"نيويورك تايمز": بدون إصلاح الحزب الجمهوري، نخاطر بحرب أهلية في أميركا
من دون حرب أفكار داخل الحزب الجمهوري، ينتصر فيها الجمهوريون المبدئيون، فإننا نخاطر بشكل حقيقي باندلاع حرب أهلية سياسية في أميركا خلال الانتخابات المقبلة.
كتب توماس فريدمان مقالة في صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية تناول فيها الواقع السياسي الداخلي في الولايات المتحدة الأميركية، بعد مزاعم الرئيس السابق دونالد ترامب بتزوير نتائج الانتخابات الرئاسية وما أعقبها من هجوم لأنصاره على مبنى الكونغرس.
وقال فريدمان إن النجاح المبكر الذي حققه الرئيس جو بايدن في تطعيم الأميركيين، وإقرار إجراءات التحفيز الاقتصادي وتهدئة الحياة الأميركية بشكل عام، كانت نعمة للبلاد. لكنه هدأ الكثيرين من الذين اعتقدوا بأن كذبة دونالد ترامب الكبيرة بأن الانتخابات قد سُرقت، والتي دفعت تمرد الكابيتول في 6 كانون الثاني / يناير الماضي، سوف تتلاشى بالتأكيد وسيعود كل شيء إلى طبيعته. لكنها لم تفعل.
وأضاف فريدمان: نحن لسنا بخير. لا تزال ديمقراطية أميركا في خطر حقيقي. في الواقع، نحن أقرب إلى حرب أهلية سياسية، أكثر من أي وقت آخر في تاريخنا الحديث. الهدوء السياسي الذي يبدو اليوم يستقر في الحقيقة على قاع زائف نتعرض لخطر الانهيار فيه في أي لحظة. لأنه بدلاً من تلاشي كذبة ترامب الكبيرة، يحدث العكس تماماً، أولاً ببطء والآن بسرعة.
وأوضح الكاتب أنه تحت قيادة وسيطرة ترامب من منتجع مارالارغو، وبتواطؤ معظم قادة حزبه، كانت قد انتشرت تلك الكذبة الكبرى، التي تقول إن أكبر انتخابات في تاريخنا، عندما صوت الجمهوريون والديمقراطيون أكثر من أي وقت مضى، في خضم وباء، يجب أن يكون مزورة لأن ترامب خسرها. لقد تم تبنّيها من قبل أغلبية قوية من الجمهوريين المنتخبين وأعضاء الحزب العاديين المحليين والولائيين والوطنيين.
لاحظ غوتام موكوندا، مقدم برنامح "العالم معاد تخيله" على "ناسداك" ومؤلف كتاب "لا يمكن الاستغناء عنه: عندما يكون القادة مهمين حقاً"، أن "إنكار شرعية انتخاباتنا الأخيرة أصبح شرطاً أساسياً كي تُنتخب كجمهوري (في الكونغرس) في عام 2022".
يؤدي هذا إلى إنشاء مصفاة تمنع ترشح أي شخص على استعداد لقول الحقيقة بشأن الانتخابات. سوف يترك لنا "حزباً جمهورياً حيث لا يمكنك النهوض دون الإعلان عن غروب الشمس من الشرق، وهو حزب جمهوري يكون فيه الاستعداد للمساعدة في سرقة الانتخابات شرطاً فعلياً للوظيفة".
وقال فريدمان إن ذلك ليس مبالغة. إليكم ما قاله النائب أنتوني غونزاليس، أحد النواب الجمهوريين القلائل الذين صوتوا لعزل ترامب، لصحيفة "ذا هيل" عن الحملة داخل الحزب للإطاحة بالنائبة ليز تشيني من منصبها القيادي الجمهوري في مجلس النواب، بسبب رفضها مواكبة كذبة ترامب الكبيرة: "إذا كان أحد المتطلبات الأساسية لقيادة مؤتمرنا هو الاستمرار في الكذب على ناخبينا، فإن ليز ليست الأنسب لذلك. ليز لن تكذب على الناس. ... بل هي ستقف للدفاع على مبدأ".
وقال فريدمان: فكروا في ذلك لثانية. أن تكون قيادياً في الحزب الجمهوري عليك إما أن تكون غبياً أو تلعب دور الغبي بشأن القضية المركزية التي تواجه جمهوريتنا: نزاهة انتخاباتنا. عليك أن تقبل كل ما قاله ترامب عن الانتخابات – من دون أي دليل - وتجاهل كل ما قاله المدعي العام، ومدير مكتب التحقيقات الفيدرالي ومدير أمن الانتخابات - بناء على الأدلة - أنه لم يكن هناك تزوير جوهري. وأضاف: أي نوع من الحزب المشوه سينتج مثل هذا الديناميكي؟ إن أي حزب يرغب في أن يتورط في مثل هذه الكذبة المكشوفة سوف يكذب بشأن أي شيء، بما في ذلك من سيفوز في الانتخابات المقبلة وكل انتخابات أخرى بعد ذلك.
ورأى الكاتب أنه "لا يوجد شيء أكثر خطورة على الديمقراطية المكوّنة من حزبين من أن يعلن حزب واحد أنه لا انتخابات يخسرها تعتبر شرعية، وبالتالي، إذا خسر الانتخابات، فسوف يكذب فقط بشأن النتائج ويغيّر القواعد".
وأضاف: هذا بالضبط ما يجري الآن. وكلما وقّع مشرّع جمهوري بعد الآخر على كذبة ترامب الكبيرة، كلما منح ذلك الحزب ترخيصاً على مستوى الولاية للترويج لقوانين قمع الناخبين التي تضمن عدم خسارته مرة أخرى.
أشارت كيمبرلي ويلي، الأستاذة في كلية الحقوق بجامعة بالتيمور ومؤلفة كتاب "كيف تقرأ الدستور - ولماذا"، في مقالة كتبتها في "ذا هيل" يوم الإثنين، إلى أنه "اعتباراً من أواخر آذار / مارس، قدم المشرعون في الولايات 361 مشروع قانون في 47 ولاية هذا العام تحتوي على قيود حول التصويت، بزيادة قدرها 43 في المائة عن الشهر السابق فقط".
وأضافت: تشمل الإجراءات أشياء مثل تعزيز القوة لـ"مراقبي الاقتراع "، وعدد أقل من صناديق الاقتراع، وقيود مفروضة على التصويت عبر البريد، وعقوبات مفروضة على مسؤولي الانتخابات الذين يفشلون في تطهير الناخبين من القوائم، وتعزيز سلطة السياسيين فيما يتعلق بإجراءات الانتخابات".
وتابعت ويلي: على من أن المؤيدين الجمهوريين لمشاريع القوانين هذه يصرون على أنها تتعلق بنزاهة الانتخابات وأمنها، فإن عدم وجود دليل فعلي على التزوير وسوء الإدارة في النظام الانتخابي الأميركي يكذبان تماماً تلك الادعاءات الساخرة".
واعتبر فريدمان أن هذا يعادل إشعال فتيل قنبلة زرعت تحت أسس ديمقراطيتنا. وقال: تخيلوا لو تم تمرير كل أو العديد من هذه الإجراءات – وفي عامي 2022 و2024 تمكن الجمهوريون من استعادة مجلس النواب ومجلس الشيوخ والبيت الأبيض، على سبيل المثال، بـ42 في المائة فقط من الأصوات الشعبية، مما يؤسس بفعالية لحكم الأقلية. هل تعلمون ماذا سيحدث؟ دعوني أخبركم:
ماذا سيحدث. لن يقف الناخبون الديمقراطيون المحرومون مكتوفي الأيدي. قد يرفضون دفع ضرائبهم. سيخرج الكثيرون إلى الشوارع. قد يصبح البعض عنيفاً، وقد يصاب نظامنا السياسي بأكمله بالشلل ويبدأ في الانهيار.
ومع ذلك، هذا هو بالضبط المسار الذي يضعنا فيه الحزب الجمهوري بقيادة ترامب.
أنا شخصياً لدي تحفظات حول المكان الذي يدفع فيه يسار الحزب الديمقراطي بايدن إلى بعض القضايا الاقتصادية، والهجرة، والسياسة الخارجية، والتعليم. لكن بايدن وحزبه يطرحان أفكاراً حقيقية لمحاولة مواجهة التحديات الحقيقية التي تحتاج أميركا المتنوعة بشكل متزايد في القرن الحادي والعشرين إلى مواجهتها، لتصبح اتحاداً أكثر كمالاً. إن أفضل وسيلة لإبقاء الحزب الديمقراطي قريباً من يسار الوسط في المزيد من القضايا هو وجود حزب جمهوري سليم يميل إلى يمين الوسط.
ليس لدينا ذلك. لدينا، بدلاً من ذلك، حزب جمهوري يحاول التشبث بالسلطة من خلال الاستفادة من الكذبة الكبيرة في قوانين قمع الناخبين التي تشكل رافعة لعودة الحزب إلى السلطة من خلال الرغبة بأميركا القرن العشرين التي يغلب عليها البيض فقط.
الحزب الجمهوري بقيادة ترامب لا يبذل أي جهد لتقديم بدائل متحفظة لقضايا اليوم. ينصب تركيزه كله على كيفية الفوز من دون القيام بذلك. وهذا هو السبب في أنه يتعين على كل أميركي أن يدعم بكل طريقة ممكنة المشرعين الجمهوريين المبدئيين القلائل الذين يقاتلون هذا الاتجاه من الداخل، على غرار ليز تشيني والنائب آدم كينزينجر والسناتور ميت رومني.
وقال فريدمان: ما تعلمته من تغطية النضال من أجل مستقبل العالم العربي الإسلامي بعد 11 أيلول / سبتمبر هو أن حرب الأفكار في الداخل هي كل شيء. بالتأكيد، من المهم أن يدين الأجانب السلوك السيء، لكن أصواتهم لها تأثير محدود. فالتغيير الحقيقي يحدث فقط عندما يتم كسب حرب الأفكار من قبل الناس في الداخل، ومن خلال العمل من الجذور إلى الأعلى.
يوم الإثنين، نقلت قناة "سي إن إن" عن تشيني قولها للمانحين الجمهوريين والباحثين في معتكف لمعهد "أميركان إنتربرايز" في سي آيلاند، بولاية جورجيا: "لا يمكننا تبني فكرة أن الانتخابات مسروقة. إنه سم في مجرى الدم في ديمقراطيتنا. ... لا يمكننا تبييض ما حدث في 6 كانون الثاني / يناير أو إدامة كذبة ترامب الكبيرة. إنه تهديد للديمقراطية. ما فعله في 6 كانون الثاني / يناير هو خط لا يمكن تجاوزه".
وختم فريدمان مقالته بالقول: "يجب الدفاع عن التداول السلمي للسلطة". وقال إن ليز تشيني لا يمكن أن تكون على حق أكثر. ومن دون حرب أفكار داخل الحزب الجمهوري، والتي ينتصر فيها الجمهوريون المبدئيون، فإننا نخاطر بشكل حقيقي باندلاع حرب أهلية سياسية في أميركا خلال الانتخابات المقبلة. وأضاف أن الأمور ليست على ما يرام، وما لم يدافع المزيد من الجمهوريين المبدئيين عن الحقيقة بشأن انتخاباتنا الأخيرة، فسنرى بالضبط كيف تموت الديمقراطية.
نقله إلى العربية بتصرف: هيثم مزاحم