وثائق بريطانية تكشف أن كيسنجر فكر باستخدام القوة ضد السعوديين عام 1973

أظهرت الوثائق البريطانية التي كشف عنها أخيراً أن حكومة المملكة المتحدة تعتقد أن واشنطن وضعت خططاً من بينها "الإطاحة بأنظمة قائمة" رداً على حظر النفط عام 1973.

  • الملك السعودي فيصل وهنري كيسنجر في الرياض عام 1973.
    الملك السعودي فيصل وهنري كيسنجر في الرياض عام 1973.

كشف موقع "ميدل إيست آي" البريطاني أن الحكومة البريطانية حاولت يائسة إصلاح العلاقات مع الولايات المتحدة بعد تدهور العلاقات بين الحليفين المقربين خلال الحرب العربية الإسرائيلية عام 1973. 

وكشفت وقائق سرية بريطانية صدرت يوم الأربعاء الماضي أن الولايات المتحدة وضعت خطط طوارئ لاستخدام القوة في الشرق الأوسط "إما بشكل مباشر أو عن طريق الإطاحة بالأنظمة القائمة".

وتوترت العلاقات بين لندن وواشنطن بالفعل بعد أن استاء هنري كيسنجر، مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي ريتشارد نيكسون، بشدة من رئيس الوزراء البريطاني إدوارد هيث، الذي فضل استشارة زملاء بريطانيا، الأعضاء في المجموعة الاقتصادية الأوروبية (EEC) بشأن السياسة الأمنية بدلاً من استشارة الولايات المتحدة الأميركية.

وفي خطوة غير مسبوقة، أمر كيسنجر بمنع تعاون الاستخبارات الأميركية مع نظرائه البريطانيين - وهو أمر تم تجاهله إلى حد كبير من قبل وكالة الاستخبارات المركزية ووكالة الأمن القومي الأميركيتين - بعد انضمام المملكة المتحدة إلى المجموعة الاقتصادية الأوروبية، وهي الهيئة الاقتصادية التي سبقت الاتحاد الأوروبي، في 1 كانون الثاني / يناير 1973.

وقال الموقع إن العلاقات بين لندن وواشنطن دخلت في أزمة أسوأ عندما تبنت حكومة هيث سياسة الحياد خلال الحرب العربية الإسرائيلية وحتى منعت لندن الولايات المتحدة من استخدام قاعدة بريطانية في قبرص لرحلات التجسس الأميركية فوق الشرق الأوسط.

ووصف المؤرخ ريتشارد ألدريتش هجوم 1973 على "إسرائيل" من قبل تحالف من الدول العربية بقيادة مصر وسوريا بأنه جاء في مرتبة إلى جانب الهجوم الياباني على بيرل هاربور وغزو ألمانيا النازية للاتحاد السوفياتي في عام 1941، بأنه "واحد من أكثر الهجمات المفاجئة غير العادية في كل العصور".

وعلى الرغم من اختلاف وجهات النظر حول الصراع بين الحلفاء الغربيين، استخدم منتجو النفط العرب النفط كسلاح سياسي من خلال الاتفاق من خلال منظمة أوبك، كارتل المنتجين، على تقييد صادراتهم وإثارة أزمة طاقة في جميع أنحاء أوروبا.

وتكشف الملفات التي نشرت الأربعاء كيف كان يتحاور كيسنجر وكبار المسؤولين البريطانيين قبل الحرب. وحذرهم كيسنجر بأنه "كانت هناك مخاطر في أي تسوية للنزاع العربي / الإسرائيلي - قد تؤدي فقط إلى الإطاحة بالحكومات العربية القائمة واستبدالها بأنظمة أكثر راديكالية".

وفي أيار / مايو 1973، أشار أنتوني بارسونز، أحد كبار الدبلوماسيين البريطانيين، إلى أن "ما كان يقلقه [كيسنجر] هو أن الرئيس السادات [رئيس مصر] بدا وكأنه يتوهم أنه يمكن أن يبدأ حرباً صغيرة ومحدودة وأن يفلت من العقاب. والحقيقة أن السقف سيسقط عليه إذا أطلق رصاصة على الإسرائيليين". كان تحذير كيسنجر صائباً.

وبعد انتهاء الحرب في 25 تشرين الأول / أكتوبر 1973، رفعت بريطانيا الحظر وسمحت للولايات المتحدة بوضع طائرات تجسس من طراز "يو2" U2 في قبرص لمراقبة وقف إطلاق النار - ولكن فقط بعد التشاور مسبقاً مع السادات والرئيس القبرصي، رئيس الأساقفة مكاريوس.

ومع ذلك، تكشف الوثائق، أن العلاقات بين الولايات المتحدة وبريطانيا لم تتعاف تماماً، وفي محاولة لإصلاحها، أرسل رئيس الوزراء البريطاني هيث أحد وزرائه السير جون هانت، أكبر موظف حكومي مدني، في مهمة سرية إلى واشنطن للقاء كيسنجر في كانون الثاني / يناير 1974. وقد سجّل هانت وجهات نظر كيسنجر في مذكرة طويلة.

وأشار كينسجر، مستشار الأمن القومي الأميركي أنذاك، إلى أنه يعتقد أن "تسوية الصراع في الشرق الأوسط يجب ألا تكون مرتبطة بقضية أسعار النفط". وقال "إن الولايات المتحدة إلى سوف تسعى مثل هذه التسوية بشكل مستقل عن مشاكل النفط. وإلا كان هناك خطر من استمرار العرب في تصعيد مطالبهم".

وبحسب مذكرة هانت، اقترح كيسنجر أن "كارتل المستهلكين [النفطيين] كان أحد الاحتمالات؛ لكنها ستعطي زخماً إضافياً لكارتلات المنتجين".

 

وورد في مذكرة هانت أن كيسنجر أكد على ما يلي: "كان الأهم من ذلك إقناع السعوديين والإيرانيين بأنهم لا يستطيعون التعامل مع أسعار النفط على أنها قضية اقتصادية بحتة، منفصلة تماماً عن العلاقات السياسية. فإذا أوضحت الولايات المتحدة أن الدعم السياسي لكلا النظامين قد يضعف، فسيضطرون إلى النظر بجدية في التداعيات السياسية لسياساتهم النفطية".

وأضاف كيسنجر: "من الناحية النظرية، لا يمكن استبعاد القوة في الملاذ الأخير. لكن ليس لدى الولايات المتحدة أي خطط لذلك" [هذه العبارة الأخيرة شطبها هانت واستبدلها بعبارة "لا نية لاستخدام القوة"].

وأضاف هانت أن "شعوره" كان "أن تصريحات [وزير الدفاع الأميركي جيمس] شليزنجر حول الإجراءات المضادة المحتملة كانت مثمرة".

وفي مذكرة منفصلة، قال هانت لروبرت أرمسترونغ، السكرتير الخاص الرئيسي لهيث، في الشهر نفسه – كانون الثاني / يناير 1974 - أن المملكة العربية السعودية كانت "حالة كلاسيكية" للسيطرة وأشار إلى أن الملك فيصل كان "الأصعب فيما يتعلق باستخدام سلاح النفط".

وأضاف هانت: "لفتت انتباه رئيس الوزراء أخيراً إلى تقارير استخباراتية تقول إن الأميركيين لديهم خطط طوارئ لاستخدام القوة في الشرق الأوسط، إما بشكل مباشر أو بإسقاط أنظمة قائمة. لا يتبع ذلك بالطبع أنهم سيضعون هذه الخطط موضع التنفيذ عندما يظهر أن الدبلوماسية لم تصل إلى أي مكان".

وقال الموقع إن العديد من المذكرات الفردية مفقودة من الملفات، والتي أزالها المسؤولون البريطانيون لحماية الحكومة من الإحراج.

ترجمة بتصرف: الميادين نت