الصحف الأميركية تحت وقع الصدمة

أما وقد أصبح دونالد ترامب رئيساً للولايات المتحدة فإنه بات على الصحف الأميركية التي أعلنت بغالبيتها دعمها للمرشحة الديمقراطية هيلاري كلينتون أن تتعامل مع الحقيقة "المرّة" وأن تقرأ في المرحلة المقبلة واستشراف مستقبل البلاد في ضوء من شكّل مادة كبيرة للسخرية على صفحاتها، ومن لم يسلم من انتقادها حتى بعد فوزه متحدثة بقلق كبير عن المرحلة المقبلة.

مؤيدة لكلينتون تبكي عقب إعلان هزيمة المرشحة الديمقراطية (أ ف ب)
ربما كانت صحيفة "واشنطن بوست" الصحيفة الأميركية الأولى التي أعلنت فوز ترامب حتى إنها سبقت قنوات أميركية أخرى مثل "سي ان ان". الصحيفة كانت في بث مباشر على صفحتها الإلكترونية حين حسمت النتيجة، فبدت المفاجأة كبيرة وواضحة على وجه الصحافية التي أذاعت الخبر.

من يتابع ردة فعل الصحافية في "واشنطن بوست" وما سبق الثلاثاء الكبير من مقالات حفلت بها كبريات الصحف الأميركية ناهيك عن استطلاعات الرأي التي أجمعت على تقدم كلينتون يمكنه أن يتخيل المشهد. مقالة ديفيد أغناطيوس حول القضايا الثلاث التي لا تزال على أجندة أوباما لا يزال من غير الممكن تصفحها على الموقع. تراجع مكانها على الصفحة وحلّت مكانها مقالة أخرى للكاتب نفسه حملت هذه المرة العنوان التالي "كيف ستكون السياسة الخارجية لترامب؟".

سؤال أغناطيوس لا شك من أكثر الأسئلة المطروحة في منطقة الشرق الأوسط التي تراقب بحذر خطوات الرئيس الجديد الأولى نحو البيت الأبيض ومعها المهمة الصعبة لأوباما لتكريس عناوين في سياسته الخارجية في ظل سيطرة الجمهوريين على الكونغرس.  

في مقالته يقول أغناطيوس إن عبارة "أميركا أولاً" في أول خطاب لترامب سوف تهز العديد من عواصم العالم التي كان يخشى زعماؤها من أن يغير ترامب سياسة الولايات المتحدة الخارجية. رغم ذلك فإن الكاتب قال إن توقع سياسة ترامب الخارجية أمر صعب نظراً لقلة خبرته، مرجحاً أن يسعى الرئيس الجديد للقيام بما وعد به خلال حملته الانتخابية من خلال تغيير النهج الأميركي تجاه روسيا والشرق الأوسط وأوروبا وآسيا.

ونقل أغناطيوس ما سمعه من مخاوف لدى مسؤولين كبار في عدد من الدول خلال العام الماضي، وقال "كان ينظر إليه على أنه شخص عديم الخبرة ولا يمكن الوثوق به ومن الممكن أن يتنصل من التزامات أميركا وتحالفاتها" متوقعاً أن يشعر غالبية الزعماء الأجانب بالحزن لـ"خسارة هيلاري كلينتون، المؤيدة لاستراتيجية أميركا التقليدية والتزاماتها، السباق الرئاسي". 

وتابع الكاتب أن السياسة الخارجية لترامب بالاستناد إلى تصريحاته ستركز على نحو واقعي على مصالح الأمن القومي الأميركية وسترفض التزامات الولايات المتحدة خارج البلاد التي تكلفها كثيراً. وبالتالي فإنها ستشهد التغيرات التالية:

ـ  الانتقال إلى تحسين العلاقات مع روسيا. 
ـ القيام بجهد عسكري مشترك مع روسيا والرئيس السوري بشار الأسد لهزيمة داعش.
ـ الدفع بالحلفاء الأوروبيين مجدداً لإنفاق المزيد من الأموال على أمنهم.
ـ محاولة تغيير صيغة الاتفاق التجاري مع آسيا من خلال اعادة التفاوض حول اتفاقيات التجارة وإجبار الصين على رفع قيمة عملتها. 

على حافة الهاوية

الصحف الأميركية واصلت هجومها على ترامب حتى بعد فوزه
الصحف الأميركية التي عكست بغالبيتها الفوز الذي حققه ترامب تراوحت عناوينها بين الإخباري التقليدي الذي يتحدث عن فوز أو انتصار وصولاً إلى توصيف ما جرى بأنه "انتفاضة ترامب" والعنوان لصحيفة "نيويورك تايمز".
وتحت هذا العنوان كتبت الصحيفة "الرئيس دونالد ترامب" هذه الكلمات الثلاث التي لم تكن واردة لدى عشرات ملايين الأميركيين وأكثر منهم في العالم، باتت الآن مستقبل الولايات المتحدة. وقالت الصحيفة إن ترامب الذي أربك النخب الجمهورية في الانتخابات التمهيدية فعل الأمر نفسه مع الديمقراطيين في الانتخابات العامة معتبرة أن فوزه بمثابة "ضربة مهينة" لوسائل الإعلام واستطلاعات الرأي وقيادة كلينتون الديمقراطية، علماً أن المرشحين كانا متقاربين جداً في التصويت الشعبي لكن ترامب تفوق على كلينتون في المجمع الانتخابي.     

وتابعت "نيويورك تايمز" في افتتاحيتها أنّ "ما نعرفه عن ترامب هو أنه أقل الرؤساء الأميركيين في التاريخ الحديث استعداداً لتبوء هذا المنصب، إذ إنه أظهر نفسه قولاً وفعلاً على أنه غير قادر على قيادة دولة متنوعة من 320 مليون شخصاً. ونعرف أنه هدد بمحاكمة معارضيه السياسيين ووضعهم في السجن. وأنه سيحدّ من حرية الصحافة. وأن بوسعه الكذب دون الشعور بتأنيب الضمير". 

لائحة التخويف مما ينتظر أميركا في ضوء فوز ترامب تطول في "نيويورك تايمز" وصولاً إلى إهانته للمرأة وتهديده المسلمين والمهاجرين ووقف العمل بالاتفاق النووي مع إيران. وفي هذا السياق نقلت الصحيفة ما غرّد به ديفيد ديوك عضو الكونغرس الأميركي السابق والناشط في حقوق الإنسان ساخراً بأن "الوقت حان لإعادة أميركا إلى الوراء".

وخلصت الصحيفة إلى أنه مع سيطرة الجمهوريين على مجلسي الكونغرس سيكون بوسع ترامب استعادة الأغلبية اليمينية من خلال ملء مقعد المحكمة العليا التي ظل رهينة أعضاء مجلس الشيوخ لتسعة أشهر، متوقعة أن يسيطر الجمهوريون قريباً على كل فرع من الحكومة الفيدرالية، إلى جانب الأغلبية في مجلسي الشيوخ والنواب، ولفتت إلى "أن لا قيود على دوافع ترامب الانتقامية" قائلة إن الرئيس الجديد بتحديه كل قاعدة من القواعد الأساسية في أميركا، قلب الطاولة على الحزب الجمهوري في البداية والآن على الحزب الديمقراطي الذي حاول إيصال كلينتون في لحظة بدت فيه البلاد تريد الهروب من الوضع القائم. ورأت "نيويورك تايمز" أن "الكراهية ضد النساء والعنصرية لعبا دوراً في صعود ترامب لكن ما أدى إلى ذلك أيضاً عدم وجود اهتمام ورغبة شديدة بالتغيير" الذي وضع الآن الولايات المتحدة الأميركية "على حافة الهاوية". 

مأساة أميركا

العبارات المنمّقة التي اختارتها صحيفة "نيويورك تايمز" لتوصيف اللحظة التاريخية المفصلية في التاريخ الأميركي غابت عن قراءة مجلة "نيويوركر" التي هاجمت على نحو لاذع الرئيس الأميركي وذهبت إلى حد اعتبار فوز ترامب "مأساة للجمهورية الأميركية والدستور" في مقابل كونها انتصاراً لــ"قوى الاستبداد والعنصرية في الداخل والخارج التي تكن العداء للمهاجرين والنساء".

ورأت المجلة أن فوز ترامب "المفاجئ" ووصوله إلى الرئاسة هو بمثابة "حدث مقزز في تاريخ الولايات المتحدة والديمقراطية الليبرالية" لافتة إلى أننا "سنودّع في 20 كانون الثاني/ يناير 2017 أول رئيس أميركي من أصول أفريقية، رجلاً يتمتع بالكرامة والسخاء، ونشهد تنصيب مخادع لم يفعل الكثير لصدّ تأييد القوى المناهضة للمهاجرين والمؤيدة لتفوق البيض" معتبرة أنه "من المستحيل الردّ في هذه اللحظة بما أقل من النفور أو القلق العميق".   

وتحدثت المجلة عن مآس تنتظر الولايات المتحدة، مضيفة أن ترامب الذي وصفته بـ"المبتذل على نحو غير محدود وبالجاهل بالمعرفة الوطنية، لن يكتفي بالتسبب بتراجع الأسواق بل سيزرع الخوف في قلوب الضعفاء والكثير ممن وجه لهم إهانات قاسية، من بينهم الأميركيون من أصول أفريقية والنساء واليهود والمسلمون.  
أمام كل هذا قالت "نيويوركر" إن أكثر ما يبعث على الأمل في النظر إلى هذا الحدث الحزين وامتداداته هو أن هذه الانتخابات وما سيليها من سنوات ستكون اختباراً لمدى قوة وهشاشة المؤسسات الأميركية. ستكون اختباراً لمدى جديتنا وعزيمتنا".    

ظروف "الحرب الكبرى"

مجلة "فورين بوليسي" توقفت عند المهمة الصعبة التي يواجهها الرئيس الأميركي باراك أوباما في ما تبقى له من أيام في البيت الأبيض حيث سيحاول الحدّ من أضرار ما أحدثه فوز ترامب. وقالت في هذا السياق "إن أوباما سيحاول حماية سياساته في أشهره الأخيرة لكن الكثير من إرثه السياسي سيكون تحت رحمة ترامب والجمهوريين في الكونغرس". 

وتابعت أن البيت الأبيض الذي بدا كما لو أنه تلقى قذيفة من شدة الصدمة، والذي كان يعوّل على فوز كلينتون في الانتخابات، سيكون من الصعب عليه جني إرث أوباما من في القضايا المحلية والدولية نظراً للصلاحيات الواسعة المتاحة للرئيس الجديد.

ومن بين هذه القضايا الاتفاق النووي مع إيران حيث رأت "فورين بوليسي" أنه سيمكن لترامب الاعتماد على تأييد واسع من قبل زملائه الجمهوريين لمحاولة إعادة التفاوض حول الاتفاق أو إلغائه.

ونقلت المجلة عن خبراء ودبلوماسيين سابقين تحذيرهم من أن محاولة ترامب تنفيذ رؤيته يمكن أن تؤدي إلى أزمات دولية، وصولاً إلى "انسحابها من دورها كقائد للنظام العالمي الليبرالي" وفق ما نقلت عن توماس رايت من معهد بروكينغز الذي توقع انهيار النظام في ضوء ذلك وأن تتبارى الدول عندها للرد، مضيفاً "لا فكرة لدينا إلى أين ستنتهي بنا الأمور لكن هذه الظروف ربما تكون الظروف الوحيدة لاندلاع حرب كبيرة".