"واشنطن بوست": هجمات "إسرائيل" على منشآت إيران لا تفيد أميركا

إن رغبة نتنياهو في إغضاب الإيرانيين وتعطيل المفاوضات ليست سوى عنصر واحد من عناصر السياسة المعقدة التي تحيط بالمحادثات النووية.

  • الأمن الإيرانية: التعرف على هوية المتسبب بتعطيل النظام الكهربائي  في
    منشآة "نطنز" النووية التي تعرضت لهجوم تخريبي إسرائيلي.

كتب إيشان ثارور تقريراً في صحيفة "واشنطن بوست" الأميركية تناول فيه الهجوم الأخير على منشآن نطنز النووية الإيرانية ودور "إسرائيل" التخريبي لتعطيل المحادثات الأميركية الإيرانية غير المباشرة للعودة إلى الاتفاق النووي لعام 2015.

وقال الكاتب إن هذا الهجوم التخريبي الجلّي قد أثار رد فعل إيراني غاضب حيث يتهم المسؤولون الإيرانيون "إسرائيل" بأنها تقف وراء هجوم يوم الأحد على منشآة نطنز الرئيسية النووية، الذي أسفر، بحسب التقارير، عن حريق وانقطاع للكهرباء أديا إلى تعطّل أجهزة طرد مركزي تستخدم لتخصيب اليورانيوم.

وفي حديثه إلى الصحافيين الثلاثاء، قال وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف أن هذا الانتهاك كان "غباء إرهابياً" لن يؤدي إلا إلى تقوية موقف إيران في المحادثات غير المباشرة التي تجري في فيينا مع الولايات المتحدة وشركائها الأوروبيين من أجل عودة الجانبين الأميركي والإيراني إلى التزاماتهما بالاتفاق النووي لعام 2015. 

وفي رد على ذلك، أعلن المفاوض النووي الرئيسي الإيراني عباس عراقجي أن بلاده قد أخطرت الوكالة الدولية للطاقة النووية بخططها للبدء بتخصيب اليورانيوم بنسبة 60 في المئة، وهو ما يعد تصعيداً آخر في نشاطات التخصيب الإيرانية التي جاءت بعد قرار إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب بإعادة فرض عقوبات على "الجمهورية الإسلامية"، والذي يعد نكصاً للالتزامات الأميركية بموجب الاتفاق النووي.

وقال الكاتبان في "نيويورك تايمز"، كريم فهيم ولوفيداي موريس، إن الإعلان الإيراني عن زيادة نسبة التخصيب يجعل طهران تتجاوز نسبة التخصيب الحالية المقدرة بـ20 في المائة وقريبة من مستويات التخصيب المخصصة لإنتاج سلاح نووي. 

وأضاف الكاتب أن الإعلان الإيراني يثير وضعاً دبلوماسياً مشحوناً مع تحديد موعد استئناف المناقشات بوساطة أوروبية في العاصمة النمساوية هذا الأسبوع. فقبل نهاية الأسبوع الماضي، قال مشاركون في المحادثات النووية إنهم يحرزون تقدماً، ولو كان متقطعاً، تجاه التوصل إلى اتفاق يجعل الإيرانيين والأميركيين يعودون في النهاية إلى الاتفاق النووي. لكن التركيز يعود الآن إلى حرب ظل طويلة المدى بين "إسرائيل" وإيران اشتعلت خلال الأسابيع الماضية، من هجمات بالألغام في البحر الأحمر إلى ضربات بالصواريخ في سوريا وصولاً إلى الحادثة الأخيرة في نطنز.

وأضافت "نيويورك تايمز" أن "إسرائيل" لم تعلّق علناً على الحادث الأخير، لكن غموضها المتعمد – الذي لا يؤكد ولا ينفي دورها في هكذا عملية تخريبية – هو جزء من تاريخ طويل من الاستهداف السري لأهداف إيرانية في المنطقة وداخل الأراضي الإيرانية، بما في ذلك اغتيال العالم النووي الإيراني البارز محسن فخري زادة في كانون الأول / ديسمبر 2019. ويُعتقد على نطاق واسع أن الولايات المتحدة الأميركية و"إسرائيل" قد تعاونتا في هجمات سيبرانية سببت أضراراً لمنشآة نطنز قبل أكثر من عقد، في إشارة من الكاتب إلى الهجوم الذي تعرضت له المنشآة النووية عبر إرسال فيروس "ستاكس نت" إلى أجهزتها عام 2010. لكن إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن قد أصرّت هذه المرة أنه لم يكن لديها علم مسبق بالهجوم ولا أي دور في تنفيذه.

وقال الكاتب إن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو هو، بالتأكيد، معارض قوي للاتفاق النووي مع إيران، ولا يريد أن يرى إدارة بايدن تعود إلى ما تخلى عنه ترامب. يقول محللون إن نتنياهو سيكون سعيداً بلعب دور المخرّب على إيران بينما يواجه الرئيس بايدن ومساعدوه تحدي الاختيار بين مجموعة طموحة وواسعة من أولويات السياسة الخارجية، من أزمتي المناخ والوباء إلى الحساب مع الصين وروسيا والدفع باتجاه إصلاحات شاملة لحوكمة الشركات العالمية.

وقال نتنياهو خلال مؤتمر صحافي الإثنين خلال زيارة وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن، إنه "في الشرق الأوسط، لا يوجد تهديد أكثر جدية، وأكثر خطورة، وأكثر إلحاحاً، مما يفرضه النظام المتشدد في إيران".

وقد بقي أوستن صامتاً بشأن الهجوم على نطنز لكنه قال إنه "جدد التأكيد على التزام الإدارة (الأميركية) تجاه إسرائيل والشعب الإسرائيلي".

وقال دبلوماسي أوروبي مطلع على تقدم محادثات فيينا إلى مراسلي "نيويورك تايمز" إن "هذه الهجمات تقود إلى نتائج عكسية من وجهات نظر مختلفة". وأضاف أنها تعزز موقف المتشددين الإيرانيين، الذين هم دوماً مشككون بالاتفاق النووي، وهي تغذّي السردية القائلة بأن الولايات المتحدة تخضع للمصالح الإسرائيلية، مشيراً إلى أن "ذلك ليس مفيداً للولايات المتحدة".

ورأى الكاتب أن رغبة نتنياهو المحتملة في إغضاب الإيرانيين وتعطيل المفاوضات ليست سوى عنصر واحد من عناصر السياسة المعقدة التي تحيط بالمحادثات النووية. فالانتخابات المقبلة في إيران قد تسفر قريباً عن خروج ما يعرف بالمعسكر "البراغماتي" بقيادة الرئيس حسن روحاني من الحكم لمصلحة المتشددين الأكثر معارضة لتقديم تنازلات أو محاولة التقارب مع الغرب. فوزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف وحلفاؤه قد أكدوا على أنهم غير مهتمين بمتابعة المفاوضات التي تتخطى قيود التخصيب والتفتيش المفروضة على إيران بموجب اتفاق عام 2015.

وأوضح الكاتب أن ذلك هو جزء رئيسي من طرح بايدن في مواجهة منتقدي الاتفاق النووي في واشنطن حيث يعتقد الكثيرون منهم أن مواصلة حملة "الضغط الأقصى" لإدارة ترامب قد تجعل إيران تخضع. أما على يسار بايدن، فهناك عدد متزايد من المشرعين الديمقراطيين الذين يدعون إلى مقاربة "التزام مقابل التزام" قد تجعل البلدين يعودان سريعاً إلى التزاماتهما السابقة، وذلك قبل البدء المحتمل لمرحلة دبلوماسية جديدة لا تشمل فقط الدول الموقعة على اتفاق 2015 بل أيضاً خصوم إيران الإقليميين وضمنهم "إسرائيل".

وقال الكاتب إن الواقع الآن هو أن إيران هي أقرب لجمع المخزون الضروري من اليورانيوم المخصب بمستويات مطلوبة لصنع سلاح نووي، مما كانت عليه عندما تراجع بايدن عن الاتفاق النووي. كما أن مغامرات طهران عبر قوى وكيلة في الشرق الأوسط قد كان من الصعب ردعها. والهجوم الإسرائيلي الواضح على منشآة نطنز قد يشجع فقط أولئك الذين يعتقدون في طهران أن البلاد قد تجاوزت الأسوأ في العقوبات الأميركية، وأنها ستحظى بالمزيد من النفوذ في الأشهر المقبلة إذا واصلت عمليات التخصيب.

وقد كتب ميثم بهرافيش في مجلة "فورين بوليسي" الأميركية يقول إن "هجوم نطنز لا يمنح فقط طهران عذراً قانونياً لوضع أجهزة طرد مركزية لتخصيب اليورانيوم أكثر فعالية من دون دفع الكثير من الثمن السياسي، بل يمكنه تقييد أيدي موسكو وبكين في الضغط على إيران للتوصل إلى تسوية خلال مفاوضات فيينا". 

وكتبت مجلة "ذي أتلانتيك" أن "كل هجوم على البنية النووية الإيرانية يزوّد المتشددين بالوقود الذي يحتاجونه لتشويه سمعة إدارة الرئيس حسن روحاني بسبب تفاوضها عل الاتفاق النووي لعام 2015، الذين عارضوه بقوة منذ البداية. إنه يحشد المتشددين لمضاعفة جهودهم للدفع باتجاه توسيع برنامج إيران النووي".

وقال دانيال شابيرو، السفير الأميركي السابق لدى "إسرائيل"، لقناة "إن بي آر" الأميركية إن التهديد بضربات إسرائيلية سرية على إيران قد ألقى بظلاله على المحادثات الأولى في عهد الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما والتي أدت إلى إبرام الاتفاق النووي. وأضاف أن "الخوف من عمل عسكري إسرائيلي كان ولا يزال وما زال محفزاً للناس لجعل الدبلوماسية تعمل".

وأضاف الكاتب أنه يبدو أن ثمة عائقاً الآن. ولاحظت افتتاحية صحيفة "واشنطن بوست" أن "الأسبوع الماضي قد سلّط الضوء على اختلاف حاد بين المصالح الأميركية والمصالح الإسرائيلية". وأضافت: "بالنسبة لإسرائيل فإن الصراع الدائم مع إيران أمر مفروغ منه، ولا يمكن تصوّر أي انفراج معها والهجمات العسكرية التي أرجعت البرنامج النووي الإيراني لأشهر قليلة إلى الوراء هو أفضل ما يمكن تأمله. في المقابل، نجحت الولايات المتحدة في عقد اتفاق مع طهران أزال فعلياً التهديد بأنها ستنتج أسلحة نووية لمدة عقد على الأقل". 

نقله إلى العربية بتصرف: هيثم مزاحم