خيوط اللعبة: حزب الله بين السنيورة والمشنوق
ما قاله رئيس كتلة المستقبل فؤاد السنيورة عن إطلاق الرصاص والقذائف بعد كلام الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله صحيح. لا داعي لكل هذا الرعب والخوف بعد إطلالات القادة والزعماء والسياسيين. يكفي الناس قلقهم وخوفهم وسوء أحوالهم. وما وصفه رئيس الحكومة السابق بـ «الكلام المتفرد» صحيح أيضاً. أما الكلام عن «تسرع»، فقد لا ينطبق على حزب يخطّط بدقّة لكل كلمة وفعل.
معروف أن للحزب والمقاومة حلفاء كثيرين في لبنان، ولهماً أيضاً خصوماً سارعوا إلى شجب عمليته قبل بنيامين نتنياهو، ولم يشجبوا العدوان الإسرائيلي على مقاوميه. الواقع أن فعل حزب الله ورد الفعل عليه من خصومه طبيعيان. هذه صورة نمطية تتكرّر في كل الدول التي فيها تيارات متناقضة وانتماءات متناقضة واستراتيجيات متنافرة. لا يتعلق الأمر فقط بقتال حزب الله في سورية، وإنما بكل المفهوم القتالي ضد إسرائيل. ثمة نموذجان في المنطقة للمواجهة، يقول أولهما إن التفاوض السلمي هو الأسلم والأنجع، ويؤكد ثانيهما أن السلاح يجب أن يبقى صاحياً حتى ولو جرت مفاوضات. هذا التناقض كان موجوداً حتى في أوج المقاومة الفرنسية ضد النازية. الرئيس السنيورة هو جزء من محور في المنطقة يرى أن الجيوش الشرعية هي المسؤولة عن الأمن وأن المقاومات المسلحة تؤدي إلى التدمير وليس العكس. هذا حقه. لكن هل هذا هو الإشكال الحقيقي فعلاً؟ الأكيد لا. تفترض الحقيقة القول إن الطابع الشيعي للمقاومة اللبنانية يطرح إشكالية جدية في الوقت الراهن. فالصراع الدائر في المنطقة، فرض اصطفافات متناقضة لا علاقة لها بإسرائيل، وإنما بأدوار أخرى. ذلك أن نجاح إيران وحزب الله في احتكار التيار المقاتل في المنطقة واستقطابهما الفصائل المقاتلة في فلسطين لفترة طويلة، قابله نزوع عند خصومهما صوب تعزيز لغة السلام مع إسرائيل. ولعل مبادرة السلام العربية في بيروت عام 2002 كانت المرحلة الأكثر وضوحاً بالرغم من تمريرها من قبل محور المقاومة أيضاً. بعدها جاء الاجتياح الأميركي البريطاني للعراق، ثم اغتيال رئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريري، ليساهما في يقظة سنية لافتة. إلا أن عدوان إسرائيل على لبنان عام 2006، ثم على غزة أواخر 2008، أعادا حزب الله وداعميه من إيران وسورية إلى دائرة الاستقطاب والجذب والاعجاب. في تلك اللحظة، بالضبط، انفصل الشارع السني عن النظام الرسمي، ونزلت التظاهرات بالملايين تؤيد انتصار الحزب على اسرائيل. لا داعي للدخول في شرح الدراسات والكتب الكثيرة التي نشرت لشرح الدعاية المضادة التي قادتها لاحقاً دولة غربية وإسرائيل وبعض الدول العربية لتشويه صورة الحزب وقائده بعد حرب 2006. لعل وثائق ويكيليكس شرحت كثيراً عن كيفية تعاطي بعض مسؤولي المنطقة مع تلك الحرب. أظهرت أن بعضهم كان يفضّل انتصار إسرائيل على المقاومة، تماماً كما فضل البعض قبل أشهر انتصارها أيضاً على حركة حماس، رغم اختلاف الأسباب. القضية، اذاً، هي في الاستقطاب والأدوار في المنطقة، لا في قتال إسرائيل أو عدمه. فعلى مستوى الإقليم، يبدو أن دور إيران الشيعية، وليس قنبلتها النووية، هو المقلق لدول الخليج، وسلاحها ودورها كذلك هما المقلقان أيضاً لإسرائيل وداعميها. ما الحل اذاً؟ هناك احتمالان فقط: الأول، مواجهة إيران وحلفائها. هذا يبدو مرشحاً للفشل نظراً للدور الاستراتيجي المستجدّ لمحور المقاومة في محاربة الإرهاب. وكذلك نظراً لتعديل الرياح الأميركية حيال طهران بحثاً عن استقرار في المنطقة بعد أن انتفت الحاجة الأميركية لنفط الخليج وصار التوجه الاستراتيجي الأميركي أكثر نزوعاً صوب آسيا والمحيط الهادئ. أما الاحتمال الثاني، فهو إيجاد قواسم مشتركة بين الشيعة والسنة، وبين إيران ودول المنطقة. هذا ممكن لا بل ومطلوب. فهو من جهة يلغي بؤر التوتر ويوفر مليارات الدولارت من الأسلحة وقد يثمر مشاريع تنموية واقتصادية هائلة، ويردع إسرائيل جدياً. ومن جهة ثانية يستجيب لرغبات شارع سني لا يزال قلبه، من المحيط والخليج حتى المغرب العربي، ينبض على قلب فلسطين بالرغم من مرحلة الاستقطاب التكفيري التي تسعى لتغيير المسار المنطقي للرياح. في التجربة اللبنانية الحديثة، أجريت مساع كثيرة للتقريب بين تيار المستقبل وحزب الله. لا يزال بعض المنفتحين على هذا التقارب والحوار في تيار المستقبل، وفي مقدمهم وزير الداخلية نهاد المشنوق، يشكون من أن الحزب لم يستجب بعد لمطالب يعتبرونها مشروعة وضرورية. إذا كانت شكوى المشنوق وفريقه صحيحة، فهذا يعني أن الجناح غير الراغب ضمنياً بالحوار مع الحزب في تيار المستقبل، يستطيع أن يستعيد الصدارة مستنداً إلى أخطاء خصومه. هذا حصل مثلاً خلال إطلاق النار بعد كلام السيد نصرالله. ربما على الحزب أن يفكر بكل هذا، لأنه بحاجة إلى العمق السني بقدر حاجة السنة الرافضين لإسرائيل إلى دعم من مقاومته. بعد أقل من نصف الشهر، تحل ذكرى اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري. لا بد من خطوات أكثر بين الحزب ونهاد المشنوق والفريق المستقبلي المؤيد للحوار. هذا فقط يسحب البساط من تحت أقدام من يفكر بضرب الحوار قبل اكتماله.