. 
قبل عامين أقنع مايكل غوف الذي عاد الآن إلى الحكومة، ديفيد كاميرون بإلغاء صفقة بين وزارة العدل ودائرة السجون السعودية.  
زعيمة المحافظين السكوتلندية روث دايفيدسون التي أصبحت صوت التيار الليبرالي المحافظ استنكرت أيضاً قرار إنزال العلم عن مبنى الإدارة الحكومية بعد وفاة الملك عبد الله عام 2015 باعتباره "هراء".
تبدل المزاج انعكس في خطاب للبارونة هيليك المستشارة الخاصة السابقة لوزير الخارجية السابق وليم هيغ أمام مجلس اللوردات الأسبوع الماضي، فقد دعت إلى إعادة النظر في بيع كل الأسلحة الهجومية للسعودية. وأصرّت المهاجرة المسلمة من أصول بوسنية على أنه "ينبغي على بلادنا ألا تقبل إلا أن تكون على حق. علينا أن نسعى إلى أن نكون على يقين تام وحيثما هناك شكوك يجب أن نكون إلى جانب القانون وقيمنا". 
إنها على حق. السياسة الخارجية ليست فقط نص قانون بل هي تعبّر أيضاً عن روح الأمة".