"ميدل إيست آي": هل تبني "إسرائيل" مفاعلاً جديداً في ديمونا لإنتاج التريتيوم؟

تشير صور الأقمار الصناعية إلى أن أعمال البناء في ديمونا جارية منذ عامين، بينما يواصل نتنياهو تصوير إيران على أنها التهديد النووي الإقليمي.

  • صور أقمار اصطناعية تظهر بناء جديداً في موقع مفاعل ديمونا الإسرائيلي.
    صور أقمار اصطناعية تظهر بناء جديداً في موقع مفاعل ديمونا الإسرائيلي.

نشرت منظمة دولية غير حكومية معنية بوقف انتشار الأسلحة النووية أخيراً صور أقمار صناعية تظهر أن "إسرائيل"، لأول مرة منذ عقود، منخرطة في بناء جديد في موقعها النووي في ديمونا. بينما يتكهن الخبراء أنه إذا تم إيقاف تشغيل مفاعل ديمونا القديم، فستحتاج "إسرائيل" إلى مصدر جديد لإنتاج التريتيوم، وقد يتم بناء مفاعل خصيصاً لهذا الغرض.

وكتب ريتشارد سيلفرشتاين مقالة في موقع "ميدل إيست آي"  البريطاني قال فيها إن مفاعل ديمونا، الذي بدأ نشاطه لأول مرة في منتصف ستينيات القرن العشرين، يصنع البلوتونيوم كوقود لمخزون "إسرائيل" المشهور المكون من 80 رأساً نووياً.

وأثار هذا الكشف فضول الخبراء النوويين ووكالات الاستخبارات في جميع أنحاء العالم. ومنذ أن تجاوز مفاعل ديمونا منذ فترة طويلة على عمره المتوقع، تكهن البعض بأن "إسرائيل" ربما تبني مفاعل بلوتونيوم جديداً.

وأضاف الكاتب أنه يبدو أن هذا الأمر غير مرجح، لأن هذا العنصر طويل الأمد، وقد أنتجت "إسرائيل" بالفعل ما يكفي لتلبية الاحتياجات الحالية أو المستقبلية. وتكهن البعض بأن المفاعل الحالي إما مغلق فعلياً أو يتم إيقاف تشغيله.

وقال الكاتب: إذا لم تكن "إسرائيل" بحاجة إلى مفاعل جديد ليحل محل المفاعل القديم، فما الذي يمكن أن تبنيه هناك أيضاً؟ ففي مقابلة حديثة مع وكالة أسوشييتد برس، أشار داريل كيمبال، المدير التنفيذي لجمعية الحد من الأسلحة ومقرها واشنطن، إلى عنصر حاسم آخر في الرؤوس الحربية النووية: التريتيوم، وهو أحد نظائر الهيدروجين المستخدمة لزيادة إنتاجية الرؤوس الحربية النووية. كما أنه يجعل التفاعل الانفجاري أكثر فاعلية، لذلك هناك حاجة إلى وقود أقل (في حالة "إسرائيل"، البلوتونيوم).

وأضاف: سمح التريتيوم بإحداث تقدم في تصميم الأسلحة، بما في ذلك الأجهزة الأصغر التي تتضخم قوتها التفجيرية. كما أنها تستخدم في القنابل النيوترونية المصممة لقتل البشر مع تقليل مساحة الانفجار.  وقد أخبر كيمبال وكالة الأسوشييتد برس أن "إسرائيل" "قد ترغب في إنتاج المزيد من التريتيوم، وهو منتج ثانوي مشع سريع التحلل نسبياً يستخدم لتعزيز القدرة المتفجرة لبعض الرؤوس الحربية النووية".

يتم تصنيع التريتيوم، مثله مثل البلوتونيوم والمواد الأخرى المستخدمة في إنتاج الأسلحة النووية، في مفاعل نووي. يمكن أن ينتج عن طريق تشعيع معدن الليثيوم. يعتبر النظير أقل استقراراً من البلوتونيوم، مما يعني أنه يتطلب التجديد بشكل متكرر لاستخدامه في ترسانة نووية.

كما تكهن الخبير النووي الإسرائيلي البارز أفنير كوهين، إذا تم إيقاف تشغيل مفاعل ديمونا القديم، فستحتاج "إسرائيل" إلى مصدر جديد لإنتاج التريتيوم. وربما يتم بناء مفاعل خصيصاً لهذا الغرض.

وقال الكاتب: يبدو أن بناء المفاعل الجديد قد بدأ، وفقًا لتحليل صور الأقمار الصناعية، في وقت ما في أواخر عام 2018 أو أوائل عام 2019. وهذا يعني أن العمل قد تم على الأرجح منذ حوالى عامين. وتشير الصور الحالية بشكل أساسي إلى أعمال التنقيب، ولكن لم يتم تشييد أي مبانٍ بعد.

وتساءل: لماذا تسير العملية ببطء شديد؟ وقال: يمكن أن يشير ذلك إلى عدم اتخاذ قرار بين صانعي السياسات الإسرائيليين حول ما إذا كان سيتم إغلاق المفاعل القديم ومتى ذلك، أو قيود الميزانية التي تمنع تسريع وتيرة البناء.

الخطر النووي الحقيقي

وتساءل الكاتب: لماذا أصبحت الصور متاحة للعامة الآن فقط بعد عامين من إنشاء المبنى؟ وأجاب قائلاً: إنه بالنظر إلى الخلاف الذي يلوح في الأفق بين "إسرائيل" والرئيس الأميركي جو بايدن حول إحياء المفاوضات النووية الإيرانية، من الممكن أن ترغب الإدارة الأميركية في تذكير العالم بمكان الخطر النووي الحقيقي - وهو ليس في إيران. فإذا كان البناء مرتبطًا بإنتاج التريتيوم، فإن هذا يشير إلى أن "إسرائيل" لا تبني فئة جديدة من الأسلحة النووية، مثل الأسلحة التي تفوق سرعتها سرعة الصوت والتي تفاخر بها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين - على الأقل ليس في ديمونا. بل من المرجح أن "إسرائيل" تقوم بتحسين قوة ترسانتها الحالية.

وقال الكاتب إن المفارقة في مشروع ديمونا هي أنه لا أحد يشكك في حق "إسرائيل" في صنع أسلحة نووية أو تحسين القدرة الفتاكة لترسانتها. فالإسرائيليون يحفرون حفرة بحجم ملعب كرة قدم لبناء، الله أعلم ما هو؟. ومع ذلك، في حالة سقوط جزيء واحد من اليورانيوم على الأرض في مكان لا ينبغي أن يكون فيه في إيران، يبدأ المجتمع الدولي بأسره في التأكيد على أن طهران على بعد أسابيع قليلة من الاختراق النووي والكارثة الوشيكة.

وأضاف: لماذا الكيل بمكيالين؟ لماذا يعتقد العالم أن لـ"إسرائيل" الحق في مثل هذه الترسانة الهائلة، وأنها ستحافظ عليها بشكل مسؤول، بينما لا يحق لإيران حتى الحصول على سلاح واحد - وإذا كان على الأخيرة أن تصنع واحداً، فإنها ستفجّر العالم؟ ما الذي فعلته "إسرائيل" لتستحق مثل هذه المصداقية، وما الذي فعلته إيران حتى تستحق هذا المستوى من الإهمال؟

السيطرة على الأعداء

في حديث على فيسبوك، وصف أفنير كوهين رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين بأنه "الأكثر حرصاً على الطاقة النووية" منذ ديفيد بن غوريون، الذي أسس البرنامج النووي للكيان. لقد أبدى نتنياهو اهتماماً أكبر بكثير بالمشروع النووي وألقى العديد من الخطب، في كل من ديمونا وقبر بن غوريون القريب في سديه بوكير، مهدّداً إيران بالتدمير النووي.

وهذا لا يعني بالضرورة أن نتنياهو سيستخدم مثل هذه الأسلحة أكثر من رؤساء الوزراء السابقين. وهذا يعني أنه يرى حاجة ماسة لـ"إسرائيل" لامتلاك قوة ردع نووي موثوق بها لإبقاء أعدائها تحت السيطرة. هذا عنصر أساسي في استراتيجية "إسرائيل" الجيوسياسية، ووسيلة لإبراز القوة وضمان الهيمنة الإقليمية للدولة، وصد تهديدات القوى المعادية في إيران وسوريا والعراق. في الماضي، أمر رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق مناحيم بيغن بشن هجوم على مفاعل نووي عراقي، وأمر رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق إيهود أولمرت بشن هجوم على مفاعل سوري كان يجري بناؤه في صحرائها الشرقية.

ورأى الكاتب أن هوس نتنياهو ببرنامج إيران النووي قد ينبع من كرهه لأن يكون أول زعيم إسرائيلي يسمح لعدو بالانضمام إلى النادي النووي. فعلى مدى العقد الماضي، لعبت الولايات المتحدة و"إسرائيل" دور الشرطي الجيد والشرطي السيء فيما يتعلق بالتهديد النووي الإيراني. استخدم الرؤساء الأميركيون مزيجاً من التخريب السري والدبلوماسية العامة لتعزيز سياسة تقييد إيران، بينما دعت "إسرائيل"، في بعض الأحيان، إلى شن هجوم عسكري مباشر. كلاهما تعاون في البرمجيات الخبيثة السرية "ستاسكنت" Stuxnet التي دمرت أجهزة الطرد المركزي لليورانيوم في إيران. لكن الولايات المتحدة لم تكن أبداً مستعدة للانضمام إلى هجوم على إيران، على الرغم من ضغط نتنياهو. فهل سيتحلى الزعيم الإسرائيلي بضبط النفس، أم أنه سيختبر تصميم بايدن والتزام إيران بالمفاوضات، من خلال الاستمرار في اغتيال العلماء النوويين وتقويض النهج السياسي الدبلوماسي لحل الأزمة؟

وقال الكاتب: لقد تعلم بايدن من التجارب السابقة للرئيس الأميركي السابق باراك أوباما ألا يثق بنتنياهو. إنه وضع لا يُحسد عليه أن يضطر المرء إلى عدم الثقة في كل من عدو المرء، إيران، وحليفه، "إسرائيل".

*ريتشارد سيلفرشتاين هو ناشر مدونة "تيكون أولام" Tikun Olam، المكرسة لفضح تجاوزات دولة الأمن القومي الإسرائيلي. ظهرت أعماله في صحف "هآرتس" و"فورورد" و"سياتل تايمز" و"لوس أنجلوس تايمز". ساهم في مجموعة المقالات المكرسة لحرب لبنان عام 2006.

نقله إلى العربية بتصرف: هيثم مزاحم