"واشنطن بوست": منشق داخل "داعش" كشف مخبأ البغدادي
كان المخبر مساعداً موثوقاً للبغدادي وقد ساعده على التنقل بين المنازل الآمنة في منطقة إدلب.
كشفت صحيفة "واشنطن بوست" الأميركية أن قوات الكوماندوز الأميركية ركزت على المخبأ الأخير لزعيم "داعش"، أبي بكر البغدادي، بمساعدة مخبر كان في وضع جيد للغاية، وهو كان أحد عملاء تنظيم "داعش" الذي سهل تحركات الزعيم الإرهابي في جميع أنحاء سوريا وساعد في الإشراف على أعمال البناء في منزله السوري الآمن، وفقًا لما ذكره مسؤولون في الولايات المتحدة والشرق الأوسط مطلعون على العملية.
وقال المسؤولون إن معرفة الخلد التفصيلية بمكان وجود البغدادي بالإضافة إلى مخطط توزع الغرف غرفة تلو الأخرى في ملجئه أثبتت أنها كانت مهمة في غارة 26 تشرين الأول / أكتوبر الجاري التي انتهت بمقتل أكثر الإرهابيين المطلوبين في العالم.
كان المخبر حاضراً أثناء الهجوم على مجمع البغدادي في محافظة إدلب السورية، وتم تهريبه من المنطقة بعد يومين مع أسرته. ويُتوقع أن يتلقى الرجل، الذي لم يتم الكشف عن جنسيته، بعض أو كل مكافآة الولايات المتحدة البالغة 25 مليون دولار التي وضعت لرأس البغدادي، وفقاً للمسؤولين. وقال أحد المسؤولين إنه عربي سني انقلب على "داعش" لأن أحد أقاربه قُتل على أيدي الجماعة.
تم زرع منشق تنظيم "داعش" من قبل "قوات سوريا الديمقراطية"، وهي ميليشيا يهيمن عليها الكرد وأصبحت القوات البرية للحملة التي تقودها الولايات المتحدة لتدمير "الخلافة" التي أعلنتها الجماعة الإرهابية في شرق سوريا. وقال المسؤولون إن قادة "قوات سوريا الديمقراطية" سلموا العميل بعد ذلك إلى عملاء الاستخبارات الأميركية الذين قضوا أسابيع في فحصه حتى أضحوا متأكدين من أنه حقيقي.
لقد بدأت الجهود التي استمرت لمدة أشهر لاستغلال الاختراق الاستخباراتي في الصيف، ولكن فقط في الشهر الماضي، أدت نصائح المخبر إلى فرصة للعمل.
وقال أحد المسؤولين الأميركيين المطلعين على الأمر: "تم تقييمه لفترة طويلة حتى يكون الشخص الذي لديه مفتاح القفل. لقد أصبح ذلك واضحاً بشكل جاد خلال الأسبوعين الأخيرين".
وكانت صحيفة "واشنطن بوست" قد تحدثت سابقاً عن مساهمة أحد عملاء "داعش" الساخطين في كشف موقع مخبأ البغدادي. وقال قائد "قوات سوريا الديمقراطية" الجنرال مظلوم عبدي لشبكة إن بي سي الإخبارية الأميركية يوم الاثنين إن أحد مخبري منظمته ساعد في قيادة الأميركيين إلى مجمع البغدادي، وقال إن الأشياء الشخصية، بما في ذلك الملابس الداخلية، أخذت من المجمع لفحص الحمض النووي للتأكد من وجود البغدادي في المبنى. ولم يعلق البنتاغون ولا البيت الأبيض رسمياً على وجود خلد رفيع المستوى داخل الفريق المكلف بمهمة قتل البغدادي أو أسره.
وأجاب رئيس هيئة الأركان المشتركة الأميركية الجنرال مارك ميلي، بشكل غير مباشر عندما سئل الاثنين عما إذا كان شخص ما ينتمي إلى "قوات سوريا الديمقراطية" قد شارك مباشرة في الغارة. وقال "لن أعلق على ما قد حدث أو لم حدث مع قوات سوريا الديمقراطية حول الهدف. كانت الإجراءات المتعلقة بالهدف، والطائرة القادمة، والطائرة فوقها، والجنود الذين يقومون بالهجوم، عملية أميركية فقط".
تم تقديم وصف المخبر ومساهمته من قبل اثنين من المسؤولين الأميركيين الحاليين والسابقين ومسؤول مقيم في الشرق الأوسط، وكلهم مطلعون على معلومات مفصلة حول غارة السبت. تحدث الثلاثة بشرط عدم الكشف عن هويتهم لصحيفة "واشنطن بوست" لوصف ما كانت عملية استخباراتية وعسكرية بالغة السرية.
وقال أحد المسؤولين العارفين بالمخبر إن الرجل كان مسهلاً موثوقاً ومساعداً في مجال اللوجستيات وقد شارك في مساعدة البغدادي على التنقل بين المنازل الآمنة في منطقة إدلب قبل الانتقال إلى المجمع حيث لاقى حتفه. قدم المخبر، الذي تم وصفه على أنه مشارك ملتزم وحتى متحمس في المهمة، تفاصيل شخصية أساسية عن القائد الإرهابي المنعزل، بما في ذلك حقيقة أنه سافر دائماً بحزام انتحاري حتى يتمكن من قتل نفسه إذا حشر في زاوية. كان المخبر موثوقاً جداً حتى أنه في بعض الأحيان كان يرافق أفراد عائلة البغدادي للحصول على الرعاية الطبية.
وقال عدد من المسؤولين الأميركيين، تحدثوا بشرط عدم الكشف عن هويتهم لمناقشة العملية، إن مجمع البغدادي دمر من قبل أعضاء في "قوة دلتا للنخبة العسكرية" و"فوج الحارس الخامس والسبعين". وكان معهم كلاب عاملة عسكرية طاردت البغدادي وهو يحاول الهرب.
وقد شق الكوماندوز طريقهم إلى المنزل بعد تبادل لإطلاق النار ثم حاصروا البغدادي فيما بعد في نفق أسفل المبنى. وأخذ الإرهابي العراقي ثلاثة من أبنائه معه، على ما يبدو كدروع بشرية.
وفجّر البغدادي حزامه الانتحاري بعدما هاجمه أحد الكلاب العسكرية التابعة للفريق الأميركي. وقد قُتل هو وأطفاله الثلاثة ودُفنت جثثهم جزئياً تحت الأنقاض أثناء انهيار سقف النفق. كما قتلت اثنتان من زوجاته في العملية. لكن الكلاب عاشت.
وقال مسؤولون أميركيون إن المخبر تم فحصه بعناية خاصة حيث سعت وكالات الاستخبارات إلى تجنب تكرار كارثة وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية عام 2009 في خوست، أفغانستان، عندما فجّر مخبر أردني لديه معلومات واعدة عن قادة تنظيم "القاعدة" قنبلة أثناء اجتماع، مما أسفر عن مقتل سبعة أميركيين من عملاء الاستخبارات مع سائقين أردني وأفغاني.
وقال مسؤول أميركي إن المخبر انقلب على داعش" لأنه "فقد بوضوح ثقته" في التنظيم. وعلى الرغم من مساعدته، فإن خطط قتل البغدادي أو أسره قد تم إلغاؤها أو تغييرها مرات عدة مع تغيّر الوضع على الأرض.
وقال المسؤول: "لا أستطيع أن أتذكر عدد المرات التي شعرنا بها، حسناً، لقد حصلنا عليه. في الشهرين الأخيرين، شعرنا أن الأمر سينجح، لكن حتى الشهر الماضي فقط شعرنا أن هذه المرة حقيقية ".
لقد تأثر توقيت الغارة بخطر أن البغدادي على وشك التحرك. وقال المسؤول إنه كان هذا هو الخوف مما جعل المهمة إجبارية.
يقول مسؤولون أميركيون وشرق أوسطيون إن الغارة كانت تتويجاً لسنوات من العمل شارك فيه نحو ستة من الشركاء والحلفاء الأجانب. منذ عام 2015 على الأقل، تم دمج فرق كوماندوز أميركية، برفقة القوات العراقية والكردية، في المنطقة خصيصاً للبحث عن البغدادي وغيرهم من كبار قادة "داعش". حققت الفرق نجاحات متعددة، مثل مقتل رئيس دعاية تنظيم "داعش" أبو محمد العدناني في عام 2016. لكن البغدادي أثبت أنه طريد بعيد المنال بسبب حركته المتكررة ورفضه استخدام الهواتف المحمولة أو غيرها من الأجهزة القابلة للتتبع.
وقال مسؤول شرق أوسطي مطلع على تفاصيل البحث إن محور البحث قد انتقل إلى إدلب خلال فصل الصيف، حيث قامت فرق من المشغلين الأميركيين والفرنسيين ومعدات مراقبة على أعلى مستوى تجوب المنطقة بحثاً عن مكان وجود البغدادي.
وقال المسؤولون إن إدلب، وهي مقاطعة تحتلها ميليشيات متنافسة وبعيدة عن تنظيم "داعش"، بدت في البداية خياراً غير مرجح.
وقال المسؤول الأميركي: "لا أحد يستطيع الوصول إلى هناك". ووصفها بأنها مليئة بالمتطرفين الإسلاميين. بينما "الروس يسيطرون على المجال الجوي" هناك.
بمساعدة المخبر، ضيّق المسؤولون الأميركيون تركيزهم على بلدة باريشا، في شمال غرب محافظة إدلب، حيث انتقل البغدادي إلى مجمع آمن للغاية مع أنفاق. بدأ التخطيط للغارة يوم الأربعاء الماضي، مع توقع أن يتم أسر قائد التنظيم الإرهابي وهو على قيد الحياة.
حاصرت القوة المهاجمة المجمع وقامت "بالنداء"، وأبلغت شاغلي المجمع بالاستسلا، كما. روى أحد المسؤولين.
ظهر ما يقرب من عشرة أطفال مع العديد من البالغين، لكن البغدادي بقي في الداخل، وهرب مع ثلاثة من أبنائه إلى النفق حيث حُشر أخيراً وفجّر سترة الانتحار.
وقال المسؤول إن قائد قوة الهجوم اختار عدم انتشال جثث القتلى مع البغدادي الذين ما زالوا يرتدون سترات ناسفة. وقال المسؤول "كان الناس يرقدون هناك ميتين تحت كل هذه الأنقاض. علينا أن نخرجهم. لكن لديهم متفجرات حساسة مزّنرون بها. إنه أمر خطير للغاية".
وقال المسؤول إن رأس البغدادي كان سليماً على ما يبدو بعد الانفجار، وكان المنفذون الأميركيون مقتنعين بهويته حتى قبل إجراء اختبار الحمض النووي للتأكد من ذلك.
وروى واحد من فريق الكوماندوز انطباعاته. وقال: "أنظر اليه. هذا هو البغدادي. فزنا بالجائزة الكبرى".
ترجمة: هيثم مزاحم – الميادين نت