لا هدنة عسكرية في غياب التوافق السياسي
تطرح إشاعات، قد يكون فيها بعض الحقيقة، عن خلافات أميركية بين تقديرات وزارة الخارجية ووزيرها جون كيري، ووزارة الدفاع، حول السياسة الواجب اتباعها في سوريا. فبينما تميز سلوك وزير الخارجية بنوع من الاستسلام أمام الروس وتسليمهم الملف السوري، والتخلي عن القرارات الدولية التي اتخذت، وعن التسوية السلمية المطلوبة ومنها القبول ببقاء الرئيس الاسد، تنحو في المقابل وزارة الدفاع والبنتاغون إلى التشدد مع الروس ومع النظام في الوقت نفسه.
-
الكاتب: خالد غزال
- 20 أيلول 2016 10:30
الدخان يتصاعد وقافلة مساعدات إنسانية على جانب الطريق في أحياء حلب الشرقية (أ ف ب)
كما كان متوقعاً،
لم تصمد هدنة الاتفاق الأميركي - الروسي في سوريا سوى ساعات. بدلاً من سيادة الهدوء،
انفجر العنف في شكل أوسع، عبّر عن نفسه في شكل يدعو الى الكثير من التساؤل. فالقوات
الأميركية شنت غارات على قوات النظام في منطقة دير الزور تسببت بمقتل العشرات، من المضحك
فيها أن الأميركيين صنفوا هذه الغارة في سياق الخطأ، في وقت يعرف الجميع أن الطائرات
الأميركية يمكن ان تحدد أصغر نقطة على الأرض.
والحدث الآخر المهم،
إسقاط طائرة حربية للنظام في منطقة دير الزور، رأى فيها مراقبون تطوراً نوعياً في الحرب
لجهة التسليح. إضافة الى كل ذلك، عودة الروس والنظام الى قصف مدينة حلب. كل ذلك ترافق
مع انتهاكات لوقف إطلاق النار من النظام وحلفائه او من قوى المعارضة على مختلف أطيافها.
يطرح هذا التطور جملة ملاحظات وأسئلة.
الملاحظة الأولى
تدحض مقولة أولوية محاربة الإرهاب على إنجاز الحلول السياسية. قرارات وقف إطلاق النار
ليست مسائل تقنية، هي قررات سياسية أولاً وأساساً. نحن اللبنانيين ندرك هذا الموضوع
من خلال الحرب الأهلية اللبنانية، التي شهدت آلاف القرارات التي كانت تتخذ ولا تصمد
سوى ساعات، في وقت يتهم كل طرف الآخر بخرقها.
ليس من قبيل الاتهام
كيفما كان القول إن النظام وقواته مسؤولان أساساً عن خرق وقف إطلاق النار. بعد الاتفاق
مباشرة، أعلن النظام بأنه يريد استعادة كل الأراضي السورية، وهي تصريحات تشي بعدم موافقة
النظام على وقف لإطلاق النار، كان يرى فيه دائماً فرصة للمعاراضة لإعادة تنظيمها وتسليحها.
يعبّر خرق الهدنة
عن هشاشة الاتفاق والتوافق الروسي - الأميركي. يشكو الروس من عدم جدية الأميركيين في
الضغط على المعارضة لفرز «جبهة النصرة» عن سائر الأطراف. كما يتهمون الأميركيين بعدم
نشر وثائق الاتفاق، وهو ما يشي باحتمالات لا يرغب الاميركيون في الإعلان عنها راهناً،
وهي بالتأكيد ليست في مصلحة المعارضة والشعب السوري. هذا في وقت يمكن الروس أن يفصحوا
عن مضمون هذه الوثائق السرية.
من المشروع التساؤل
عما اذا كانت الغارة الأميركية على قوات النظام أتت بمثابة رسالة الى الروس والنظام،
ترمي من ورائها القول بأن الاتفاق لن يعطي هؤلاء الحرية في التصرف واستكمال القصف على
قوى المعارضة، كما ترمي الى القول برسم حدود مناطق كل طرف، وتعيين ما هو مسموح به أو
غير مسموح. كما يطرح سؤال عما اذا كان الأميركيون يريدون «بيع» موقف عملي للمعارضة
بعدما خذلوها كثيراً منذ بداية الحرب. ناهيك عن الاتهامات للاميركيين بأنهم في هذه
الغارة كانوا يدعمون تنظيم «داعش»، بل سهلوا له التقدم على الأرض.
تطرح إشاعات، قد
يكون فيها بعض الحقيقة، عن خلافات أميركية بين تقديرات وزارة الخارجية ووزيرها جون
كيري، ووزارة الدفاع، حول السياسة الواجب اتباعها في سوريا. فبينما تميز سلوك وزير
الخارجية بنوع من الاستسلام أمام الروس وتسليمهم الملف السوري، والتخلي عن القرارات
الدولية التي اتخذت، وعن التسوية السلمية المطلوبة ومنها القبول ببقاء الرئيس الاسد،
تنحو في المقابل وزارة الدفاع والبنتاغون إلى التشدد مع الروس ومع النظام في الوقت
نفسه. فقرار الغارة على القوات النظامية السورية هو قرار يأمر به البنتاغون وليس وزارة
الخارجية، مما يؤكد التفاوت في وجهات النظر بين المؤسستين الأميركيتين.
إذا كان من خلاصة
يمكن المغامرة بها، فهي للقول إن مجريات أسبوع من إعلان وقف النار أتت تثبت استحالة
التسوية السلمية على الطريقة التي تدار بها من الأميركيين والروس. فالاختبار الدموي
الذي حصل في أسبوع، يوحي بأن كل طرف متشكك بالآخر، ويتهمون بعضهم بعضاً بالخرق، فيما
الوقائع الميدانية تثبت أن الاتفاق كأنه أتى لإعطاء كل طرف فرصة لتحسين وضعه على الأرض،
ولاستكمال تغيير موازين القوى بما فيها إمكانات الحسم العسكري من النظام وحلفائه، كمقدمة
لفرض حل سياسي معين.
هذا يعني أن الجلجلة
السورية مستمرة، وقد نشهد تصعيداً أكبر في العمليات العسكرية، وهو ما تعرفه كل الحروب،
من أن التسويات أو السعي إليها تسبقها موجات قتل ودمار لا حدود له.