"فورين أفيرز: هل يمكن لأميركا أن تقود العالم مجدداً
إن العودة إلى الوضع الراهن قبل تولي دونالد ترامب الرئاسة الأميركية غير ممكن. لقد تغير العالم كثيراً وكذلك الولايات المتحدة.
كتب جوناثان كريشر في مقالة في مجلة "فورين أفيرز" الأميركية ضمن ملف في المجلة بعنوان "تراجع وسقوط"، يقول إنه في المحاضرة الأولى في أي مقدمة لفصل العلاقات الدولية، يتم تحذير الطلاب عادة من العواقب القاسية للفوضى. يُعلّمون أن السياسة العالمية هي نظام مساعدة ذاتية: في غياب سلطة عالمية لفرض القواعد، لا توجد ضمانات بأن سلوك الآخرين، وهو في بعض الأحيان خطر وحاقد، سيتم تقييده. مع بقائها على المحك، يجب على الدول توقع الأسوأ في العالم والتخطيط والتصرف وفقاً لذلك.
وأضاف الكاتب أن مستقبل نفوذ الولايات المتحدة في أوروبا وآسيا وفي كل مكان آخر يعتمد إلى حد كبير على ما تقول الولايات المتحدة إنها ستفعله وما إذا كانت ستتبعه بإجراءات متسقة. وأوضح أن الرئيس الأميركي جو بايدن قادر على المضي قدماً، لكن في عالم فوضوي سيعتمد نفوذ الولايات المتحدة على شيء آخر على الأقل بنفس القدر: كيف تقيس الدول الأخرى الهدف الأميركي طويل المدى؟ فمن خلال ما انتجته رئاسة دونالد ترامب ولفت الانتباه إلى الاختلالات الداخلية الأساسية التي سمحت بحدوث تطور لم يكن من الممكن تصوره في السابق، يُنظر إلى الولايات المتحدة الآن بشكل مختلف تماماً عما كان عليه في السابق. وستستمر هذه التصورات الجديدة لبعض الوقت.
ورأى الكاتب أنه لو انتخب ترامب لولاية ثانية لكانت إدارته ستلحق ضرراً لا يمكن إصلاحه في الولايات المتحدة باعتبارها جهة فاعلة في السياسة العالمية. ولكن حتى مع هزيمته لا يمكن لبقية العالم تجاهل الندوب العميقة والمشوّهة للبلاد والتي لن يكون سهلاً الشفاء منها قريباً.
وكتبت جيسيكا مايتوس مقالة في المجلة نفسها ضمن المحور نفسه قالت فيها إنه لسنوات، صوّر جو بايدن رئاسة دونالد ترامب على أنها انحراف يمكن للولايات المتحدة أن تتعافى منه بسرعة. وخلال الحملة الرئاسية الأميركية لعام 2020، أكد بايدن أنه في ظل قيادته، ستعود الولايات المتحدة إلى رأس الطاولة. لكن العودة إلى الوضع الراهن قبل ترامب غير ممكن. لقد تغير العالم - والولايات المتحدة - كثيراً.
وأضافت الكاتبة أنه على الرغم من أن الترحيب بعودة الهيمنة الأميركية قد يبدو مريحاً للأميركيين، إلا أنه يكشف عن درجة من الصمم فيما يبدو بالنسبة لبقية العالم. وعندما ينظر الناس في مكان آخر إلى سجل واشنطن الحافل على مدى العقدين الماضيين، فإنهم لا يرون قيادة واثقة. وبدلاً من ذلك، فإن ما يرونه هو سلسلة من الكوارث التي سببتها واشنطن، وعلى رأسها غزو العراق عام 2003 وما تلاه من زعزعة استقرار في جزء كبير من الشرق الأوسط ومن ثم الأزمة المالية العالمية عام 2008.
وقالت الكاتبة إنه أكثر بكثير من أي فترة رئاسية نموذجية، ستكرّس السياسة الخارجية خلال عهد بايدن إلغاء جبل من أخطاء سلفه ما يستهلك ليس فقط الوقت والجهد الدبلوماسيين ولكن أيضاً رأس المال السياسي. وسيعتمد قدر كبير مما يمكن إنجازه على ما إذا كان خلفاء ترامب المحتملون في مجلس الشيوخ سيعودون إلى سياسات "أميركا أولاً" كقوة دفع رئيسية لمواقفهم العامة.
وأضافت: على الرغم من أن آراء الخبراء المختلفة حول السياسة الخارجية لا تتوافق تمامًا مع الاختلافات بين الحزبين السياسيين، إلا أن الاستقطاب العميق في البلاد والتمثيل الحزبي في الكونغرس يعني أن كل تحوّل في السياسة تقريباً سيكون معركة سياسية. في غضون ذلك، فإن الرأي العام منقسم. في عام 2016 طلب فيها مركز بيو للأبحاث من الأميركيين وصف الدور العالمي لبلدهم "فيما يتعلق بحل مشاكل العالم" فأجاب 41 في المئة من المشاركين أن الولايات المتحدة فعلت "أكثر من اللازم" وقال 27 في المئة إنها فعلت "القليل جداً"، وقال 28 في المئة إن الولايات المتحدة قامت بدورها على نحو مناسب.
وتابعت الكاتبة: قبل عقود كان الدبلوماسي الأميركي هارلان كليفلاند مولعًا بمقولة إن ما تحتاجه واشنطن هو "التفكير بمرحلة ما بعد الحرب من دون حرب". هذه المقولة لا تزال صالحة - ولكنها غير مرجحة في البيئة الحالية.
وخلصت إلى أن ادارة بايدن ستحاول جاهدة إحراز تقدم في القضايا الرئيسية على الرغم من أنها قد تبالغ في محاولة تعزيز الديمقراطية. ولكن إذا تمكنت من تطوير علاقة سليمة استراتيجياً مع الصين وإعادة تأكيد نفسها في العلاقات مع روسيا واتباع سياسات اقتصادية ترى النمو الاقتصادي الدولي مكسباً للجميع وليس منافسة محصلتها صفر، واستعادة ثقة الحلفاء والأصدقاء، سيكون قد فعلت أكثر مما هو كافٍ لكي تجعلنا نفخر بها حتى في ظل غياب اجماع جديد في السياسة الخارجية.
ترجمة: الميادين نت