جنيف 4.. ولادة ميّتة

في أستانة الأول كان واضحاً أن الروس، في ظل انشغال الأميركيين بانتقال الحكم من أوباما لترامب، كانوا يقودون الملف السوري نحو استتباب عسكري مع بدء خطوات فعليّة بفصل المجموعات المسلحة التي شاركت في المباحثات عن «داعش» و«النصرة». بينما أستانة الأخير كان يمثّل حالة من النكوص لما قبل أستانة الأول بما شكّل انعكاساً لواقع إقليميّ ودولي.

المتغيّرات السابقة كانت تشير بوضوح إلى أن جنيف 4 كان يحتضر قبل بدايته
كانت الآمال المعلّقة على جنيف 4 كبيرة لولا تصريحات ترامب المتناقضة في الملف السوري والتي جعلت من أستانة الأخير شبه انقلاب على أستانة الأول في 23 كانون الثاني، إذ كان واضحاً أن الملف السوري يسير في نسقين: تكتيكي عسكري في أستانة يمهّد لنسق سياسي في جنيف، لكن دخول الولايات المتحدة على الخط أعاد تعقيد الملف.

ففي أستانة الأول كان واضحاً أن الروس، في ظل انشغال الأميركيين بانتقال الحكم من أوباما لترامب، كانوا يقودون الملف السوري نحو استتباب عسكري مع بدء خطوات فعليّة بفصل المجموعات المسلحة التي شاركت في المباحثات عن «داعش» و«النصرة». بينما أستانة الأخير كان يمثّل حالة من النكوص لما قبل أستانة الأول، وإن حافظ على المخرج الأساسي له بوقف إطلاق النار، ولعلّ هذا النكوص انعكاس لواقع إقليميّ ودولي بين الجولتين، ونوجزه في ثلاث نقاط:

1- العداء الغربي لروسيا بدءاً من تصريح المستشارة الألمانية ميركل بـ«أن العلاقة مع روسيا لم ترق للمستوى المطلوب» وتصريحات وزير الدفاع الفرنسي لودريان بأنه «يجب على روسيا أن تمتثل لمعاهدة الحد من الصواريخ المتوسطة والقصيرة المدى وفي حال لم تحترم يجب الرد على ذلك بأسرع وقت ممكن»، وغيرها من التصريحات الغربية التي تؤكد عدم موافقة الغرب على السياسة الخارجية الروسية وخاصةً بالملف السوري.

2- التحوّل التركي بعد زيارات عدّة شخصيات عسكرية أميركية لتركيا، وكان هذا التحوّل واضحاً من خلال التأخير في مؤتمر أستانة الأخير، حيث رأى التركي بارقة أملٍ في تصريحات ترامب حول إقامة مناطق آمنة إضافة للتسريبات الأخيرة حول إمكانية إرسال قوات أميركية بريّة محدودة إلى شمال سوريا.

3- التحرّك الأردني في الجنوب السوري في محاولة للحصول على مكتسبات باقتراب جنيف من خلال عملية «الموت ولا المذلّة» والتي تحمل في طيّاتها أيضاً رسالةً لترامب لإقامة منطقة آمنة في الجنوب، وخاصةً أن ذلك يتوافق مع المصالح الإسرائيلية التي تعمل على التنقيب عن النفط، حيث تقوم شركة «آفيك» وهي أحد فروع شركة «جني» المحدودة للطاقة وهي شركة إسرائيلية مقرّها نيوجرسي بالتنقيب في الجولان السوري المحتل ومن بين المستثمرين فيها روبرت مردوخ صاحب وكالة فوكس الاخبارية وديك تشيني ولورد يعقوب روتشيلد وجيمس ووسلي إضافة إلى عدد من السياسيين الأميركيين الآخرين، وكانت هذه الشركة قد أعلنت في نهاية عام 2015 عن اكتشاف كميات معقولة من النفط في الجولان المحتل، وأعلنت هذه المنطقة من الكيان الإسرائيلي على أنها منطقة أولية لشركة «آفيك» لتقوم بتنفيذ عمليات تجريبية بدأت في عام 2015 وتستمر حتى نيسان 2017.

إن هذه المتغيّرات السابقة كانت تشير بوضوح إلى أن جنيف القادم كان يحتضر قبل بدايته، ليأتي الهجوم الإرهابي في حمص ويعلن موت الحل السياسي في هذه الجولة.