"ناشونال انترست": هل سيؤثر نقص الغذاء على استقرار كوريا الشمالية؟

يُرجح أن يكون إغلاق الحدود مع الصين بسبب تفشي وباء كورونا هو السبب المباشر للأزمة الغذائية، ولتجنب تكرار المجاعة التي حدثت في أواخر تسعينيات القرن العشرين قد تفتح كوريا الشمالية حدودها معها.

  • زعيم كوريا الشمالية سيعقد اجتماعاً مع اللجنة المركزية للحزب الحاكم  في البلاد خلال الشهر الجاري
    هل يجنّب كيم كوريا الشمالية وقوعها في المجاعة مجدداً؟

كتب الأستاذ الجامعي الأميركي روبرت كيلي مقالة في مجلة "ذا ناشونال انترست" الأميركية تناول فيها الأوضاع في كوريا الشمالية التي تعاني من نقص في الغذاء وتأثير ذلك على الاستقرار السياسي والأمني للنظام فيها. 

وقال الكاتب إن كوريا الشمالية تعاني مجدداً من نقص في الغذاء، وهذه مشكلة معروفة اليوم، والحكومة الكورية تعترف على الأقل بها هذه المرة. فعندما عانت كوريا الشمالية آخر مرة من انعدام الأمن الغذائي - في أواخر تسعينيات القرن العشرين - رفض الزعيم آنذاك كيم جونغ إيل الاعتراف بذلك، حيث مات نحو مليون شخص هناك جوعاً. 

وأضاف أنه لحسن الحظ، يعترف الزعيم الحالي كيم جونغ أون بالواقع، وهذا يعني أنه من المرجح أن يفعل شيئاً حيال ذلك. فكيم ليس مصلحاً، لكنه يبدو أنه يهتم بحالة الاقتصاد أكثر من والده الذي كان منعزلاً.

وأشار الكاتب إلى أنه يبدو أن سبب انعدام الأمن الغذائي حالياً هو الطقس. وقد تم استخدام نفس العذر منذ خمسة وعشرين عاماً. لكن التغيرات المناخية لا تؤدي إلى إثارة تنبيهات المجاعة في كوريا الجنوبية المجاورة، حيث يعيش. وزعم أن السبب الحقيقي يكاد تكون سياسياً بالتأكيد وهو سوء الحكم والفساد المذهلان.

وقال إنه سيتم إلقاء اللوم على العقوبات الخارجية على البلاد، لكن تأثيرها على الزراعة هامشي. فالعقوبات تتركز في الغالب على سلع النخبة الكمالية والمواد الصناعية ذات الاستخدام المزدوج (تلك التي يمكن استخدامها لأغراض عسكرية أو مدنية)، وهناك عمليات اقتطاع إنسانية إذا استغلها النظام. وستكون المعونة الغذائية وشيكة إذا كان هناك نوع من الرقابة يمكن أن يضمن أن المساعدات سوف تذهب للجياع وليس للجيش أو الجهات الفاعلة الأخرى في النظام. كانت هذه مشكلة في أواخر التسعينيات ومن المحتمل أن تكون هذا العام كذلك.

وأضاف أن هذا الأمر هو في جوهره قضية سياسية إذ يمكن للأجانب أن يساعدوا لكن النظام لم يكن مستعداً لقبول حتى أدنى آليات المساءلة. فهذه الأزمة هي اختبار للزعم القائل بأن الزعيم كيم جونغ أون هو مصلح. فإذا كان كذلك، فسوف يدرك أن المساعدة الخارجية ليست مجرد شيك على بياض إذ يجب أن تكون هناك آلية ما لضمان الاستخدام السليم لها.

وقال الكاتب إن من المرجح أن يكون إغلاق الحدود مع الصين بسبب تفشي وباء كورونا هو السبب المباشر، زاعماً أن الهندسة الزراعية "الاشتراكية" لكوريا الشمالية غير منتجة وغير فعالة. وأوضح أنه لتجنب تكرار المجاعة التي حدثت في أواخر تسعينيات القرن الماضي - المسيرة الشاقة أو مسيرة المعاناة- نظر النظام في الاتجاه الآخر تجاه الواردات الغذائية المهربة من الصين. فقد تم إنشاء مسارات غير رسمية إلى شمال شرق الصين من قبل الكوريين الشماليين الذين كانوا يعبرون الحدود في حالة يأس أثناء المجاعة. لم يقم النظام بقمعهم كثيراً منذ ذلك الحين، لأن هذه المدخلات غير المشروعة المستمرة تسهّل أمن النظام من خلال المساعدة في إطعام السكان وإحباط اليأس الشعبي الحقيقي.

ورأى الكاتب أن المجاعة سبب واضح إلى حد ما للثورة: فإذا كنت تتضور جوعاً حتى الموت، فلن يكون لديك ما تخسره. وإذا لم يستطع النظام إطعام شعبه، فعليه إما أن يتغير، أو يأخذ مساعدة أجنبية، أو يخاطر بأعمال شغب بسبب الخبز والمعارضة الداخلية. حتى الزعيم الصيني ماو تسي تونغ تراجع عن القفزة العظيمة إلى الأمام عندما أصبح مدى المجاعة التي تلت ذلك أمراً لا يمكن إنكاره. لكن نظام كيم في كوريا الشمالية رفض التغيير السياسي لعقود، على الأرجح لأنه يخشى فتح صندوق باندورا للمطالب من أسفل، بما في ذلك توحيد الكوريتين. 

وقال الكاتب: إذا كان لابد من الحفاظ على "الاشتراكية" - على الرغم من فسادها وعدم كفاءتها - وكانت المساعدات الخارجية لعنة بسبب آليات المساءلة، فإن "التهريب" من الصين هو بديل مفيد لإبقاء السكان يتغذون وهادئين. ولكن إذا تم إغلاق هذا الباب الخلفي غير الرسمي الآن بسبب فيروس كورونا، فإن التناقضات الداخلية للنظام تبدأ في التراكم. فالزراعة الجماعية معروفة بأنها غير فعالة، وفي كوريا الشمالية، يؤدي الفساد المستشري إلى تفاقم هذا الأمر. 

وأضاف: كان رد النظام في المرة الأخيرة هو ببساطة المخاطرة السياسية بالسماح بالمجاعة الجماعية. وكان من اللافت أنه لم تحدث أعمال عنف على نطاق واسع. ويشير ذلك إلى أن النظام مستقر بالفعل: فقد سمح بأن يجوع عشرة في المائة من سكانه في أواخر التسعينيات ولم يحدث شيء. وفي حين أنها كارثة إنسانية مذهلة، فهي شهادة مدهشة على قوة النظام...لكن السماح لعقدين من الاتجار الداخلي غير المشروع مع الصين يشير كذلك إلى أن النظام يعرف مدى خطورة أواخر مجاعة التسعينيات تلك. فقد وعد كيم جونغ أون عند صعوده بأن مثل "شد الحزام" ذلك لن يحدث مجدداً، وهذا الوعد هو اعتراف بأن المجاعة الجماعية هي حافز واضح لتحديات النظام.

وتساءل الكاتب: هل النظام في كوريا الشمالية مستقر حالياً؟ وهل ستؤدي أزمة الغذاء الراهنة في إلى تراجع في التأييد الشعبي للنظام؟ 

أجاب الكاتب بأنه على الأغلب لا. فقد نجا النظام، بشكل مثير للدهشة، من أزمة مماثلة وأكثر حدة قبل خمسة وعشرين عاماً وسيكون من الحماقة الرهان عليها الآن. قد يؤمن الكوريون الشماليون في الواقع بعبادة كيم، أو ربما ردعتهم قسوة الدولة المطلقة ضد المعارضة خلال هذه السنوات العديدة. فلم تكن هناك ثورة في كوريا الشمالية في تاريخها الممتد على مدى خمسة وسبعين عاماً.

وخلص الكاتب روبرت كيلي إلى القول إن شعور الزعيم كيم بأنه مضطر للاعتراف بما لم يعترف به والده أبداً، هو دليل على حجم الأزمة. فقد وعد كيم بأن مثل هذا الأمر لن يحدث أبداً، ومع فقد حدث. فالنمو الاقتصادي، بعد سوء الإدارة الكارثي لوالده، كان عنصر إضفاء الشرعية على حكمه. وإذا حدث رد فعل، من الشعب أو من عناصر النظام ضد كيم، فمن المحتمل أن يكون ذلك بسبب الوضع الاقتصادي. وإذا تحول انعدام الأمن الغذائي إلى مجاعة مرة أخرى، فمن المرجح أن يعيد النظام فتح الباب الصيني ويخاطر بانتشار وباء كورونا.

(يشار إلى أن كوريا الشمالية تزعم بأنه لا توجد حالات إصابة بفيروس "كوفيد-19" في البلاد).

*روبرت كيلي أستاذ العلاقات الدولية في قسم العلوم السياسية والدبلوماسية بجامعة بوسان الوطنية في كوريا الجنوبية.

نقله إلى العربية بتصرف: هيثم مزاحم