خيوط اللعبة: في انتظار الربيع والملك المأمول؟
لو سارت أمور السعودية كما تشتهي أميركا فإن الأمير محمد بن نايف، ولي ولي العهد الحالي، هو المرغوب ملكاً. الأسباب كثيرة، أبرزها: أنه ينتمي الى الجيل الجديد نسبيا (55 عاماً). ثانيها أنه درس في الغرب طويلاً. وثالثها، وهو الأهم، أنه يُعتبر أحد أبرز صقور السعودية في محاربة الارهاب والقاعدة وكبح جماح التطرف. لذلك استقبله الرئيس باراك أوباما وكثير من المسؤولين الاميركيين بحفاوة لافتة مطلع عام 2013، بعد 5 سنوات على نجاته من محاولة اغتيال انتحارية، وربما لذلك أيضا تم تعيينه سريعاً ولياً لولي العهد.
الواقع أن الملك الراحل عبدالله ساير الاميركيين في الاصلاح، لكنه لم يخضع لكل ضغوطهم. نفّذ ما قاله تماماً للمؤلف روبرت ليسي في كتابه المهم «المملكة من الداخل»: عدم التسرع حتى لو اخذ الامر 20 عاماً. قال منذ تولى العرش: «الدولة ماضية في نهجها الاصلاحي المدروس والمتدرج، ولن نسمح لأحد بأن يقف في وجه الاصلاح». كان سهم التحذير جلياً صوب الحركة السلفية الوهابية. بالفعل، بادر الى عدد من الخطوات التي شكَّل بعضها سابقة: عيَّن 30 سيدة في مجلس الشورى. سمح للسعوديات بالترشح والانتخاب في المجلس البلدي. عيَّن بعضهن في مناصب تربوية رفيعة. زاد عدد الطالبات والمعاهد التربوية والبعثات الطلابية الى الخارج (نحو 150 ألفاً). شكَّل هيئة البيعة لاختيار الملك وولي العهد (لكنها بقيت معدومة التأثير). واقرَّ العيد الوطني مناهضاً بذلك رفض المتشددين السماح بأي عيد غير الفطر والاضحى. وانشأ لجنتين لحقوق الانسان عام 2005 . سمح بتطوير مهرجان الجنادرية بفضل المستشار الابرز عبد العزيز التويجري، بالرغم من تكفير السلفيين لهذا المهرجان. شجع تطويرا هائلا في القطاعات الصحية والاقتصادية. ثم، قبل فترة قصيرة من وفاته، اتهم علماء السعودية بـ «التقصير والكسل والتراخي»، مكثّفاً القوانين والاجراءات ضد التيارات الارهابية، ومتسائلاً: «كيف ان انسانا يمسك بانسان آخر ويذبحه كالغنم». ناهيك عن تأسيس ودعم المعهد الدولي لمكافحة الارهاب ووضع «داعش» وغيرها على لوائح الارهاب. كل ذلك لم يقنع منظمات حقوق الانسان الدولية التي بقيت تشجب «التمييز العنصري» ضد المرأة، وعدم السماح لها بقيادة السيارة، والبقاء تحت سلطة ذكورية. لم يقنع كذلك السعوديات اللواتي وجّهن عريضة بأكثر من 3500 توقيع طالبين من الملك عبدالله الغاء الحظر. تحركت المنظمات الحقوقية الدولية ضد الاعتقالات، وخصوصاً الآن، لنصرة المدوّن السعودي رائف بدوي، او للدفاع عن «جمعية الحقوق المدنية والسياسية في السعودية» (حسم) التي طالبت بالملكية الدستورية. ذهبت «لجنة حماية الصحافيين»، ومقرها نيويورك، الى وضع السعودية بين أكبر 10 دول في العالم من حيث فرض الرقابة. شجع ذلك على بروز تيارات معارضة علانية في الداخل والخارج. ساهم فيها نشاط استثنائي للمدوّنين السعوديين عبر شبكات التواصل الاجتماعي. وما ان اعتُقل الشيخ نمر النمر، حتى سارعت منظمة العفو الدولية الى القول ان «ثمة حملة تقودها السلطات السعودية لسحق المعارضة لها والداعين الى حماية حقوق الاقلية الشيعية». ناهيك عن معارضة علنية أيضا للنظام من شخصيات اخرى مثل توفيق سيف وسعد الفقيه وغيرهما. كل هذا لم يمنع رؤساء الدول الغربية، وفي مقدمهم الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند، من الاشادة بـ «حكمة» الملك عبدالله قبيل توقيع البلدين على صفقات بمليارات الدولارات لصالح باريس. كان هولاند يمتدح الملك، فيما وزارة الخارجية الفرنسية تقول على موقعها «ان ثلث الشباب السعودي يعاني البطالة او سوء التأهيل المهني، وان من بين المهملين في السعودية الأقلية الشيعية التي تمثل 15 في المئة من السكان، بالرغم من أنهم يعيشون في المنطقة الشرقية حيث 80 في المئة من الثروة النفطية». مع الاشارة الى ان السعودية تملك 22 في المئة من الاحتياطي النفطي العالمي، وتحتل المرتبة الثانية على المستوى الكوني نفطياً. لا بأس، فعند المصالح تنام المبادئ الدولية طويلا كأهل الكهف. أما الحليف الاميركي الذي دعم ديكتاتوريات كثيرة قبل التهليل لسقوطها، فهو كثَّف الرسائل الى السعودية لتسريع وتيرة الاصلاحات وتعزيز حضور الجيل الشبابي في الحكم. نقرأ، مثلاً، لوليم بيرنز نائب وزير الخارجية في ندوة في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية في واشنطن: «لا بد لنا من دعم المعتدلين، وتحديث الاقتصاد، وتشجيع التعددية، وتخفيف شعور الشعب بالظلم الذي يستغله المتطرفون». نقرأ، أيضاً، لروبرت مالي الذي عينه اوباما العام الماضي مديرا رفيعا في مجلس الامن القومي كلاماً عام 2001 يقول فيه: «ان رسالتنا للمملكة العربية السعودية هي: إذا كنتم ترغبون بتجنب مصير مبارك فإنكم تحتاجون لأن تتحركوا نحو إصلاح تدريجي حقيقي، ولكننا نسمع من السعوديين بدلاً من ذلك أن الإصلاح هو المسار الذي سيقود إلى مصير مبارك». كذلك الامر بالنسبة لوزير الدفاع الأميركي السابق تشاك هاغل الذي قال من قلب المنامة آخر عام 2013: «إن الاستقرار والإصلاح السياسي شريكان ضروريان. وذهبت صحيفة الغارديان الى حد القول قبل أشهر: «ان الربيع العربي يدق أبواب السعودية بشدة، وان واشنطن لن تقف أمام أي حركة احتجاجية في السعودية». اللافت اننا نقرأ كلاماً مماثلاً تماماً نشرته، السبت الماضي، صحيفة «واشنطن بوست» في افتتاحيتها: «على السعودية ان تسرِّع اصلاحاتها اذا كانت تريد الاستمرار في مطلع هذا القرن». واللافت أكثر ان الصحيفة المعروفة بقربها من مراكز القرار تحيي تعيين الامير محمد بن نايف ولياً لولي العهد على اعتبار أنه «المسؤول السعودي الأكثر جذبا لثقة الولايات المتحدة». صدى هذا الكلام موجود ايضا في «وول ستريت جورنال» التي كتبت: «ان زمن الامير محمد قد يأتي باسرع مما هو متوقع». وهو ما دعمته تماما صحيفة «لوجورنال دو ديمانش» الفرنسية، أمس، بقولها ان تولي الامير سلمان مقاليد السلطة «قد يكون لفترة قصيرة وعابرة في انتظار الملك الحقيقي». حسب تقرير وكالة الطاقة الدولية، فان أميركا، بعد 4 سنوات، ستصبح أكبر دولة منتجة للنفط في العالم، وبعد 7 سنوات ستصبح المنتج الاول، وعام 2030 ستتحكم بكل مفاصل النفط العالمية. هذا يعني أن الحاجة النفطية للحليف السعودي تنتهي، لتبقى الحاجة الامنية والسياسية. لا بد اذاً من سياسة الاحتواء المزدوج، وهي تقضي بتطوير العلاقة الاستراتيجية مع ايران، واحداث نوع من الربيع السعودي من دون خضات كبيرة تقضي بتعزيز حضور جيل الشباب، وخصوصاً منهم المناهضين للارهاب والقاعدة وداعش وأخواتها. كما يقضي بتكثيف الضغوط لفتح علاقات خليجية ــــ اسرائيلية. لعل الأمير محمد هو، في نظر الأميركيين، الأفضل لمستقبل السعودية واصلاحاتها، خصوصاً ان مراكز الدراسات الغربية تركز كثيرا ًعلى مرض الملك سلمان وعدم رغبته في احداث تغييرات كبيرة وسريعة. لكن الأكيد انه في ظل عصف الرياح الاقليمية وعواصف الارهاب وأطماع بعض الداخل في السلطة، قد لا يستطيع أي ملك، لا سلمان ولا محمد او مقرن، قيادة البلاد بالاستقرار نفسه الذي عرفته المملكة منذ نحو قرن كامل. فما قبل «داعش» شيء، وما بعده شيء آخر. لا بد من قرارات تكسر قواعد اللعبة، وفي كسر القواعد تصبح المخاطر أكبر، خصوصاً أمام تيار ديني رافض لأي تغيير الا بما يخدم التشدد.