أي «حريري» يعود إلى السرايا؟
أما وإن العماد ميشال عون استقر في قصر بعبدا، فقد أتى دوره للإيفاء بـ «السند السياسي» الذي يتوجب عليه لـ «نصفه الآخر» الرئيس سعد الحريري. لا مكان للمفاجآت او الصدمات هنا أيضا.
هي تسوية «الاقتراض المتبادل» على قاعدة «خذ وهات»، والمهم الا يفوق الدين السياسي العام، المترتب على «القروض الرئاسية»، قدرات الاطراف الداخلية على التسديد. أما الاطراف الخارجية فان ما خفي من أدوارها وحساباتها بدأ يتكشف تباعا.
وغداة التهنئة ـ الغنية بالدلالات ـ التي تلقاها الجنرال من الرئيسين الايراني والسوري، هنّأ الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز ووزير الخارجية الاميركي جون كيري أمس عون بانتخابه رئيسا للجمهورية، ما يؤشر الى وجود تغطية اقليمية ـ دولية لهذا الانتخاب، سابقة او لاحقة، معطوفة على رغبة بعض القوى الخارجية، لاسيما الرياض، في ان تحقق نوعا من «التوازن الوقائي» مع المحور المضاد الذي بدا وكأنه حقق انتصارا سياسيا مع وصول الجنرال الى قصر بعبدا.
فقد اتصل الملك سلمان بالرئيس عون، مهنئا بانتخابه، ومتمنيا له التوفيق والنجاح في مسؤولياته الوطنية الجديدة.
وأكد سلمان حرص السعودية على الوحدة الوطنية بين اللبنانيين وعلى العلاقات الاخوية التي تجمع بين البلدين الشقيقين، مؤكدا اهتمام السعودية بلبنان واللبنانيين.وشكر عون الملك السعودي على تهنئته، مقدراً للسعودية حرصها على تشجيع اللبنانيين على التلاقي والوحدة، ومتمنيا ان تستمر بدعم لبنان في المجالات كافة.في ظل هذا المناخ، فان الاستشارات النيابية الملزمة الاربعاء والخميس باتت شكلية، ومن باب تأكيد المؤكد، لاسيما ان أحدا لا ينافس رئيس «تيار المستقبل» على كرسي السرايا، تسليما بمفاعيل «الخلطة السحرية» التي افضت الى تبادل الدعم بين الحريري وعون، وعدم ممانعة «حزب الله» في عودة الحريري الى رئاسة الحكومة.
ويمكن القول إن التحدي الحقيقي والاصعب إنما يبدأ مع مباشرة الرئيس المكلف في تأليف حكومة «التوازنات الصعبة»، حيث سيكتشف الحريري سريعا، على سبيل المثال لا الحصر، ان الرئيس نبيه بري استبدل «الارانب» بـ «الثعالب»، ما يستوجب من رئيس «المستقبل» ان يكون مستعدا لملاقاة «الوجه الآخر» لبري، خصوصا ان استراتيجيته التفاوضية ستحظى بدعم تام، يصل الى حد التفويض، من «حزب الله».
الحريري.. والتحديات
ولعل من بين الاسئلة المتداولة، عشية التكليف المتوقع:
ـ هل سيطل الحريري من نوافذ السرايا بطبعة او ربما بطبيعة جديدة، ام انه سيكون امتدادا لتجربته السابقة؟
ـ هل المراحل التي مرّ فيها منذ خروجه من السلطة دفعته الى اجراء مراجعة نقدية لكل ما مضى، وبالتالي الى أي حد استفاد من دروس الماضي واستخلص العبر اللازمة؟
ـ أين سيكون موقعه من الرئيس عون عندما يبدأ الاحتكاك بالقضايا الحساسة، والى أي مدى سيستطيع تجنب تكرار ثنائية أميل لحود ـ رفيق الحريري؟
ـ ما مدى قدرته على الفصل بين عواطفه وخياراته السياسية من جهة ومسؤولياته وواجباته كرئيس للحكومة من جهة أخرى؟
المقرّبون من الحريري يرجحون ان يعتمد الرجل خيار «الواقعية السياسية» في مقاربة مرحلة ما بعد التكليف، سواء على مستوى التأليف او على مستوى التعامل مع الملفات السياسية المعقدة.
وفق هؤلاء، ليست لدى الحريري العائد الى السلطة بعد هجرة قسرية نيّة في المجابهة والتصعيد، بمعزل عن بعض المواقف العلنية، والأرجح ان علاقته بـ «حزب الله» سترتكز على معادلة «ربط النزاع» التي اعتمدها مع الحزب على طاولة الحوار الحزبي وفي هيئة الحوار الوطني وحكومة تمام سلام.
ثم ان وجود عون في رئاسة الجمهورية سيشكل عنصرا محوريا في توازنات المشهد السياسي الذي يعاد تركيبه، وأغلب الظن ان الجنرال المتفاهم مع «الحزب» و «المستقبل» سيكون بمثابة ضابط إيقاع لاحتمالات صعود وهبوط «الضغط» في جسم العلاقة المريضة بين حارة حريك وبيت الوسط.
كما ان الحزب والحريري سيكونان معنيين، كلٌ انطلاقا من حساباته، بتسهيل مهمة الجنرال وعدم احراجه او استنزافه باكرا.
في كل الاحوال، لا ينتظر الحريري من «حزب الله» ان يسميه لرئاسة الحكومة، لكن موقف بري يهمه، وهو يأمل في ان يحصل على أصوات كتلة التنمية والتحرير حتى لا يكون تكليفه مشوبا بعيب «النقص الميثاقي».
ثم انه لن يكون سهلا على الحريري، كما على عون، ان تفتقر شرايين حكومة العهد الاولى الى «كريات الدم» الشيعية. وعليه، لا مفر امام الحريري من «إرضاء» بري مهما غلا الثمن، إذا أراد لحكومته ان تنطلق من دون أي «تشوّه خلقي»، وإلا فانها ستكون «كيس الملاكمة» الذي سيستخدمه رئيس المجلس في ممارسة «رياضة المعارضة».
وخلال اجتماع كتلة المستقبل النيابية أمس لوحظ ان الحريري اعتمد لغة لطيفة واستيعابية حيال بري، مشددا على الدور المهم لرئيس المجلس، ومشيرا الى ان أجواء عين التينة آخذة في التحسن. ودعا أعضاء الكتلة الى مقاربة الموقف من رئيس المجلس بإيجابية، مشيرا الى انه يبذل جهده لإصلاح ما أفسده الاستحقاق الرئاسي في العلاقة مع بري.
كما شدد الحريري على ان صفحة جديدة فُتحت مع «التيار الوطني الحر»، لافتا الانتباه الى ضرورة تفعيل التواصل مع نواب تكتل «الاصلاح والتغيير».
ولعل من أولى مفاعيل انتخاب عون وانطلاقة العهد الجديد خلو بيان كتلة «المستقبل» أمس، خلافا للعادة، من الهجوم المباشر على «حزب الله»، بل ان اسم الحزب لم يرد كليا في البيان الذي خُصص الجزء الاساسي منه للإشادة بخطاب الرئيس المنتخب، حتى يكاد يخال للمستمع ان الكتلة اجتمعت في الرابية وليس في بيت الوسط، وان من ترأسها باسيل لا الحريري.
ومن العلامات الفارقة في اجتماع كتلة «المستقبل» جلوس النائب «العائد» عقاب صقر في مقعد النائب «النازح» أحمد فتفت الذي يبدو انه خرج ولم يعد، بعد ذهابه بعيدا في معارضة خيار الحريري بدعم ترشيح عون.
وأعلنت الكتلة عن ترشيحها الحريري لتولي رئاسة الحكومة الاولى للعهد، مشيرة الى انها تتطلع الى نتائج ايجابية للتعاون بين عون والحريري انسجاماً مع أحكام الدستور واتفاق الطائف.
نصيحة بري
وأوضح بري امام زواره امس انه طلب ان يكون موعده مدرجا في آخر لائحة الاستشارات النيابية الملزمة، حتى يختصر ما هو مطلوب منه في زيارة واحدة، بدل ان يصعد الى القصر الجمهوري ثلاث مرات خلال يومين، مرة بصفته رئيسا للمجلس ومرة كرئيس لكتلة نيابية ومرة أخرى للاطلاع على حصيلة الاستشارات.وأشار الى انه سيترأس اليوم اجتماعا لكتلة «التنمية والتحرير»، لافتا الانتباه الى انه ليس هناك من قرار نهائي بعد لدى الكتلة او «حزب الله» في شأن تسمية رئيس الحكومة المكلّف.
وأوضح انه تلقى مساء البارحة اتصالا هاتفيا من الرئيس فؤاد السنيورة أبلغه خلاله ان كتلة «المستقبل» رشحت الحريري الى رئاسة الحكومة.واعتبر بري ان تسمية الرئيس المكلف شيء سواء كنا مع او ضد تكليف الحريري، وعملية تأليف الحكومة شيء آخر، وبالتالي فان موقفي من المشاركة او عدمها يتوقف على طبيعة الطرح الذي سيقدم إليّ.
واعتبر بري ان خطاب القسم جيد، مشيرا الى ان الجنرال كان هادئا خلال الجلسة الانتخابية، وهو ظهر انه لكل اللبنانيين، وتابع: الله يحميه ممن حوله.. وعلى حد علمي، المجلس النيابي انتخب شخصا واحدا هو عون.
وأكد بري ان حرصه على المشاركة في جلسة الانتخاب وعدم تعطيل نصابها لا يقل أهمية عن انتخاب الحريري لعون، مشددا على انه لولا موقفه ما كانت الجلسة لتلتئم وبالتالي ما كان الجنرال ليُنتخب.
خيار جنبلاط
الى ذلك، قال النائب وليد جنبلاط لـ «السفير» إن اللقاء الديموقراطي سيسمي الحريري، داعيا الى تشكيل حكومة وحدة وطنية تتسع للجميع، حتى تكون قادرة على التصدي للتحديات التي تواجه لبنان.