إهتمام الرياض إلى تصاعُد

كلّما اقتربَ موعد الانتخابات المقرّرة في 6 أيار/ مايو المقبل، تصاعدت حماوة الحملات الانتخابية وحميَ التنافس بين مختلف القوى السياسية التي ستخوض هذا السباق الديموقراطي إلى الندوة النيابية، فالمخاوف من حصول عثرات وعقبات تقنية وسياسية داخلية تعطل هذا الاستحقاق قد تبددت، ولكن لا تزال هناك مخاوف من عوامل خارجية.

مطّلعون يؤكدون أنّ الاهتمام السعودي بلبنان سترتفع وتيرتُه سياسياً وديبلوماسياً في قابل الأيام

جميع الأفرقاء السياسيين استكملوا تقديمَ ترشيحاتهم وبدأوا يبحثون في نسجِ التحالفات الانتخابية هنا وهناك، استعداداً لخوض المعارك الانتخابية التي تمتاز هذه المرّة بعدد المرشحين البالغ 976 مرشّحاً سينخرطون فيها (وبينهم 111 إمرأة)، وهو رقم يدلّ إلى حيوية ديموقراطية سيتميّز بها هذا الاستحقاق على رغمِ الظروف الصعبة السياسية والاقتصادية والمالية التي تمرّ بها البلاد.

وما يشجّع على التفاؤل بإنجاز هذا الاستحقاق النيابي في موعده، هو نتائج المحادثات التي أجراها الموفد الملكي السعودي نزار العلولا في بيروت أخيراً، ومن ثمّ نتائج المحادثات التي أجراها رئيس الحكومة سعد الحريري في الرياض والذي لبّى دعوةً رسمية عاجلة نَقلها إليه العلولا الذي أجرى محادثات مع المسؤولين اللبنانيين الكبار وبعض القيادات السياسية في حضور الوزير المفوّض في الخارجية السعودية وليد البخاري والسفير السعودي في بيروت وليد اليعقوب، أشاعت مناخاً من التفهّم السعودي للأوضاع التي يشهدها لبنان ودعماً سعودياً متواصلاً للاستقرار اللبناني، وتشجيعاً على إنجاز الانتخابات النيابية وإقامةِ سلطة متوازنة تنأى بلبنان عن المحاور الإقليمية، على حدّ قول بعضِ الذين التقاهم العلولا.

ويؤكّد مطّلعون في هذا المجال أنّ الاهتمام السعودي بلبنان سترتفع وتيرتُه سياسياً وديبلوماسياً في قابل الأيام والأسابيع في ضوء زيارة العلولا الثانية القريبة لبيروت في وقتٍ لاحق من الشهر الجاري على الأرجح، حيث سيستكمل خلالها اللقاءات التي كان ينوي عقدَها في زيارته الأولى وحالَ دونها سفرُه الاضطراري إلى الرياض يومها ليكونَ في استقبال الحريري لدى وصوله إليها. والرياض، حسب بعض زوّارها، تتطلع إلى أن يكون موسم الانتخابات النيابية محطّةً في اتّجاه تعزيز الاستقرار في لبنان، عبر بناء سلطة جديدة متوازنة تعيد الثقة بهذا الوطن الصغير وتجدّد دورَه الريادي على المستويَين العربي والدولي.

ويؤكّد بعض الذين اطّلعوا على أجواء محادثات الحريري مع المسؤولين السعوديين، وعلى رأسِهم خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز وولي العهد الأمير محمد بن سلمان، أنّ الرياض دعمت توجُّهَه السياسي وشجّعته على الانفتاح على مختلف المكوّنات السياسية ضِمن ما كان يسمّى فريق 14 آذار وخارجه، باستثناء الأفرقاء الذين تسود خصومةٌ بينه وبينهم، وتالياً بين هؤلاء الخصوم وبين المملكة، وهي خصومة ترتبط بنحوٍ أو آخر بالأزمات والحروب الدائرة في بعض دول الإقليم والتي لا حلّ لها في الأفق قريباً، لأنّ ما يحصل حالياً يشِي باتّجاه هذه الأزمات إلى مزيد مِن التصعيد الذي قد يسبق حلولاً يجري تحضيرُها في بعض الدوائر الإقليمة والدولية.

وتفيد المعلومات أنّ الحريري قد يَستثني من انفتاحه السياسي بعضَ القيادات والقوى التي يَعتبرها معارضىةً له، داخل بيئته وخارجها، في اعتبار أنّ بينها من ينافسه ضِمن هذه البيئة وعلى المستوى الوطني العام.

غير أنّ سياسيّين يقولون إنّ الواقع السائد الآن قد يكون غيرَه بعد الانتخابات في ضوء النتائج التي ستسفِر عنها، إذ على الأحجام السياسية والتمثيلية التي ستفرزها هذه الانتخابات سيُبنى على الشيء مقتضاه، خصوصاً على مستوى تركيب السلطة السياسية الجديدة التي سيأخذ المعنيّون بتركيبها هذه الأحجامَ في الاعتبار، ما يعني أنّ جميع القوى السياسية ستخوض من خلال الانتخابات ما يشبه الامتحانَ لإثبات الوجود شكلاً وحجماً في مستقبل الحياة السياسية، وهذا الأمر سيتوقف على طبيعة التحالفات الانتخابية وقدرتِها على تمكين هذا الفريق أو ذاك من الفوز بعددِ المقاعد النيابية التي يطمح إليها، في ظلّ شبهِ اقتناع لدى الجميع بأنّ أيّاً مِن الأفرقاء لن يتمكّن من الفوز بالأكثرية النيابية التي تُمكّنه من التفرّد بتكوين السلطة الجديدة، أللهمّ إلّا إذا نجَح الحريري في لمِّ شملِ حلفائه الـ 14 آذاريّين وغيرِهم ضِمن تحالفات في كلّ الدوائر، إذ عندها يمكن أن يفوز بعددٍ مرموق من المقاعد النيابية، أو إذا نجَح خصومُه في تكوين تحالفٍ يمكّنهم من الفوز بالأكثرية النيابية.

لكنّ العالِمين في شؤون قانون الانتخاب وشجونِه، يؤكّدون أن لا أحد من الأفرقاء السياسيين سيفوز بأكثرية، بل إنّ هذا القانون الانتخابي الذي يَعتمد النظامَ النسبي سيعطي لكلّ فريق حجمه، فائزاً كان أم خاسراً، إذ إنّ أهمّية هذا القانون تكمنُ في أنه يُظهر الأحجامَ التمثيلية الحقيقية لجميع الأفرقاء السياسيين، وذلك بعكس القانون السابق الذي كان يَعتمد النظامَ الأكثريّ فيُظهر أحجاماً منفوخة وغيرَ واقعية لهذا الفريق أو ذاك، وخصوصاً للّذين كان يتمّ إلحاقُهم بما كان يسمّى «لوائح الأقوياء» من الأفرقاء السياسيين.