سوريا بين ترامب وأوباما.. ولعبة تسجيل النقاط بين البيت الأبيض والكرملين

الرئيس الجديد دونالد ترامب، له أولويات مختلفة في سوريا، فهو يريد محاربة داعش والقضاء على الإرهاب، مع التركيز على الحل السياسي في سورية، بدايةً بالاعتراف الصريح بعدم بحث مصير الرئيس الأسد، واليوم بالعودة إلى نغمة «الانتقال السياسي» بعد مسرحية الكيميائي في خان شيخون واتهام الدولة السورية بارتكابها، وهنا يطرح التساؤل التالي ما إستراتيجية ترامب في سوريا؟

وزير الخارجية الأميركي ريكس تيلرسون صرّح بعد الضربة أن "مسار جنيف يجب أن يتكرس لمغادرة الرئيس السلطات"
لم يكن التغيير في الرؤساء الأميركيين بالنسبة لسوريا مركزياً في إدارة الصراعات في المنطقة، فلا اختلاف جوهرياً بين الديمقراطيين والجمهوريين، فكلاهما مقرّب من إسرائيل، وهذا الأمر بالنسبة لسورية ما بعد عام 1970، وحده يكفل استمرار حالة الصراع مع واشنطن، وعدم حصول تقارب أو التقاء يمكن بموجبه الركون إلى من يكون في البيت الأبيض، لكن طبيعة الرهانات على الإدارات الجديدة كانت تستمد دفعها على الدوام من عاملين: الأول، يمكن أن يسمى العامل التجريبي النفسي خلال 4 أو 8 سنوات من حكم أي رئيس أميركي، وهو ما يكون عادةً مليئاً بالسلبيات، لذلك يكون الاندفاع نحو أي تغيير مبرراً ومفهوماً أملاً بسلبيات أقل، أو رؤية أكثر وضوحاً.

 والثاني، برامج الإدارة الجديدة ورؤيتها الإستراتيجية للأوضاع في المنطقة والأولويات فيها. هاتان النقطتان لعبتا دوراً في تفضيل السوريين من نخب وقاعدة شعبية وصول ترامب إلى سدّة الرئاسة بعد فترة حكم للرئيس الأميركي باراك أوباما تميّزت بالنسبة لسوريا ما بعد آذار 2011، بالتردد، وفتح المجال واسعاً أمام القوى الإقليمية لممارسة لعبة الموت على الأرض السورية، ومنحها، في فراغ أميركي مفترض في أذهاننا، هامشاً للمناورة والقتل واللا محاسبة عانى منه السوريون ما عانوه، لكن مع الحفاظ على عامل أساسي مميّز لإستراتيجية أوباما وهو عدم الانخراط العسكري المباشر في الحرب السورية، والاكتفاء في السنتين الأخيرتين بوجود عسكري رمزي، بصفة استشارية، إلى جانب الأكراد، والتمركز في قواعد عسكرية في عدد من مناطق الشرق السوري، دون أن نسقط إمكانية القيام بعمليات جويّة بحجة محاربة داعش كما حصل في جبل الثردة بدير الزور قبل أشهر من نهاية ولاية أوباما، واستهدف عبر هذه العملية الجيش السوري وخسر مواقع سقطت بيد داعش ولم يستطع تعويضها حتى اللحظة.
الرئيس الجديد دونالد ترامب، له أولويات مختلفة في سوريا، فهو يريد محاربة داعش والقضاء على الإرهاب، مع التركيز على الحل السياسي في سورية، بدايةً بالاعتراف الصريح بعدم بحث مصير الرئيس الأسد، واليوم بالعودة إلى نغمة «الانتقال السياسي» بعد مسرحية الكيميائي في خان شيخون واتهام الدولة السورية بارتكابها، وهنا يطرح التساؤل التالي ما إستراتيجية ترامب في سوريا؟
لا تعرف حتى الآن إستراتيجية هذا الشخص الانفعالي الذي انقلب موقفه وموقف إدارته من سورية 180 درجة في غضون 24 ساعة، وقام بتوجيه ضربة صاروخية لمطار الشعيرات العسكري معيداً الأمور إلى المربع الأول، ومدخلاً الإقليم في وضع استقطاب حاد ينذر بصدام دولي إقليمي لا تحمد عقباه. 

وزير الخارجية الأميركي ريكس تيلرسون صرّح بعد الضربة أن «مسار جنيف يجب أن يتكرس لمغادرة الرئيس السلطات»، وبعده قال: إن «الأولوية في سورية لمحاربة داعش وبعد القضاء عليه يتم بحث الاستقرار السياسي»، مشيراً إلى سلبيات «التغيير بالقوة العسكرية في ليبيا» دون أن يسقط هذا الخيار عن الطاولة. بينما الأردن وإسرائيل وتركيا يستمرون بركوب موجة تغيير إستراتيجي أميركي مفترض من سوريا، فهل هذه هي الحقيقة، هل نحن أمام تغيير أميركي في سوريا عما كان سائداً أيام إدارة الرئيس أوباما، هل نحن أمام تدخل عسكري أميركي مباشر؟ هل الحل السياسي والتوافق الروسي الأميركي بات متاحاً؟ هل نحن أمام تشكيل تحالف يضم واشنطن وموسكو في سوريا لمحاربة داعش؟


من غير الواضح وجود إستراتيجية أميركية جديدة في سوريا بل ما نشهده اليوم يتسم بالآتي:– الاستمرار في تدمير البنى التحتية للدولة السورية، والرهان على هذا الأمر من الجوانب السياسية والاقتصادية وحتى الاجتماعية.– تطوير الاستنزاف عبر مراكمة الخروقات في الميدان السوري عبر التدخل العسكري المباشر تارةً بوجود الخبراء على الأرض إلى جانب بعض الميليشيات السورية، وتارةً عبر التدخل لمصلحة دفع أي تنظيم معاد للدولة السورية للسيطرة على مناطق يسيطر عليها الجيش السوري.– الرهان على العمليات العسكرية المستمرة للتنظيمات المسلحة برعاية إقليمية في عملية إنهاك مبرمجة للدولة السورية والحلفاء، دون أن يكون لها أي أفق آخر، في ضوء عجز هذه المجموعات عن إحداث أي خرق حقيقي في مناطق الجيش السوري.- منح الضوء الأخضر لبعض دول الإقليم للتحرك على الأرض السورية من أجل تحقيق بعض أهدافها، وتجريب بعض الحلول، وهذا الأمر كان سائداً أيام الرئيس السابق باراك أوباما، وهنا الدعم الأميركي وإن كان تراجعاً عن بعض الخطوط الحمر، إلا أنه يأتي في سياق عمليات التحالف الأميركي لمحاربة داعش ولا يتعدى هذا الأمر إلى التدخل العسكري المباشر والصدام مع الدولة السورية والحلفاء وعلى رأسهم روسيا.– التعزيزات العسكرية الأميركية في الشرق السوري، وفي القوس الممتد من الجنوب إلى الشرق المحاذي للحدود العراقية انطلاقاً من الحدود الأردنية، هذا الأمر هو استمرار لمرتكزات إستراتيجية أوباما في سورية، وليس بالأمر الجديد وغير المتوقع.ما نشهده اليوم من سياسة أميركية في سوريا هي تطوير لإستراتيجية وضعتها النخب الحاكمة في واشنطن منذ أيام الرئيس باراك أوباما، والرئيس الأميركي الجديد المحاط بالجنرالات محكوم بتفعيل مبدأ التدخل العسكري، وممارسة دور شرطي العالم، فالضربات الوقائية والتراجع عن التدخل العسكري المباشر لا يعني الانكفاء عن التدخل ودعم الدور الأميركي وحلفاء أميركا في المنطقة. أما الحديث عن الحل السياسي ومحاربة الإرهاب، فهي لا تحمل أي تغيير إن لم تقترن بتوافق روسي أميركي في هذين الملفين وهذا الأمر أيضاً لا يبدو وارداً في ظل الشكوك ولعبة تسجيل النقاط التي تطبع العلاقة بين البيت الأبيض والكرملين.