لماذا تعلن أميركا عن رغبتها في التحدث مع إيران؟
اتخذت إدارة بايدن بالفعل خطوات عدة تعتبرها طهران مؤشراً على أن الرئيس جو بايدن حريص جداً على تجنب المواجهة وإجراء محادثات معها.
كتب الباحث أميتاي أتزيوني مقالة في مجلة "ذا ناشونال انترست" الأميركية تناول فيها عقبات العودة الأميركية إلى الاتفاقية النووية مع إيران. وقال إذا استمعنا إلى ما يقوله الطرفان، فإن موقف كل من الولايات المتحدة وإيران يناقض موقف الآخر. صرح المرشد الأعلى الإيراني آية الله علي خامنئي بأن الولايات المتحدة "يجب أن ترفع جميع العقوبات من الناحية العملية" قبل أن تعود إيران إلى الالتزامات التي تعهدت بها كجزء من الاتفاق النووي. يرى الرئيس جو بايدن أن الولايات المتحدة لن تلغي العقوبات المفروضة على إيران ما لم تتوقف إيران عن تخصيب اليورانيوم. في الواقع، كلاهما مهتم جداً بالشيء نفسه: في الحديث أولاً عن المحادثات، ثم التفاوض على المزيد.
وأضاف الكاتب أن الولايات المتحدة ملتزمة بعدم السماح لإيران بتطوير سلاح نووي. ومع ذلك، إذا لم تنجح العقوبات واستمرت إيران في تخصيب المزيد من اليورانيوم، مما يجعلها مادة يمكن استخدامها في سلاح نووي، فسيتعين على الولايات المتحدة استخدام القوة لوضع حد لذلك. وهناك القليل من الأشياء التي تميل إدارة بايدن إلى القيام بها أكثر من خوض حرب أخرى في الشرق الأوسط. فالإدارة تواجه قائمة طويلة جداً من التحديات، بينها التعامل مع الوباء وإنعاش الاقتصاد، ومعالجة تغيّر المناخ، والاستجابة لمطالب العدالة الاجتماعية. إن تكريس الموارد لحرب في الشرق الأوسط سيقلل من الموارد المتاحة للأغراض المحلية. وقد كلفت الحروب في أفغانستان والعراق تريليونات الدولارات، وأدت التدخلات المسلحة الأخيرة التي نفذتها الولايات المتحدة إلى إراقة دماء هائلة، وليس لدى الولايات المتحدة الكثير لتظهره في هذه الحملات. لقد أظهرت هذه التدخلات أن الولايات المتحدة ضعيفة، في تحالفها مع الحكومات الفاسدة، تلك التي تتجاهل الحقوق الفردية. باختصار، لدى إدارة بايدن أسباب قوية للسعي لتجنب الحرب مع إيران.
وقال الكاتب: كيف تربيع الزوايا، وكيف تتجنب مواجهة الاختيار القاسي بين الحرب وتجاهل القنابل الإيرانية التي تلوح في الأفق؟ دعونا نتفاوض ونبلغ عن التقدم ونتحدث أكثر.
لقد اتخذت إدارة بايدن، في أسابيعها الأولى، خطوات عدة تعتبرها إيران مؤشراً على أن بايدن حريص جداً على تجنّب المواجهة والتحدث بدلاً من ذلك. وتوقفت عن مساعدة السعوديين في القتال ضد الحوثيين، وهم قوة تدعمها إيران وتعتبر على نطاق واسع "وكيلها". لقد شطبت إدارة بايدن الحوثيين من قائمة التنظيمات الإرهابية، وعينت روبرت مالي مبعوثاً لإيران. يُعرف مالي على نطاق واسع بأنها "داعية للانخراط مع الجماعات والحكومات"، بما في ذلك تلك التي تعد أعداء للولايات المتحدة ولحلفائها. ومع ذلك، يؤكد النقاد أن مالي "متعاطف بشكل مفرط مع الجهات الأجنبية بما في ذلك إيران". (في العام الماضي، طرح فكرة أن الولايات المتحدة قد تقنع إيران بالجلوس إلى طاولة المفاوضات عن طريق إزالة اعتراضها على حصول إيران على قرض متعلق بفيروس كورونا من صندوق النقد الدولي). أخرجت الولايات المتحدة حاملة الطائرات "نيميتز" من المنطقة. لم ترد إدارة بايدن على تقرير عن تورط إيران في أنشطة نووية غير معلنة أو على هجمات الميليشيات المدعومة من إيران في العراق. وعندما ألقى بايدن أول خطاب رئيسي له في السياسة الخارجية منذ توليه منصبه، "تعهد بمواجهة انتهاكات حقوق الإنسان والاستبداد والتعصب في الصين وروسيا وميانمار وأماكن أخرى أثناء السعي للتعاون مع المنافسين حيثما أمكن ذلك". وأفلتت إيران من القائمة. وأعلنت إدارة بايدن أنها تراجع صفقات الأسلحة مع الإمارات العربية المتحدة، والإمارات متحالفة مع خصوم إيران. كل من هذه التحركات مدفوعة بأسباب معقدة، ومع ذلك، فمن المرجح أن تقرأ إيران ذلك بأن إدارة بايدن حريصة جداً على تجنّب المواجهة، وبالتالي تقديم بعض التنازلات وبالتأكيد أنها حريصة جداً على التحدث معها.
وتحضيراً للجمهور لما سيأتي، قال وزير الخارجية الأميركي الجديد، أنتوني بلينكين، "إن إيران خارجة عن الامتثال على عدد من الجبهات. وسيستغرق الأمر بعض الوقت، في حالة اتخاذ قرار بالقيام بذلك، حتى تعود إلى الامتثال والوقت لنا بعد ذلك لتقييم ما إذا كانت تفي بالتزاماتها".
إن التزام إدارة بايدن بالتنسيق مع الاتحاد الأوروبي وروسيا سيؤدي أيضاً إلى إبطاء الأمور وتعديل الموقف الأميركي، لأن هذه الأطراف حريصة على التعامل مع إيران وليست حريصة على مواجهتها. وقد عبّر فريد زكريا عن ذلك ببساطة، معتبراً أن موقف إدارة بايدن بأن إيران يجب أن تعود إلى الامتثال لاتفاقيات خطة العمل الشاملة المشتركة قبل أن تتمكن الولايات المتحدة من الانضمام إلى الاتفاق هو "تكتيك إلى حد كبير لتجنّب مواجهة المشكلة".
وأضاف الكاتب أن إيران شاهدت ما حدث لليبيا بعد أن تخلت عن برنامجها الوليد لتطوير أسلحة الدمار الشامل، وكذلك ما حدث لأوكرانيا بعد أن تخلّت عن أسلحتها النووية وغزوها من قبل روسيا، ولا يقارن أي منهما بشكل إيجابي بالمعاملة التي تلقتها كوريا الشمالية على المسرح العالمي. وزعم أنه لا عجب في أن إيران تسعى إلى تطوير أسلحة نووية لكن من دون المخاطرة باندلاع حرب.
وقال الكاتب إن إيران حريصة على رفع العقوبات، ويمكن أن تأمل أن بعض الوعود التي قد تقدمها خلال المفاوضات ستجعل إدارة بايدن تخفف بعض العقوبات التي تضر باقتصادها. وقبل كل شيء، إن إيران حريصة على التفاوض من أجل كسب الوقت. ويعتقد البعض أن إيران على مسافة أشهر فقط من القدرة على صنع قنبلة نووية (على الرغم من أن تقريراً استخباراتياً إسرائيلياً حديثاً يقول إن الأمر سيستغرق عامين). ولا أحد يستطيع أن يؤكد مثل هذه التنبؤات. ومع ذلك، مهما كان الجدول الزمني، بالنسبة لإيران، فإن أي شهر يمر أثناء "التفاوض" يسمح لها بالاقتراب من تطوير الأسلحة النووية. لقد أثبتت إيران بالفعل أن لديها أنظمة توصيل موثوقة للغاية. في أيلول / سبتمبر 2019، أصابت طائراتها بدون طيار وصواريخها معدات محددة وقيمة للغاية وخزانات تخزين في بقيق وخريص، وهما موقعان مهمان لمعالجة البترول وحقول النفط في المملكة العربية السعودية. كما أن إيران حرة في تطوير صواريخها بحيث تكون قادرة على حمل أسلحة نووية لأن الصواريخ غير مشمولة بخطة العمل الشاملة المشتركة وهي ليست على جدول أعمال المفاوضات المقبلة.
وختم الكاتب بالقول إن التنبؤات عمل محفوف بالمخاطر. فكم عدد الأشخاص الذين توقعوا فوز ترامب في انتخابات 2016؟ ومع ذلك، يتوقع أن أميركا وإيران ستشهدان مفاوضات مطولة، مع العديد من التقلّبات، لكنها لن تحل المشكلة. فكلا البلدين، كل لأسبابه الخاصة، لديه مصلحة قوية في المحادثات، أحدهما للتستر على تقاعسه والآخر للتستر على فعله.
*أميتاي إتزيوني أستاذ للشؤون الدولية في جامعة جورج واشنطن.
ترجمة بتصرف: هيثم مزاحم