الاتفاق على كوربين
أصدرت المؤسسة اليهودية في بريطانيا وأجهزة الدعاية الإسرائيلية اتفاقاً على رأس زعيم حزب العمال البريطاني جيرمي كوربين. وقد صدر هذا الاتفاق منذ زمن، وكان من الواضح أنه كلما تعززت فرص كوربين في الفوز برئاسة الحكومة كلما اشتد الصراع ضده. وقد وصل الصراع إلى ذروته أول أمس وذلك في مقال كتبه الحاخام الرئيسي لليهود في بريطانيا افرايم ميرفيس في صحيفة "التايمز". وقال ميرفيس إن مخاوف يهود بريطانيا من كوربين لها ما يبررها وإنه غير لائق ليكون رئيساً للوزراء. ودعا الحاخام اليهود إلى عدم التصويت لصالح حزب العمال في الانتخابات المقررة في 12 كانون الأول / ديسمبر القادم.
ميرفيس، المولود في جنوب إفريقيا وخريج المدرسة الدينية "هار عيتسيون"، الموجودة في مستوطنة "آلون شافوت"، هو صوت اليهود البريطانيين. وكان من المفترض أنه تعلم في كيبتاون وفي جوهانسبورغ وفي "هار عيتسيون" ما الذي يعنيه الأبرتهايد (التمييز العنصري)، ولماذا من الواجب مكافحته. لقد فعل والداه ذلك، لكن من المشكوك فيه أن يكون هو قد استخلص العبرة الأخلاقية من المناطق المحرومة التي عاش فيها في جنوب إفريقيا وفي الضفة الغربية. وعلى خلاف كوربين الفظيع فإن ميرفيس لا يرى أية غضاضة في استمرار الاحتلال، ولا يتضامن مع نضال الفلسطينيين من أجل الحرية، ولا يشعر بالشبه القائم بين جنوب إفريقيا البلد الذي ولد فيه وبين "هار عيتسيون"، التي قضى فيها صباه، وبين إسرائيل عام 2019. وهذا هو السبب الحقيقي وراء رفضه لكوربين. فيهود بريطانيا أيضاً يريدون رئيس حكومة مؤيد لإسرائيل، أي مؤيد للاحتلال. ورئيس حكومة منتقد لإسرائيل يمثل في نظرهم معاداة السامية الجديدة.
كوربين ليس معادٍ للسامية. ولم يكن في حياته كذلك. وإثمه الوحيد يتمثل في مواقفه القوية ضد الظلم في العالم، بما في ذلك الظلم الذي تتسبب به إسرائيل. اليوم هذا الأمر هو معاداة السامية. فلا فيكتور اوربان الهنغاري، ولا حزب الحرية النمساوي، ولا اليمين المتطرف في أوروبا، كلهم لا يشكلون خطراً على اليهود، فقط كوربين هو العدو. فالإستراتيجية الجديدة والمفيدة لإسرائيل والمؤسسة الصهيونية تسم كل مناصر للعدل كمعادٍ للسامية، وكل انتقاد يوجه لإسرائيل ككراهية لليهود. وكوربين هو ضحية هذه الإستراتيجية التي تهدد بشل أوروبا وبإغلاق فمها في كل ما يتعلق بإسرائيل.
ربما لا تقوم الجالية اليهودية في بريطانيا بتزييف مخاوفها هذه، لكنها بكل تأكيد تبالغ في الخطر. نعم، هناك معاداة للسامية لكنها أقل مما يجري تصويرها، وبخاصة في أوساط اليسار. نصف يهود بريطانيا يدرسون خيار الهروب إذا ما تم انتخاب كوربين. فليهربوا. والاستطلاع الذي أظهر هذه النتيجة ربما يؤدي هو بالذات إلى تشجيع معاداة السامية. فهل يهود بريطانيا هم بريطانيون بشروط؟ ولمن ولاؤهم؟
إن مستقبل أي يهودي بريطاني مضمون أكثر بكثير من مستقبل أي فلسطيني يعيش تحت الاحتلال، وحتى أكثر من كل عربي يعيش في إسرائيل. واليهود يتعرضون للاضطهاد والحرمان والعنصرية أقل من الفلسطينيين في إسرائيل العزيزة عليهم. وبالإضافة إلى ذلك فإن الإسلاموفوبيا في أوروبا منتشرة أكثر بكثير من معاداة السامية، لكن لا أحد يتحدث عنها.
لم يورد ميرفيس أدلة على معاداة السامية لدى كوربين. واكتفى بالإشارة إلى حقيقة أن كوربين قد أطلق لقب "أصدقاء" على من "قتلوا يهود" – وهو يقصد بذلك كوربين عندما تطرق إلى كل من حزب الله وحماس. إن كوربين هو حقاً أحد كبار المنتقدين للاحتلال، وداعم للمقاطعة، ويقارن الحصار المفروض على غزة بالحصار على ستالينغراد ولينينغراد. هذه مواقف مناهضة لإسرائيل، لكن ليس بالضرورة أن تشكل معاداة للسامية. ويقوم يهود بريطانيا بطمس هذا الفارق، مثل الكثير من يهود العالم، عن عمد. إذ يمكن (بل ويجب) أن تكون منتقداً شديداً لإسرائيل دون أن تكون معادٍ للسامية.
ولو كان يهود بريطانيا وحاخامهم أكثر صدقاً وشجاعة لكانوا يطرحون السؤال التالي على أنفسهم: أليست سياسة الاحتلال الوحشية التي تتبعها إسرائيل هي الدافع الأقوى لمعاداة السامية اليوم؟ هناك معاداة للسامية، ومن الواجب مكافحتها، ولكن يجب الاعتراف أيضاً أن إسرائيل توفر لها الكثير من الأعذار والمبررات.
على اليهود وعلى أصدقاء إسرائيل الحقيقيين أن يتمنوا انتخاب كوربين. فهو السياسي الذي يستطيع تغيير الخطاب الدولي تجاه الاحتلال وتجاه الكفاح ضده. وهو بصيص الأمل لعالم مختلف ولإسرائيل أخرى – وما الذي نريده أكثر من ذلك.
ترجمة: مرعي حطيني