"فورين بوليسي": كيف ننهي العلاقة الخاصة مع "إسرائيل"؟

ماتت عملية السلام لأسباب طبيعية. ويجب على تحالف واشنطن الاستثنائي مع "إسرائيل" أن يموت أيضاً.

  • "فورين بوليسي": كيف ننهي العلاقة الخاصة مع "إسرائيل"؟
    نتنياهو وترامب وضعا خطة تسوية يريدان فرضها بالقوة على الفلسطينيين.

كتب ستيفن كوك، الباحث البارز في شؤون الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في مجلس العلاقات الخارجية، مقالة في مجلة "فورين بوليسي" الأميركية بعنوان "كيف ننهي العلاقة الخاصة مع إسرائيل؟". 

قد تبدو مقالة كوك من عنوانها وخلاصتها أنها معادية لـ"إسرائيل" وتحض أميركا على معاقبتها بسبب عزمها على ضم أجزاء من الضفة الغربية ونسف حل الدولتين وعملية السلام المزعومة التي سوقتها الإدارات الأميركية المتعاقبة منذ أربعة عقود، وكانت تشكل الغطاء الذي يحمي التوسع الإسرائيلي والضم للأراضي العربية  المحتلة في فلسطين والجولان السوري ومزارع شبعا اللبنانية وتشريع كل ذلك بقوانين إسرائيلية واعتراف أميركي.

لكن تبدو غاية المقالة والذي يدعو كاتبها إلى ابتكار أفكار رائدة من خارج الصندوق أن تغسل الولايات المتحدة الأميركية يديها من عبء الصراع الفلسطيني الإسرائيلي بعدما أنجزت مهمتها في ازدهار حليفتها "إسرائيل" وتعزيز قوتها وضمان أمنها وتفوقها في المنطقة العربية. وقد قال الكاتب في نهاية المقال بوضوح وصراحة إن الفلسطينيين أساءوا فهم المصالح الأميركية الأساسية في الشرق الأوسط، والتي ليست معنية فعلاً بالفلسطينيين الذين وثقوا بالولايات المتحدة، رغم كل الأدلة التي تظهر ذلك. .. إن أمن "إسرائيل" ووجودها مضمونان، لكن السلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين،..، لا يزال خارج متناول أيديهم، على الأرجح بشكل دائم. ولن تضطر الولايات المتحدة على الأقل إلى تحمل التناقضات وأعباء صنع السلام..".

فبعد ضم القدس والجولان وأجزاء كبيرة من الضفة الغربية واعتراف الولايات المتحدة به، وإضعاف أعداء "إسرائيل" في المنطقة، من خلال الحروب والتمردات والانقسامات في سوريا والعراق وليبيا ومصر  واليمن والسودان، أو الحصار الاقتصادي على إيران ولبنان والفلسطينيين، لم يبقَ الكثير لتعطيه واشنطن لربيبتها "إسرائيل".

وفي ما يلي ترجمة بتصرف لنص المقالة:

إن من المؤكد أن أي شخص أمضى وقتاً في واشنطن قد سمع بالتأكيد أحد منسقي جلسات المؤتمرات يسأل: "إذا كنت تجلس بجوار الرئيس، فماذا ستكون توصيات سياستك؟". إنه سؤال صعب، خاصة لأن المحللين غالباً ما يكونون أفضل في فن النقد المدروس من تقديم مقترحات سياسية جديدة لم يتم التعامل بشأنها بالفعل في مختلف الوكالات الحكومية.

وهناك أمثلة متعددة حول كيفية المساهمة بأفكار لتغيير السياسة (للخير والشر). فقد وضع مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، على سبيل المثال لا الحصر، الأساس الفكري لقانون غولد ووتر-نيكولز لعام 1986 - وهو إصلاح مهم غيّر الطريقة التي قامت بها القوات المسلحة بعملياتها. ولكن من الصعب على المحللين من الخارج اختراق الأفكار المبتكرة، وخاصة عندما يصبحون - مثل نظرائهم البيروقراطيين - منخرطين بشدة في قضية معينة بحيث لا يرون طريقة واضحة للمضي قدماً.

الحالة النموذجية لهذه المشكلة هي الصراع الإسرائيلي الفلسطيني. يجب أن يكون واضحاً الآن أن الولايات المتحدة بحاجة إلى نهج جديد تجاه هذه القضية - نهج يعترف بأنه لا يوجد حل الدولتين أو أي حل للصراع ويتعامل مع إسرائيل كدولة طبيعية. إن كل هذه الضجة العنيفة حول هذا الصراع في واشنطن (وأوروبا) لا تخدم أي غرض بل تؤخر فقط الاعتراف بالواقع.

وتابع الكاتب: "لست متأكداً من أنني أفهم لماذا يواصل المسؤولون والمسؤولون السابقون والمحللون استثمار الكثير من الوقت في حل الصراع الإسرائيلي الفلسطيني. حتى لو افترضنا أن كلا الجانبين يريد السلام، يبقى الأمر كما يلي:

 1) لا تستطيع إسرائيل تلبية مطالب الفلسطينيين الدنيا بالسلام.

 2) لا يمكن للفلسطينيين تلبية الحد الأدنى من مطالب إسرائيل بالسلام.

 3) ليس لدى الولايات المتحدة الموارد أو الإرادة السياسية لتغيير مصالح الفلسطينيين أو "إسرائيل". فالكثير من المحللين والمسؤولين الذين يواصلون العمل من أجل حل الدولتين، مهما أعجبوا بإصرارهم، لا يمكنهم أن يفعلوا الكثير للتخلص من هذا المأزق الأساسي.

السؤال التالي هو ما إذا كان النفق المسدود مهماً جداً للولايات المتحدة. فخلال العقود السبعة الماضية، كان لواشنطن العديد من المصالح الأساسية في الشرق الأوسط هي: التدفق الحر لموارد الطاقة، والمساعدة في ضمان الأمن الإسرائيلي، وهيمنة الولايات المتحدة بحيث لا يمكن لأي دولة أو مجموعة من الدول أن تهدد هاتين المصلحتين. (كان هناك أيضاً مكافحة الإرهاب وحظر الانتشار النووي، على الرغم من أنه يمكن إثبات أنها كانت - على الأقل حتى 11 أيلول / سبتمبر 2001 - مشتقة من المصلحتين الأخريين). يعتقد صناع السياسة الأميركيون منذ فترة طويلة أن حل الدولتين هو أفضل طريقة لضمان أمن "إسرائيل"، وقد سعى الرؤساء الأميركيون من بيل كلينتون إلى باراك أوباما وصولاً إلى دونالد ترامب نفسه مراراً لتحقيق هذا الهدف. لكن الحقيقة غير المعلومة في الغالب حول المأزق القائم على حل الدولتين - وربما هي السبب وراء عدم استدعاء واشنطن للإرادة السياسية للتغلب عليه - هي أنه هذا الحل قد ساعد الولايات المتحدة على تحقيق أحد مصالحها الأساسية في المنطقة: المساعدة في ضمان الأمن الإسرائيلي.

هذا لا يشكك في صدق المسؤولين والمحللين الأميركيين عندما يجادلون بأنهم يعتقدون أن ضم "إسرائيل" لأجزاء من الضفة الغربية المحتلة سيكون سيئاً للأمن الإسرائيلي ويسيء إلى مشاعر العديد من الأميركيين. ولكن ماذا يجب أن تفعل الولايات المتحدة حيال ذلك؟ ستكون هناك جوقة من الناس الذين يريدون معاقبة "إسرائيل" وغيرهم ممن يرغبون في هز أيديهم، ولكنهم يرغبون في حماية "إسرائيل" من الاحتقار والاستمرار في العمل كالمعتاد. يبدو هذا الأخير أكثر احتمالاً من السابق، ولكن لا يبدو أن أي منهما مناسب في الوقت الراهن. إن الجمع بين نجاح "إسرائيلّ وضمها (لأجزاء من الضفة الغربية) يوفر فرصة لتغيير شروط العلاقات الثنائية بطرق تؤدي إلى فصل واشنطن عن صنع السلام.

بكل المقاييس، "إسرائيل" دولة متقدمة ذات اقتصاد مندمج بشكل جيد مع بقية العالم، وخاصة في قطاع تكنولوجيا المعلومات. نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي يعادل تقريباً نصيب الفرد في المملكة المتحدة وفرنسا. وفيما يتعلق بالأمن، تمتلك "إسرائيل" جيشاً أكثر قدرة وتعقيداً من جميع جيوش جيرانها، ولم يكن موقعها الاستراتيجي أفضل من ذلك على الإطلاق. فالعراق وسوريا في حالة فوضى، وحزب الله متورط في الصراع السوري مع انهيار لبنان حوله، والمصريون يعتمدون على "إسرائيل" لدعم عملياتهم الأمنية في شبه جزيرة سيناء. وقد حذر الأردن من عواقب الضم على العلاقات الثنائية، ولكن مع ذلك، فإن الملك عبد الله في وضع صعب بالنظر إلى أهمية "إسرائيل" بالنسبة للاستقرار الأردني.

لا تزال إيران تشكل تهديداً بالطبع، لكن الجيش الإسرائيلي أثبت قدرته على ردع الإيرانيين والقوات الحليفة لهم، وخاصة في سوريا وكذلك في العراق. وستستمر الأنشطة النووية الإيرانية في كونها تحدياً كبيراً لأمن "إسرائيل"، وسيحتاج الإسرائيليون إلى مواصلة الحذر في مواجهة هذه المشكلة بمفردهم وبالشراكة مع الدول الأخرى، وخاصة مع الولايات المتحدة.

تمتد العلاقات الدبلوماسية الإسرائيلية الآن في جميع أنحاء العالم، بما في ذلك العلاقات الجيدة مع روسيا والصين والهند. في الشرق الأوسط، بالإضافة إلى معاهدات السلام مع مصر والأردن، طور الإسرائيليون علاقات (وإن لم تكن علاقات دبلوماسية عادية) مع سلطنة عُمان، والإمارات العربية المتحدة، والمملكة العربية السعودية، حتى مع استمرارهم في جهودهم المستمرة منذ عقود لتشديد قبضتهم على الضفة الغربية. هذا انجاز رائع. بالطبع، يمكن أن ينهار الاقتصاد، ويمكن أن تتدهور البيئة الأمنية الإقليمية، ولكن حتى مع ذلك، من الصعب إثبات أن "إسرائيل" حليفة معزولة ومحاصرة.

وبالنظر إلى واقع إنجازات "إسرائيل" والضم المقبل لأراضي الضفة الغربية، يجب على المسؤولين الأميركيين إبلاغ الإسرائيليين أن الوقت قد حان لتغيير العلاقة. أمن "إسرائيل" مكفول، وقد ازدهرت الدولة، اللذين كانا دائماً هدف واشنطن. وعلى الرغم من أن "إسرائيل" والولايات المتحدة استفادتا من أكثر من 142 مليار دولار استثمرتها واشنطن فيها، إلا أنه من الصعب تقديم مبرر لاستمرار هذه المساعدات السخية. وكما فعلت الولايات المتحدة و"إسرائيل" بشأن المساعدات الاقتصادية، فقد حان الوقت لمسار متفق عليه للتخلص التدريجي من المساعدات العسكرية. هذا ليس عقاباً بل اعترافاً بأن الولايات المتحدة قد نجحت في تحقيق هدفها، وأن المساعدة ليست استحقاقاً، ولا تعتقد الولايات المتحدة أن الضم في مصلحة "إسرائيل" وبالتالي لا تريد الارتباط بها.

لا شك في أن النقاد سيجادلون بأن العقوبة الفعلية - في شكل قطع المساعدات بشكل نهائي - هي أفضل مسار للعمل. تستند وصفة السياسة هذه على فكرة أن "إسرائيل" لا تزال بحاجة إلى مساعدة عسكرية أميركية وأن قطعها سيؤدي إلى دفع الإسرائيليين إلى القعر. الدليل لا يدعم أي من هذين الاقتراحين. كما أنه يتجاهل حقيقة أنه لن يكون هناك دعم سياسي كبير لنهجهم المفضل ولن يؤدي إلا إلى معركة سياسية قبيحة. 

فعلى الأقل الاتفاق على التخلص التدريجي من المساعدة لديه فرصة لاكتساب الشعبية. المأساة في كل هذا هي التشرد الدائم للفلسطينيين، الذين لا شك سيغضبون من قيام واشنطن بغسل أيديها من الصراع، وختم مصيرهم ليعيشوا إلى الأبد تحت جزمة الجيش الإسرائيلي أو يتم دفعهم إلى بانتوستانات. سيتم تبرير غضبهم. كما أنهم أساءوا فهم المصالح الأميركية الأساسية في الشرق الأوسط، والتي ليست معنية فعلاً بالفلسطينيين الذين وثقوا بالولايات المتحدة، رغم كل الأدلة التي تظهر ذلك.

إن تطبيع العلاقات بين الولايات المتحدة و"إسرائيل" هو اعتراف بالنجاح والفشل. إن أمن "إسرائيل" ووجودها مضمونان، لكن السلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين، الذي حمله المحللون والمسؤولون على عاتق الولايات المتحدة، لا يزال خارج متناول أيديهم، على الأرجح بشكل دائم. ولن تضطر الولايات المتحدة على الأقل إلى تحمل التناقضات وأعباء صنع السلام التي رفعت بشكل غير ضروري التوقعات بأن واشنطن قادرة على تسليم الإسرائيليين أو الضغط على الفلسطينيين في خدمة الأهداف التي لم يتشارك فيها أي من الجانبين. فهذا ليس بأمر طبيعي.

ترجمة: هيثم مزاحم