ماكرون والملف السوري
في رأي ماكرون أن دور فرنسا أن تكون لها سياسة مستقلة ومتوازنة تمكنها من التكلم مع الجميع على أن تضمن بناء السلام. وهذا موقف جيد في المطلق ولكن لا يمكن تبنيه في جميع الحالات وهو خصوصاً موقف غير واقعي في الصراع السوري.
بعد فوز إيمانويل ماكرون برئاسة فرنسا كان هناك شبان من أصل عربي في محيط ساحة اللوفر الباريسية يرقصون ويغنون بالفرنسية «سنبقى في فرنسا». ولا شك أن المهاجرين إلى فرنسا من أصول عربية، وعددهم كبير، ارتاحوا لخسارة مارين لوبن زعيمة حزب اليمين العنصري المناهض للهجرة والمؤيد لإغلاق الحدود، وكذلك ارتاحت المنطقة العربية التي تخوفت من أقوال لوبن العنصرية ضد المسلمين وعدد من الدول العربية.
بعد أربعة أيام يتسلم ماكرون مفتاح قصر الإليزيه وأسراره
من فرانسوا هولاند. والأمل أن يبقى على نهج سلفه في مواقفه من الصراعات العربية وفي
طليعتها سورية. فخبرة ماكرون في السياسة الخارجية محدودة. ولكنه كثيراً ما يستشير كبار
المسؤولين السابقين في السياسة الخارجية في بلده ومن بينهم وزيرا الخارجية السابقان
هوبير فيدرين ودومينيك دو فيلبان والسفير السابق جان كلود كوسران. ولكن هؤلاء كانوا
يرون ضرورة إيجاد حل للأزمة السورية وأنه كان خطأ أن تغلق فرنسا سفارتها في دمشق. وموقف
ماكرون من الصراع السوري كان في البداية حذراً جداً عندما زار لبنان ولكنه سرعان ما
غيره في حديث إلى صحيفة «لوريان لوجور» اللبنانية، عندما اعترف أن الحل لن يكون مع
بشار الأسد وأنه ينبغي جمع كل الأطراف بما فيهم النظام إلى طاولة الحوار. وعندما قام
النظام بهجومه الكيماوي على خان شيخون دانه ماكرون بشدة. ومن المتوقع أن يجري ماكرون
لقاء ثنائياً مع الرئيس الأميركي دونالد ترامب في بروكسيل يوم ٢٥ أيار (مايو) الجاري،
ومن شبه المؤكد أن يثير معه موضوع سورية.
ومن المعروف في كل الأنظمة الديموقراطية أن كل رئيس منتخب
يسعى إلى التغيير لأنه يريد إظهار أنه أكثر نجاحاً من سلفه. ولكن في الصراع السوري
يعرف ماكرون تماماً طبيعة هذا النظام الذي يقتل شعبه بالكيماوي. كما يعرف ممارسات الرئيس
الروسي فلاديمير بوتين وأكاذيب روسيا عندما تظهر أنها تسعى إلى حل للصراع السوري في
حين أنها متمسكة ببقاء الأسد وتبتدع أفكاراً لوقف التصعيد في آستانة وكأنها ليست طرفاً
في الحرب. فروسيا بطائراتها وقنابلها تشعل المناطق السورية وتصعد ساحة الحرب. وماكرون
لن يتمكن من المساهمة في إيجاد حل للصراع السوري أكثر مما حاول هولاند إلا بمساهمة
حقيقية واستراتيجية من الجانب الأميركي. فأوباما ووزيره جون كيري خيّبا آمال هولاند،
الأول بتراجعه عن ضرب المراكز العسكرية لسلاح الجو التابع للنظام السوري، والثاني بتنازلاته
للجانب الروسي من دون أي مقابل. أما اليوم فنرى أن وزير الخارجية الأميركي ريكس تيلرسون
يتفاوض بقوة وحزم أكثر من سلفه مع نظيره الروسي سيرغي لافروف. وربما يستفيد ماكرون
من وجود إدارة أميركية جديدة تسعى لحل يوقف الصراع السوري ويوقف نزوح اللاجئين الذين
هجّرهم الأسد.
حضر أيضاً وبقوة خلال حملة انتخابات الرئاسة الفرنسية موضوع علاقة فرنسا
بدول الخليج. وكانت لوبن تندد بهذه العلاقة وتلوم ماكرون والنظام الذي يأتي منه على
العلاقات الوثيقة مع دول الخليج. وكان رد ماكرون حذراً دائماً في هذا الموضوع وكان
يقول إنه يريد علاقات مع كل دول المنطقة بما فيها إيران. لكنه أكد أمراً لم يلاحظه
أحد وهو أنه يريد إلغاء الاتفاق الضريبي الذي يربط فرنسا بدول الخليج. وهذا ليس في
مصلحة دول الخليج ولا في مصلحة فرنسا. فالدول الخليجية إذا تم ذلك ستتراجع عن الاستثمار
في فرنسا. كما ستضطر إلى دفع أموال طائلة من الضرائب على ممتلكات ضخمة. فهذا الأمر
يتطلب درساً معمقاً من قبل فريق ماكرون الاقتصادي قبل تنفيذ ما وعد. وفي رأي ماكرون
أن دور فرنسا أن تكون لها سياسة مستقلة ومتوازنة تمكنها من التكلم مع الجميع على أن
تضمن بناء السلام. وهذا موقف جيد في المطلق ولكن لا يمكن تبنيه في جميع الحالات وهو
خصوصاً موقف غير واقعي في الصراع السوري.