فرنسا – إيران: مساران للتطبيع

صحيفة "لوموند" تستعرض مسارات تطبيع العلاقات بين فرنسا وإيران في ضوء عودة شركة توتال العملاق إلى طهران بما يفتح الباب أمام الشركات الغربية الراغبة بالاستثمار في السوق الإيرانية.

روحاني مستقبلاً الرئيس التنفيذي لشركة توتال الفرنسية
كتب غايدز ميناسيان في "لوموند"
مع توقيع صفقة الغاز البالغة اثنين مليار دولار مع إيران في 3 تموز/ يوليو، أعلنت توتال عودتها إلى طهران. العملاق الصناعي الفرنسي فتح الطريق أمام الشركات الغربية المستعدة لدخول سوق من أكثر من 80 مليون نسمة، بعد عامين من الاتفاق النووي الإيراني في 14 تموز/ يوليو وبعد عام ونصف من الرفع الجزئي للعقوبات الدولية.  

هذا الأمر يظهر أن مدير الشركة التنفيذي باتريك بويانيه تلقف جيداً رسالة رئيس الجمهورية إيمانويل ماكرون الذي حرص على إيصالها لنظيره الإيراني حسن روحاني حين انتخب مجدداً في 18 أيار/ مايو، وهي أن ماكرون سيطلب من الحكومة الفرنسية العمل بشكل مكثف على تعزيز العلاقات الاقتصادية والعلمية والثقافية مع إيران.

طي صفحة الماضي وفتح فصل جديد في العلاقات المعقدة بين فرنسا وإيران، هذا هو المناخ الذي يسود اليوم قنصليات البلدين القريبين والبعيدين في الوقت نفسه. تقول الباحثة آميلي شيلي "إن أوروبا وإيران حضارتان قديمتان وفي الذهن الإيراني يشكل هذا الأمر أساساً واضحاً وطبيعياً من الاستعداد للتفاهم والعلاقات الندية".


احترام متبادل

من أجل التوصل إلى هذا الاحترام المتبادل الذي انهار منذ الثورة الإسلامية عام 1979 وبفعل عقد من التوترات التي توالت بين البلدين، هجمات حزب الله الموالي لإيران ضد فرنسا، قضية اوروديف، دعم فرنسا للعراق في الحرب ضدّ إيران، يوجد خياران على طاولة الدبلوماسيين الفرنسيين والإيرانيين.  
    
الخيار الأول يقضي بالعودة إلى حقبة العلاقات الوثيقة بين فرنسا وإيران، في زمن الشاه، ولكن بدرجة أقل من العلاقات التي كانت تجمع باريس مع العالم العربي السني في تلك الفترة. يصف فرانسوا هيزبورغ، المستشار الخاص لرئيس مؤسسة البحوث الاستراتيجية هذا الخيار بأنه "علاقة على مستويين": التقليد والمصالح الفرنسية في الشرق الأوسط مرتبطة بالمشرق العربي (السني والمسيحي) من المغرب إلى الهلال الخصيب.   هذه العلاقة ذات الأفضلية مع الدول العربية السنية يجب ألا تمنع التعاون الاقتصادي والسياسي مع إيران روحاني بشرط أن يحترم اتفاق 14 تموز/ يوليو 2015. وهو ما يحصل على ما يبدو، والاتفاق بين توتال وطهران يندرج ضمن هذه الرؤية. 

الخيار الثاني يذهب أبعد من ذلك بقليل ويقضي بإعادة التوازن إلى سياسة فرنسا في علاقاتها مع العالم العربي وإسرائيل واليوم إيران، التي باتت قوة إقليمية جديدة في الشرق الأوسط والرابح الرئيسي من سقوط صدام حسين في العراق والحرب في سوريا.بالنسبة للسفيرين الفرنسيين السابقين ميشال فوشيه وفرانسوا نيكويو، قد يكون الملف القطري اختبار جيد للدبلوماسية الفرنسية.  

يالطا إقليمي

في الواقع، من مصلحة فرنسا في المواجهة بين السعودية وممالك الخليج من جهة وإمارة قطر، المدعومة من إيران، تبني موقف بناء، يقوم على تحقيق الاستقرار في الخارج الأجنبي القريب من الاتحاد الأوروبي من خلال دعم الرياض وطهران للتوصل إلى نوع من الصفقة. يتساءل ميشال فوشيه لم لا يصار إلى اتفاق يالطال إقليمي بضمانة الدول الخمسة الدائمة العضوية في مجلس الأمن. 
وبالتالي تنتقل فرنسا من دبلوماسية العقوبات إلى دبلوماسية الوساطة وفق المحلل السياسي برتران بادي. هل هناك من خيار ثالث مختلف عن مساري التطبيع هذين؟ على الورق نعم. هذا الخيار تجسده الولايات المتحدة برئاسة دونالد ترامب وإسرائيل برئاسة بنيامين نتنياهو، اللتين تدعوان لعزل إيران التي لطالما اعتبرت "دولة مارقة" بالرغم من اتفاق 14 تموز/ يوليو.   بصرف النظر عن بعض المبالغين بالتشكيك في فرنسا والحذرين جداً من السياسة الإيرانية التي تخضع لحساب ماكيافيلي دائم، فإن معظم الخبراء في العلاقات الدولية في فرنسا يجمعون على التأكيد أن لا مصلحة لفرنسا في الاصطفاف إلى جانب محور ترامب نتنياهو المؤيد للتصعيد الخطير الذي لا يقع سوى في مصلحة المحافظين في إيران.        

المواجهة مع الحرس الثوري

تقول آميلي شيلي "إن فرنسا والاتحاد الأوروبي يملكان كل أوراق اللعب بالرغم من أننا نعرف أن الإجراءات القسرية المرتبطة بالوصول إلى النظام المصرفي العالمي تزعج المستثمرين الأجانب بقدر ما تزعج إيران".
يبقى أمر مجهول مرتبط بشخصية الرئيس الإيراني: هل لدى حسن روحاني الإرادة السياسة لتحويل النظام؟ بالنسبة لتييري كيلنر المتخصص بالشأن الإيراني "سياسة روحاني الإقليمية لم تتغير منذ أربع سنوات لأنها بيد الحرس الثوري. حسن روحاني لا يملك المفاتيح. إيران تريد فصل المسألة النووية عن السياسة الإقليمية فيما هما مرتبطتان من وجهة نظر الغربيين".  الكرة الآن في ملعب حسن روحاني الذي لا يستطيع أن يبقى مكتوف اليدين. وإحدى هذه الخيارات الأكثر تشجيعاً بنظر الأوروبيين تقضي بكسر رموز الثورة الإسلامية لتفادي لعنة الولاية الرئاسية الثانية. لكن ذلك يجب أن يمر بمواجهة مع الحرس الثوري.
الشرعية الديمقراطية ضدّ الدولة العميقة؟ منطق ثوري ضد منطق إصلاحي؟ بالنسبة للرئيس الإيراني الحالي يستند الحلّ ربما في جزء منه على المجتمع المدني الذي يمارس بالفعل ضغطاً قوياً على النظام الذي يدرك المدافعون عنه أن إيران لا يمكن أن تسمح بأزمة اجتماعية وسياسية كما جرى في 2009.