"ميدل إيست آي": لماذا تنضم "إسرائيل" إلى القيادة المركزية الأميركية
إن انضمام "إسرائيل" إلى القيادة المركزية الأميركية سيزيد من إلحاق الضرر بالقضية الفلسطينية وسيدق إسفيناً بين الدول العربية ويزيد من حدة التوتر مع إيران.
كتب جوناثان كوك مقالة في موقع "ميدل إيست آي" البريطاني قال فيه إن البنتاغون أعلن الشهر الماضي عن إعادة تنظيم كبيرة لإدخال "إسرائيل" - لأول مرة - داخل قيادتها العسكرية في الشرق الأوسط، القيادة المركزية الأميركية Centcom، إلى جانب الدول العربية، وهذا القرار الخطير لم يحدث أي من الضجة المعتادة.
وأضاف: حتى الآن، تنتمي "إسرائيل" إلى القيادة الأوروبية للجيش الأميركي، أو Eucom، بدلاً من القيادة في الشرق الأوسط، المعروفة باسم القيادة المركزيةCentcom . لقد تخلص القرار بشكل فعال من الحكمة التقليدية القائلة بأن إدراج "إسرائيل" في القيادة المركزية الأميركية من شأنه أن يزيد الاحتكاك بين الولايات المتحدة والدول العربية، وسيجعل الأخيرة أكثر إحجاماً عن مشاركة المعلومات الاستخباراتية أو التعاون مع البنتاغون. فقد تم الشعور بهذه المخاوف بشكل خاص عندما كان للولايات المتحدة أعداد كبيرة من القوات في العراق وأفغانستان. في عام 2010، أعرب الجنرال ديفيد بتريوس، قائد القيادة المركزية الأميركية آنذاك، عن مخاوفه من احتمال دفع ثمن التواطؤ العسكري الصريح مع "إسرائيل" على القوات الأميركية المتمركزة في المنطقة.
لكن هدف "إسرائيل" الطويل الأمد كان إجبار البنتاغون على إعادة هيكلة القيادة المركزية، وقد تصاعد الضغط من جماعات الضغط المؤيدة لـ"إسرائيل" في واشنطن في الأشهر الأخيرة من إدارة الرئيس دونالد ترامب. وكان القرار يشبه إلى حد كبير "هدية وداع" لـ"إسرائيل" من ترامب أثناء تنحيه.
تطبيع عسكري
وأوضح الكاتب أنه لم يتم الانتقال الرسمي لـ"إسرائيل" إلى "سنتكوم" Centcom بعد، ولكن تم تعزيز هذه الخطوة مع أول زيارة الشهر الماضي إلى "إسرائيل" من قبل الجنرال كينيث ماكنزي، الرئيس الحالي للقيادة المركزية، منذ دخول الرئيس جو بايدن البيت الأبيض. إلى جانب رئيس أركان الجيش الإسرائيلي، أفيف كوخافي، زرع ماكنزي شجرة، رسمياً بمناسبة العيد اليهودي لتو بيشفات، لكنها تمثل رمزياً حقبة جديدة في شراكتهما الاستراتيجية.
وبعد اجتماع مع الجنرال الأميركي، أصدر بيني غانتس، وزير الأمن الإسرائيلي، بياناً أشاد فيه بإعادة تنظيم البنتاغون، قائلاً إنه "سيوفر لإسرائيل فرصة لتعميق التعاون مع شركاء إقليميين جدد وتوسيع آفاق العمل".
وقال الكاتب إن قرار إدخال "إسرائيل" داخل القيادة العسكرية الأميركية في الشرق الأوسط - من وجهة نظر واشنطن – يعتبر تتويجاً لجهود دفع الدول العربية إلى "التطبيع" العلني مع "إسرائيل". وأضاف: يمكن الآن إضافة التطبيع العسكري إلى التطبيع السياسي والدبلوماسي والاقتصادي الذي بدأ رسمياً في أيلول / سبتمبر الماضي عندما وقعت دولتان خليجيتان، الإمارات العربية المتحدة والبحرين، ما يسمى بـ"اتفاقات إبراهيم" مع "إسرائيل". كما أعلن المغرب والسودان عن اتفاقيات السلام الخاصة بهما مع "إسرائيل"، ومن المرجح أن تحذو دول عربية أخرى حذوها بمجرد انتهاء الغبار مع إدارة بايدن.
وتابع كوك: منذ توقيع اتفاقات إبراهيم، أقامت الإمارات علاقات تجارية قوية مع "إسرائيل" وساعدت في إنشاء صندوق إبراهيم، المصمم لتمويل البنية التحتية للاحتلال الذي استخدمته "إسرائيل" لحرمان الفلسطينيين من إقامة دولة. وعندما تم إطلاق الرحلات إلى دبي في تشرين الثاني / نوفمبر، تدفق السياح الإسرائيليون على الإمارات للاستفادة من العلاقات الودية الجديدة والهروب من قيود الإغلاق في الوطن. ويُقال على نطاق واسع إن مثل هذه الزيارات أصبحت إحدى الطرق الرئيسية التي استوردت بها "إسرائيل" أنواعًا جديدة من فيروس كوفيد -19 الشهر الماضي، إذ أغلقت "إسرائيل" حدودها فعلياً - باستثناء استقبال الجنرال ماكنزي - لإبقاء الفيروس تحت السيطرة.
ورأى الكاتب أنه في ظاهر الأمر، فإن رغبة "إسرائيل" في الانتقال إلى Centcom "سنتكوم ، وهو نوع من حلف شمال الأطلسي في الشرق الأوسط يغطي العديد من الدول العربية التي لا تزال "إسرائيل" لديها علاقات عدائية معها، تبدو غير بديهية. لكن في الواقع، ستحقق "إسرائيل" مكاسب إستراتيجية كبيرة. وستعمل على مواءمة المصالح الأمنية الأميركية في المنطقة بشكل أوثق مع مصالح "إسرائيل"، على حساب جيرانها العرب. وسوف تساعد جهود "إسرائيل" المستمرة لسحق الطموحات الوطنية للفلسطينيين، مع تعاون العديد من الدول العربية سواء بشكل واضح أو ضمني. وسيزيد من حدة التوترات السياسية داخل كتلة الدول العربية، ويزيد من إضعافها. وسيساعد على زيادة الضغط على الدول العربية المتمردة للانضمام إلى إجماع أوسع ضد العدو الإقليمي الوحيد المتبقي لـ"إسرائيل": إيران.
وقال الكاتب "إن من الأهمية بمكان أن قلق واشنطن الطويل الأمد بشأن الوجود الإسرائيلي في القيادة المركزية الأميركية الذي يضر بعلاقات الولايات المتحدة مع الدول العربية قد تبخر على ما يبدو. فذات مرة، كانت الولايات المتحدة حريصة على إبعاد نفسها عن "إسرائيل" كلما غرق البنتاغون بعمق في المنطقة، سواء كانت حرب الخليج الأميركية عام 1990 أو غزو العراق واحتلاله عام 2003. هذه الحسابات لم تعد موجودة. فقد أظهرت هذه الخطوة ثقة الولايات المتحدة المتزايدة في أن الدول العربية - على الأقل تلك التي تهم واشنطن - غير منزعجة من أن يُنظر إليها على أنها تقدم تسوية عسكرية مع "إسرائيل"، بالإضافة إلى المشاركة السياسية والاقتصادية. إنه يؤكد حقيقة أن دول الخليج الغنية بالنفط، إلى جانب "إسرائيل"، أصبحت الآن المحركين الرئيسيين للسياسة الخارجية الأميركية في المنطقة، وتشير إلى أن أهمها، المملكة العربية السعودية، تنتظر اللحظة المناسبة لتوقيع اتفاقها الخاص مع إسرائيل".
وأضاف: من المتوقع أن تستمر "إسرائيل" في إجراء التدريبات العسكرية في أوروبا مع دول حلف الأطلسي (الناتو)، لكنها ستتمكن قريباً من بناء علاقات مباشرة مماثلة مع الجيوش العربية، وخاصة تلك التي يتم توسيعها بسرعة واحترافها في الخليج باستخدام ثروتها النفطية. ومن المحتمل أن يخرج الضباط الإسرائيليون قريباً من الظل ويقومون بتدريب الجيوش الإماراتية والسعودية وتقديم المشورة لهم كجزء من أدوارهم المشتركة في القيادة المركزية. إن خبرة "إسرائيل" الخاصة، التي تعتمد على عقود من المراقبة والسيطرة والقمع للفلسطينيين، ستكون مطلوبة بشدة في دول الخليج التي تخشى المعارضة الداخلية أو الانتفاضات.
وكما أشار الباحث الإسرائيلي جيف هالبر، أظهرت "إسرائيل" مدى فعاليتها في ترجمة علاقاتها العسكرية والأمنية مع الجيوش وقوات الشرطة في جميع أنحاء العالم إلى دعم دبلوماسي في الهيئات الدولية. ومن غير المحتمل أن يكون الشرق الأوسط مختلفاً. فبمجرد أن تصبح "إسرائيل" العمود الفقري للجيوش الأكثر احترافاً في المنطقة، يمكن توقع أن تتخلى تلك الدول التي تعتمد على مساعدتها عن القضية الفلسطينية.
فرّق تسد
ورأى الكاتب أن المكاسب الأخرى لـ"إسرائيل" ستكون تعقيد علاقات واشنطن مع المنطقة العربية. إذ لا تقوم القيادة المركزية الأميركية بتشغيل قواعد رئيسية في الخليج فقط، وخاصة في البحرين وقطر، ولكنها تقود "الحرب على الإرهاب" المعلنة، مع عمليات علنية أو سرية في العديد من الدول العربية، بما في ذلك العراق وسوريا. وسيكون من الصعب على الولايات المتحدة أن تنأى بنفسها عن عمليات "إسرائيل" العدائية العلنية، بما في ذلك الضربات الجوية، في كلا البلدين (سوريا والعراق)، والتي تتم في انتهاك صارخ للقانون الدولي.
وأضاف: تصاعدت التوترات بين الولايات المتحدة وبغداد في الماضي بسبب الضربات الجوية الإسرائيلية في العراق، مع تهديدات بتقييد وصول الولايات المتحدة إلى المجال الجوي العراقي. لكن بوجود "إسرائيل" داخل القيادة المركزية الأميركية، فمن المرجح أيضاً أن تكون الولايات المتحدة والدول العربية المفضلة لديها أكثر تورطًا بشكل مباشر في العمليات العسكرية الإسرائيلية الكبرى ضد الفلسطينيين، مثل "الحروب" المتكررة على غزة. سيشكل هذا تحدياً كبيراً للمؤسسات التعاونية في المنطقة مثل جامعة الدول العربية. ويكاد يكون من المؤكد دق إسفين أعمق بين الدول العربية الموالية لواشنطن وتلك المتهمة بالوقوف في الجانب الخطأ من "الحرب على الإرهاب".
وخلص الكاتب إلى أنه يمكن أن تكون النتيجة سياسة "فرق تسد" الإقليمية التي ترعاها "إسرائيل" والتي تعكس الانقسامات التي دامت عقوداً، والتي عطلتها "إسرائيل" في القيادة الفلسطينية، والتي تجلّت أكثر في الانقسام بين حركتي فتح وحماس.
الجبهة المناهضة لإيران
وأوضح الكاتب أن المكافأة الأكبر لـ"إسرائيل" ستكون تحالفاً أكثر رسمية مع الدول العربية ضد إيران ورعاية دول أكثر تردداً في فلك "إسرائيل". ويبدو أن هذا الأمر كان الغرض من المصالحة التي تم الإعلان عنها أخيراً بين الإمارات والسعوديين من جهة وقطر من جهة أخرى، والتي تحققت في الأيام الأخيرة لإدارة ترامب. فمن الأسباب الرئيسية للحصار المطول على قطر إصرارها على الحفاظ على العلاقات السياسية والاقتصادية مع طهران. وتهدف "إسرائيل" إلى إجبار إدارة بايدن على مواصلة سياسة ترامب العدائية المناهضة لإيران، والتي تضمنت عقوبات صارمة واغتيالات وتمزيق الاتفاق النووي لعام 2015 مع طهران الذي وقعه الرئيس باراك أوباما. وقد سمح هذا الاتفاق للمفتشين بالدخول إلى إيران للتأكد من أنها لم تطور قنبلة نووية قد تكسر النفوذ الاستراتيجي الذي تكسبه "إسرائيل" من ترسانتها النووية.
وتابع الكاتب: داخل القيادة المركزية -سنتكوم، ستكون "إسرائيل" قادرة على العمل بشكل أوثق مع حلفاء الخليج لتخريب أي جهود داخل واشنطن لإحياء الاتفاق النووي مع طهران. فقد أصدر كوخافي، رئيس أركان الجيش الإسرائيلي، توبيخاً علنياً غير مسبوق لبايدن بشأن التصريحات الأخيرة التي قال فيها إنه يرغب في إحياء الاتفاق النووي. ووصف كوخافي الاتفاق بأنه "سيء وخاطئ استراتيجياً وعملياً"، وادعى أن إيران ستطلق صواريخ نووية على "إسرائيل" بمجرد امتلاكها، وأعلن أن هجوم "إسرائيل" بمفردها "يجب أن يكون على الطاولة".
وأشار وزير خارجية البحرين، عبد اللطيف الزياني، إلى أن "إسرائيل" ودول الخليج ستكون لها فرصة أفضل لمنع أي تسوية أميركية تجاه إيران إذا تحدثت "بصوت موحد". وأضاف: "الموقف الإقليمي المشترك بشأن هذه القضايا سيكون له تأثير أكبر على الولايات المتحدة". وكرر هذا الرأي أنور قرقاش وزير الخارجية الإماراتي.
وفي إشارة إلى كيف تخشى إدارة بايدن بالفعل الدخول في تحالف شرق أوسطي واسع ضد إيران، قال انتوني بلينكين، وزيرة الخارجية الأميركي، الشهر الماضي إنه من "المهم للغاية" التشاور مع "إسرائيل" والخليج قبل العودة إلى الاتفاق النووي.
رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، اليائس لتعزيز ثرواته الانتخابية وصرف الانتباه عن محاكمته التي تلوح في الأفق بالفساد، لديه كل الحافز لفتح هذه الفجوة، وذلك لضمان أن تظل إيران البعبع الأول في الشرق الأوسط - محور العداء الغربي - في المصالح المشتركة لـ"إسرائيل"، التي لا تنوي إنهاء عوائقها المستمرة منذ عقود للدولة الفلسطينية، ودول الخليج التي لا تنوي إنهاء انتهاكات حقوق الإنسان وتعزيز الانقسام الإسلامي.
مايك بومبيو، وزير خارجية ترامب، زرع لغماً أرضياً الشهر الماضي مصمماً لخدمة المصالح الإسرائيلية والسعودية من خلال تسليط الضوء على حقيقة أن عدداً من قادة تنظيم القاعدة وجدوا ملاذاً في إيران. وردد ذلك صدى ادعاء إدارة الرئيس جورج بوش الإبن – الوهمي تماماً - بوجود روابط بين "القاعدة" وصدام حسين كذريعة، إلى جانب أسلحة دمار شامل التي لم تكن موجودة، لغزو العراق واحتلاله عام 2003.
وختم كوك تحليله بالقول إنه "مع وصول إسرائيل إلى القيادة المركزية، فإن الضغط لتكرار هذا الخطأ الكارثي يمكن أن ينمو فقط، وتنمو معه احتمالات تجدد الحرب في الشرق الأوسط".
ترجمة بتصرف: هيثم مزاحم