فورين بوليسي: تغيير النظام في إيران كارثة على الجميع

مجلة "فورين بوليسي" تسأل عن الوسائل التي تملكها الإدارة الأميركية الحالية لتغيير النظام في إيران في حال أرادت ذلك. وتخلص من خلال مقالة لمايكل اكسورثي الدبلوماسي السابق وأحد أهم الكتاب الغربيين المهتمين بالشأن الإيراني، إلى أن هذه الوسائل عاجزة عن ذلك معتبراً أن اتهام واشنطن لطهران بزعزعة الاستقرار مبني على مغالطات.

سياسات إيران هي على الأغلب براغماتية ودفاعية، يقول مايكل اكسورثي (أ ف ب)
كتب مايكل اكسورثي في "فورين بوليسي"


في 14 حزيران/يونيو أدلى وزير الخارجية ريكس تيلرسون بشهادته أمام لجنة العلاقات الخارجية قائلاً إن سياسة إدارة دونالد ترامب تجاه إيران لا تزال قيد البحث والتطوير ولم تقدّم للرئيس بعد. لكنّه اعترف أن هذه السياسة تتضمن نيّة بدعم عناصر داخل إيران قادرة على قيادة انتقال سلمي للحكم القائم. 

هو أسلوب آخر للقول إن سياسة ترامب الرسمية تجاه إيران ستكون على الأرجح تغيير النظام. إذا كان هذا صحيحاً فإن واشنطن تجعل نفسها عن غير قصد خطراً أكبر من إيران على استقرار الشرق الأوسط.

قد يبدو الأمر بمثابة دفاع عن النظام الإيراني لكنه ليس كذلك. النظام الحالي في إيران ارتكب أخطاء كثيرة: هو استبدادي وقمعي وينتهك حقوق الإنسان ويقيد تطلعات شعبه المشروعة نحو الحرية السياسية. مع ذلك ينبغي ألا تشوّه أخطاء النظام والخطاب التحريضي لبعض داعميه الصورة. يجب أن نرى سياسة إيران الخارجية والأمنية والبدائل المعروضة كما هي، بدلاً من أن نستمد مخاوفنا على نحو رئيسي من النقاشات السياسية الداخلية المستقطبة في الولايات المتحدة.

لنبدأ من الأسباب التي تدفع تيلرسون للنظر في تغيير النظام. قال في شهادته أمام الكونغرس "نحن ندرك حضور إيران الذي يواصل زعزعة الاستقرار في المنطقة وتمويلها المقاتلين الأجانب وتصديرها الميليشيات إلى سوريا والعراق واليمن ودعمها لحزب الله" مضيفاً "وسنتخذ إجراءات للردّ على هيمنة إيران".
  
ولكن هل إيران تزعزع الاستقرار في الشرق الأوسط لدرجة التأثير كما يقول تيلرسون؟ إن سياستها رفض إسرائيل ودعم حزب الله اللبناني يمكن وصفها بـ"المدمرة". لكن النظام جعل من هذه السياسات معياراً لاختبار الولاء بالرغم من أنها قوضت مصالح إيران الخاصة.   
لكن هذه السياسات هي أيضاً استثناء. إذ إن سياسات إيران هي على الأغلب براغماتية ودفاعية وسياستها الخارجية هي كذلك أيضاً. لعلّ السياسة الإيرانية الدولية الأبرز في السنوات الأخيرة كانت توقيع إيران على الاتفاق النووي مع الولايات المتحدة وبريطانيا وألمانيا وفرنسا وروسيا والصين من أجل الحدّ من برنامجها النووي.  حتى الذين يعتقدون أن الاتفاق كان معيباً لا يستطيعون القول إن التزام إيران به كان عاملاً مزعزعاً للاستقرار.

ماذا عن تصرفات إيران في العراق وأفغانستان؟ في كلا الحالتين سواء بعد سقوط نظام صدام حسين أو نظام طالبان، قدّم الإيرانيون مساعدة كبيرة للمسؤولين الغربيين من خلال إقناع العراقيين والأفغان بقبول المؤسسات الديمقراطية (وفي الحالة الأفغانية شكر الدبلوماسيون الأميركيون آنذاك الإيرانيين).  
منذ ذلك الحين، دعم الإيرانيون باستمرار، كما الولايات المتحدة وبريطانيا وغيرهما، الحكومتين الديمقراطيتين المنبثقتين في كلا البلدين. انتقدت إيران لدعمها الميليشيات الشيعية في العراق لكن هذه الميليشيات كانت مهمة إن لم تكن رئيسية في هزيمة داعش هنا. قد تستنكر الولايات المتحدة نظام بشار الأسد في سوريا لكن بالكاد يمكن وصف دعم الإيرانيين له بالأمر المزعزع للاستقرار.
هناك سبب كافٍ للقول، أقله بالنسبة للدول المحاذية لإيران، بأن السياسة الإيرانية لطالما كانت مؤيدة للاستقرار باستمرار. هذه هي السياسة المعلنة للحكومات الإيرانية وليس من الصعب معرفة أسباب ذلك. بخلاف القوى البعيدة، للإيرانيين مصالح دائمة في العراق وسوريا وأفغانستان وهم يعانون حين تكون هذه الدول غير مستقرة ليس أقله من جراء المشاكل الناجمة عن أعداد اللاجئين الضخمة وتهريب المخدرات.   
أما في ما هو مرتبط بسعي إيران المزعوم للهيمنة الإقليمية، صحيح أن إيران باتت نسبياً أقوى في الشرق الأوسط بالمقارنة مع ما قبل 2001. لكن الحقيقة الواضحة هي أن هذا الأمر هو نتيجة مباشرة لتدمير أميركا عدويّها أي صدام وطالبان.
الولايات المتحدة تتحمل مسؤولية المكاسب التي حققتها إيران، وإشارة واشنطن اليوم لقوة إيران النسبية من خلال اتهامها بالسعي وراء الهيمنة، ليس من قبل تيلرسون فحسب بل أيضاً مدير "سي آي أيه" مايك بومبيو ليست صحيحة.

في بعض الدوائر في واشنطن وغيرها، يسمع المرء مقارنات بين إيران والاتحاد السوفياتي. هذا هراء، خصوصاً لكون إيران ليست مجرد دولة توسعية أو عسكرية. فميزانية إيران الدفاع تشكل 3% من الناتج المحلي الإجمالي فيما تبلغ ميزانية السعودية 10.4% وميزانية إسرائيل 5.8% (وفق تقرير معهد ستوكهولم لعام 2016). في الثمانينيات كانت ميزانية الاتحاد السوفياتي تتراوح بين 15 و17%.
ينبغي أن يكون واضحاً بما فيه الكفاية أن مواصلة سياسة تغيير النظام بناء على أسباب خاطئة، حماقة بحدّ ذاتها. لكن ما احتمال استبعاد الحكومة الأميركية لهذا الخيار؟ وهل لدى واشنطن أي وسائل واقعية تحت تصرفها؟


يرى تيلرسون أنه يمكن إنهاء الجمهورية الإسلامية في حال دعمت الولايات المتحدة عناصر داخل إيران لقيادة إنتقالاً سلمياً. يأمل المرء فقط ألا يكون يعني بذلك الجماعة الإيرانية المعارضة في الخارج التي تطلق على نفسها "المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية" والتي عرفت بأسماء أخرى. هذه المجموعة التي خيبت أمل العديد من المحافظين الجدد في الولايات المتحدة كما سياسيين في بلدان أخرى، تدعي أنها المعارضة الرئيسية للنظام الإسلامي وأعلنت نبذها العنف مؤخراً. لكنها بدأت كجماعة شبه ماركسية إسلامية معارضة لشاه إيران السابق في الستينيات والسبعينيات. وقبل عام 1979 نفذت عدداً من الهجمات الإرهابية وقتلت موظفين أميركيين في إيران من بين آخرين. بعد عام 1979 فشلت في الصراع العنيف على السلطة أمام آية الله روح الله الخميني وأتباعه ونفيت إلى العراق حيث حاربت إلى جانب صدام حسين في الحرب الإيرانية العراقية. ذلك التحالف مع صدام جعلها ملعونة للأبد بنظر غالبية الإيرانيين وهي لا تملك اليوم أي حضور سياسي داخل إيران.
في المنفى تحوّلت المجموعة نحو ممارسة نوع من العقيدة، بحيث تأخذ ممتلكات أتباعها، وتفصلهم عن عائلاتهم وتعرّضهم لتقنيات غسيل أدمغة. وكل من يفكر بأنها تقدّم مستقبلاً أفضل لإيران هو أحمق.  
     

ما الوسائل الأخرى في ذهن الإدارة الأميركية؟

الشعور القومي يطغى على الإيرانيين حتى الأقليات

في صيف وخريف 2009 شهدت طهران ومناطق أخرى من البلاد تظاهرات ضخمة بعد إعادة انتخاب الرئيس محمود أحمدي نجاد. اعتقد المتظاهرون أن النظام زوّرت نتائج الانتخابات لمصلحة وصول أحمد نجاد. سمّيت المعارضة بالحركة الخضراء وبعض المتظاهرين رددوا شعار "الموت للديكتاتور" لكن كان من الواضح أن قائدي هذا الحراك مير حسين موسوي ومهدي كروبي كانا يعارضان نتائج الانتخابات لا يسعيان إلى قلب الجمهورية الإسلامية (رفيقهما الإصلاحي الرئيس السابق محمد خاتمي لطالما أصرّ أنه يريد إصلاح الحكومة لا قلبها).   
إذاً هناك معارضة ودعم للإصلاح في إيران، لكن ليس من الواضح أنها من النوع الذي يتماشى مع الانتقال الذي يرضي إدارة ترامب. بالإضافة إلى ذلك فقد تمكن النظام في من كسر الحركة الخضراء في نهاية المطاف. والعديد من داعميها باتوا في المنفى فيما موسوي وكروبي لا يزالان قيد الإقامة الجبرية. 
لكن دعم الإصلاح لم ينته، كما بدا واضحاً من خلال فوز الرئيس حسن روحاني في دورتين انتخابيتين، لكن سواء أعجبنا ذلك أم لا، بدا النظام الإسلامي مرناً.
كانت لديه مخاوف في 2009، لكنه سبق أن نجا من الحرب الإيرانية العراقية، ومما كاد أن يصبح حرباً أهلية عام 1980-1981 وعدد من الصدمات الأخرى. 
بالإضافة إلى ذلك، وخصوصاً بالنظر إلى التاريخ الطويل للتدخل الأجنبي في هذا البلد، (تحريض سي آي ايه على الانقلاب على رئيس الوزراء محمد مصدق في عام 1953 هو فقط أحد الأمثلة) تكفي أي شكوك بوجود دعم خارجي للقضاء سياسياً على المعني بذلك في إيران.   
          
بعض الأصوات الأكثر حدّة تشير أحياناً إلى أنه يمكن زعزعة استقرار إيران من خلال الدعم الخارجي للأقليات الانفصالية داخل البلاد. من المؤكد أن الأقليات تشكل نسبة هامة من السكان، ربما تصل إلى 40% أو 50% في أقصى التقديرات. وهناك مشاعر كبيرة من الاستياء في صفوف بعض الأقليات، المرتبطة بالتمييز في مجال التعليم والوظائف والاستثمارات المناطقية إلى جانب عوامل أخرى. من بين هذه الأقليات، كان الكرد (يشكلون 10% من عدد السكان) تاريخياً الأكثر إلحاحاً من أجل إقامة حكم ذاتي والانفصال.
هناك أيضاً انفصاليون في أوساط البلوشستانيين (2%) في جنوب شرق إيران، والعرب (2%) في جنوب غرب البلاد كما يوجد بعض الأصوات المماثلة بين الترك الاذريين في الشمال الغربي (16%).   
لكن إيران ليست كيوغوسلافيا السابقة أو العراق. إذ إن لديها تاريخاً عريقاً في الإقليم حيث هي، وكل هؤلاء الناس كانوا جزءاً من إيران كدولة وحضارة لوقت طويل، والشعور القومي الإيراني هو قوة. 
ضمن هذه المعايير تعتبر إيران أقرب إلى فرنسا (حتى فرنسا أنشئت حديثاً بالمقارنة بها) منها إلى البلقان أو حتى جيرانها المباشرين. 
والأذريون، الأقلية الأكبر في إيران، هم الأكثر اندماجاً (كل من المرشد الأعلى آية الله خامنئي ومرشح المعارضة الرئاسي السابق في 2009 مير حسين موسوي من أصول أذرية). 
قضت الجمهورية الإسلامية على القوة العسكرية للانفصاليين الكرد في الثمانينيات وغالبية الكرد سيترددون قبل محاولة القيام بذلك مجدداً استجابة لتحريض الولايات المتحدة. إضافة إلى ذلك، فإن هذا النوع من زعزعة الاستقرار لا يمكن أن ينجح على قاعدة "الانتقال السلمي". سيكون عنيفاً من دون شك، والسجل الحافل يرجّح عدم نجاحه. 

حتى لو نجح، ما الذي سيلي ذلك؟ هل تريد الولايات المتحدة فعلاً إيران غير مستقرة في الشرق الأوسط؟ هل تريد إضافة دولة أخرى إلى الدول الفاشلة في المنطقة مثل العراق وأفغانستان واليمن وسوريا؟