"جيروزاليم بوست": السلطة الفلسطينية تسعى لتجنّب أزمة حقيقية مع السعودية

السعوديون لا يستجيبون لطلبات السلطة الفلسطينية لترتيب زيارة لوفد منها إلى الرياض.

كتب خالد أبو طعمة في صحيفة "جيروزالم بوست" الإسرائيلية تقريراً تحدث فيه عن وجود أزمة حقيقية بين السلطة الفلسطينية والمملكة العربية السعودية. والآتي أبرز ما جاء في التقرير:

وسط تصاعد التوترات بين الفلسطينيين والمملكة العربية السعودية، تفكر السلطة الفلسطينية في إرسال وفد كبير إلى الرياض لإجراء محادثات عاجلة مع أفراد من العائلة المالكة السعودية والمسؤولين الحكوميين حول سبل تفادي المزيد من التدهور.

ويبدو أن هناك مشكلة واحدة: السعوديون لا يستجيبون للطلبات الفلسطينية لترتيب مثل هذه الزيارة.

وقال مسؤول في السلطة الفلسطينية لصحيفة جيروزاليم بوست: "نحن في خضم أزمة حقيقية مع المملكة العربية السعودية. يبدو أنهم غاضبون جداً منا."

وصلت العلاقات الفلسطينية - السعودية إلى عقبة منذ حوالى عامين، خاصة بسبب علاقات المملكة الوثيقة بإدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب والتقارب الواضح بين الرياض و"إسرائيل".

ففي تظاهرات عدة في الضفة الغربية وقطاع غزة، أحرق الفلسطينيون صوراً للملك السعودي سلمان بن عبد العزيز وولي العهد الأمير محمد بن سلمان، إلى جانب صور رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو وترامب.

وقال المسؤول الفلسطيني للصحيفة: "إننا ندرس بجدية إمكانية إرسال وفد من كبار المسؤولين الفلسطينيين إلى الرياض لمنع الأزمة من التصاعد. إننا نعتبر السعودية لاعباً رئيسياً في المنطقة، وقد ظل دعمها للشعب الفلسطيني والقضية الفلسطينية موضع تقدير كبير منا منذ فترة طويلة".

وقد بلغت الأزمة بين الجانبين ذروتها في حزيران/يونيو الماضي، عندما كانت السعودية من أوائل الدول العربية التي تؤكد مشاركتها في الورشة الاقتصادية التي نظمتها الولايات المتحدة في المنامة، عاصمة البحرين، على الرغم من النداءات الفلسطينية بمقاطعة المؤتمر.

في المؤتمر، كشفت إدارة ترامب عن الجزء الاقتصادي من خطتها للسلام في الشرق الأوسط.

واتهم المسؤولون الفلسطينيون والنشطاء السياسيون الدول العربية التي شاركت في ورشة البحرين "بطعن" الفلسطينيين في الظهر.

وقد أظهر استطلاع للرأي العام نشره المركز الفلسطيني لاستطلاع السياسات والأبحاث ومقره رام الله بعد ورشة العمل مباشرة أن 80٪ من الفلسطينيين ينظرون إلى مشاركة الدول العربية على أنها "تخلٍ" عن القضية الفلسطينية.

بالإضافة إلى ذلك، اتهم الفلسطينيون السعودية وبعض الدول العربية بالترويج للتطبيع مع "إسرائيل"، في انتهاك لقرارات ومبادرات الجامعة العربية، بما في ذلك مبادرة السلام العربية لعام 2002، التي تنص على أن العرب سوف يقيمون علاقات طبيعية مع "إسرائيل" فقط بعد انسحابها الكامل إلى خطوط ما قبل عام 1967 وإقامة دولة فلسطينية مستقلة وذات سيادة.

وقد ظهرت تقارير حول التوترات بين رام الله والرياض في أواخر عام 2017، عندما نقل عن مسؤولين فلسطينيين قولهم إن ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز آل سعود، قد هدد عباس خلال اجتماع بينهما بأنه ستتم إقالته من السلطة إذا لم يتعاون مع المملكة. وزعمت التقارير، التي لم ينكرها الفلسطينيون والسعوديون، أن ولي العهد كان يحاول الضغط على عباس للعمل مع إدارة ترامب وقبول خطة السلام المقبلة.

وفيما بعد، اشتكى مسؤول فلسطيني آخر من أن ولي العهد البالغ من العمر 33 عاماً كان "وقحاً للغاية" مع عباس أثناء لقائهما.

وقال المسؤول لصحيفة "جيروزاليم بوست": "لقد غادرنا بانطباع بأننا كنا نجلس مع سفاح غير متعلّم كان يحاول أن يملي الأمور علينا".

وفي وقت سابق من هذا العام، زعمت صحيفة "الأخبار" التابعة لحزب الله في لبنان، أن ولي العهد عرض على عباس 10 مليارات دولار لقبول اتفاق ترامب للسلام. وأفادت بأن عباس رفض العرض، قائلاً إن ذلك "سيعني نهاية حياتي السياسية".

وعلى الرغم من التوترات، حرص المسؤولون في السلطة الفلسطينية والمسؤولون السعوديون على عدم نشر غسيلهم القذر أمام الملأ. لكن هذا لم يمنع الفلسطينيين والسعوديين من المواطنين العاديين من المشاركة في حملات التشهير المتبادلة على وسائل التواصل الاجتماعي.

وقد أدى الهجوم الذي شنّه فلسطينيون يوم 23 تموز/يوليو الماذي على مدوّن سعودي خلال زيارته إلى المسجد الأقصى في الحرم القدسي الشريف إلى زيادة حدة التوتر بين رام الله والرياض. المدوّن، محمد سعود، كان جزءاً من وفد صحافي عربي دعته وزارة الخارجية الإسرائيلية لزيارة "إسرائيل"(فلسطين المحتلة).

لقد امتنعت قيادة السلطة الفلسطينية عن التعليق على الحادث، وهي خطوة فسّرها بعض الفلسطينيين والسعوديين بأنها موافقة ضمنية على الهجوم على الزائر السعودي.

واتهم الفلسطينيون المدوّن وزملاءه بالانخراط في التطبيع مع "إسرائيل وانتهاك" القرارات العربية والفلسطينية الداعية إلى مقاطعتها.

وكانت مقاطع الفيديو الخاصة بالفلسطينيين الذين يبصقون في وجه المدوّن ويرمون الكراسي البلاستيكية ويلقون الشتائم عليه مذلة لدرجة أن السعوديين الذين يعارضون التطبيع مع "إسرائيل" قد أصبحوا ضد تصرفات الفلسطينيين هذه.

فقد اتهم العديد من مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي السعوديين الفلسطينيين "بعدم الامتنان" تجاه المملكة والدول العربية الأخرى بعد عقود من المساعدات المالية لمنظمة التحرير الفلسطينية (قبل توقيع اتفاقات أوسلو عام 1993). كما اتهموا الفلسطينيين بالنفاق وزعموا أن القادة الفلسطينيين "باعوا" (فلسطين) لإسرائيل قبل سنوات عديدة. واتهم آخرون الفلسطينيين، وخاصة حركتي حماس والجهاد الإسلامي، بالتحالف مع إيران و"التآمر" ضد السعودية والعالم العربي.

وعلقت ناشطة حقوق المرأة السعودية المدوًنة سعاد الشمري: "إنهم [الفلسطينيون] يقولون إن القدس مخصصة لجميع المسلمين، لكنهم كانوا أول من يبيع القدس [لإسرائيل]. لقد خانت حماس السعودية والعرب، وهي تدعم إيران..".

وفي الأشهر القليلة الماضية، نشر العديد من السعوديين مقاطع فيديو وتعليقات على وسائل التواصل الاجتماعي تندد بأقوى العبارات الممكنة للفلسطينيين. وقد أطلق البعض على الفلسطينيين اسم "المتسولين" و"الناس الذين لا شرف لهم".

وبث روافد بن سعيد، وهو مواطن سعودي وصف نفسه بأنه شاعر ومؤلف وصحافي، فيديو على مواقع التواصل الاجتماعي حيث شن هجوماً عنيفاً على الفلسطينيين. وقال "الفلسطينيون ليسوا عرباً. إنهم جبناء ولا ضمير لهم. إنهم بقايا شعوب أخرى. اليهود أقرب إلينا. اليهود أكثر شرفاً منك".

وبعدما أعرب عن غضبه من حرق صور العاهل وولي العهد السعوديين من قبل الفلسطينيين، أشار الرجل السعودي إلى أن السلطة الفلسطينية وحماس تتهم كل منهما الأخرى بالاحتجاجات المناهضة للسعودية. وتساءل "لماذا لا يتظاهر الفلسطينيون ضد إيران وحزب الله وتركيا؟ إنهم هم الذين يدوسون الفلسطينيين. بدلاً من ذلك، يتظاهر الفلسطينيون ضد السعودية، التي كانت تساعدهم. نحن نعطي الفلسطينيين، وفي المقابل يلعنوننا".

وقد لجأ الفلسطينيون، من جانبهم، إلى وسائل التواصل الاجتماعي للتعبير عن اشمئزازهم من سياسات السعودية المؤيدة للولايات المتحدة وتقاربها المزعوم مع "إسرائيل".

وقد نشرت عشرات الفيديوهات والتعليقات التي سخرت من السعوديين وشجبت العائلة المالكة كـ"خونة" و"دمى" في أيدي الولايات المتحدة و"إسرائيل"، وملأت صفحات فيسبوك Facebook وتويتر Twitter في الأشهر القليلة الماضية.

فواحدة من المنشورات الشعبية المناهضة للسعودية: "عندما كان أعضاء آل سعود حفاة يرعون جمالهم، كانت الخليل تصنع الأحذية".

لطالما كانت صناعة الأحذية صناعة مزدهرة في الخليل.

ويظهر مقطع فيديو آخر ظهر على وسائل التواصل الاجتماعي امرأة، يُعتقد أنها فلسطينية، وهي تسحق العلم السعودي. ومما زاد الطين بلة، أن العلم مكتوب عليه الشهادة الإسلامية: "لا إله إلا الله. محمد رسول الله".

في الآونة الأخيرة، أثار مقطع فيديو آخر يضم مغنين فلسطينيين يسخرون من العائلة المالكة السعودية إدانات قوية من العديد من السعوديين. "اللعنة على السعودية، وأحرق الله دماغ [ولي العهد] بن سلمان"، غنى الفلسطينيون. كما شجبوا البحرين باعتبارها "عميلة" للولايات المتحدة.

ورداً على ذلك، أطلق المواطنون السعوديون ودول الخليج الأخرى حملة غير مسبوقة ضد الفلسطينيين بعنوان "لقد باعوا قضيتهم ولعوننا" - في إشارة إلى مزاعم العرب المستمرة منذ عقود بأن الفلسطينيين كانوا أول من يتنازل عن حقوقهم ويقدم تنازلات إلى "إسرائيل".

وفي محاولة لتخفيف التوترات بين الجانبين والابتعاد عن حملة التشهير ضد السعودية، أصدرت قيادة السلطة الفلسطينية في رام الله بياناً رفضت فيه "الأصوات النافرة" التي استهدفت السعوديين والدول العربية الأخرى. وأدان البيان الهجمات على الدول العربية وعبّر عن "تقديره" لمواقف العاهل السعودي وولي عهده في دعم الفلسطينيين.

لكن جهود السلطة الفلسطينية لإنهاء الأزمة مع السعودية لم تنجح حتى الآن. وفي نهاية الأسبوع الماضي، أجرت قناة "العربية" المملوكة للسعودية مقابلة مع فادي السلامين، الناشط السياسي الفلسطيني المقيم في الولايات المتحدة والناقد منذ فترة طويلة لعباس والقيادة الفلسطينية.

وكان قرار إجراء مقابلة مع فلسطيني وتزويده بمنصة للحديث عن الفساد والحكومة الفقيرة في السلطة الفلسطينية على الأرجح نتيجة لتعليمات من كبار أعضاء العائلة المالكة السعودية.

ويوم السبت، أدانت حركة فتح الحاكمة التي يتزعمها عباس قناة "العربية" السعودية لمقابلتها "شخصية مشكوكاً فيها" وسمحت له بمهاجمة القيادة الفلسطينية. واتهمت "فتح" في بيان، الشبكة بـ"التشكيك في موقف القيادة الفلسطينية، التي تواجه مؤامرة صفقة القرن"، وطالبت القناة بالاعتذار علناً عن "خطئها غير الأخلاقي".

وقال الفلسطينيون يوم السبت إن هجوم "فتح" على القناة السعودية كان في معظمه موجهاً ضد العائلة المالكة السعودية.

وقال أكاديمي فلسطيني متقاعد عمل لأكثر من ثلاثة عقود في مختلف دول الخليج: "من الواضح أننا نتجه نحو أزمة كبيرة بين السعودية والفلسطينيين". وأضاف: "هناك شعور بأن الأمور تخرج عن السيطرة بسرعة. إذا لم نصلح الموقف، فسوف يدفع الفلسطينيون في السعودية ودول عربية أخرى ثمناً باهظاً". وتابع "يجب ألا ننسى ما حدث بعد غزو صدام حسين للكويت"، في إشارة إلى 200 ألف فلسطيني فروا أو طردوا من الكويت في الفترة بين عامي 1990-1991. وأوضح: "لقد دفعنا ثمناً باهظاً بعد تحرير الكويت بسبب دعمنا للغزو. دعونا نتأكد من أننا لن نكرر أخطاء الماضي".

 

ترجمة: الميادين نت