"واشنطن بوست": "إسرائيل" تضع رفح في عين العاصفة
مضى نتنياهو قدماً بالعملية العسكرية في رفح، على الرغم من الضغط الدولي والكارثة التي قد تلحق بالمدنيين في غزّة.
صحيفة "واشنطن بوست" الأميركية تنشر مقالاً للكاتب ايشان ثارور، يتحدث فيه عن عملية الاحتلال الإسرائيلي في مدينة رفح والكارثة الإنسانية التي ستتفاقم بشكل أكبر من جرائها.
أدناه نص المقال منقولاً إلى العربية:
طوال أسابيع، أكدنا أنّ الهجوم الإسرائيلي المخطط له على مدينة رفح في غزة "يلوح في الأفق". والآن، على الرغم من الغضب العالمي واسع النطاق والمخاوف الإنسانية المتزايدة، يبدو أن هذه الخطوة بدأت بالفعل.
وقد لجأ أكثر من مليون فلسطيني إلى رفح في الأشهر التي تلت 7 أكتوبر/تشرين الأول، وقتل أكثر من 34,500 شخص، بينهم العديد من النساء والأطفال، وقطاع غزّة بات تحت وطأة واحدة من أكبر الأزمات الإنسانية غير المسبوقة في القرن الحادي والعشرين.
ظلّت رفح لعدة أشهر آمنة نسبياً، ومركزاً لعمليات الإغاثة، ومنطقة يمكن للفلسطينيين الهاربين من أجزاء أخرى من غزة أن يجدوا فيها مأوى، لكن حكومة الحرب الإسرائيلية، بقيادة رئيس الوزراء المحاصر بنيامين نتنياهو، ترى أنّ عملية برية في رفح هي جزء أساسي من تفكيك القدرة العسكرية لحماس.
ثمة كارثة قد تلحق بالمدنيين في غزّة. مضى نتنياهو قدماً بالعملية على الرغم من التظاهرات الإسرائيلية ضد حكومته، محذّرين من أنّ الهجوم يهدد حياة الأسرى الذين ما زالوا لدى حماس.
وبحلول يوم الثلاثاء الفائت، سيطرت القوات الإسرائيلية على معبر رفح الحدودي المحوري الذي يربط غزة بشبه جزيرة سيناء المصرية، وكثّفت "إسرائيل" قصفها على أجزاء من المدينة، فأصابت المنازل والأبراج السكنية، ودفعت أكثر من 100 ألف شخص إلى الهروب مرة جديدة.
وتم إغلاق معبر رفح الحدودي، على الرغم من أنّ السلطات الإسرائيلية قالت إن معبراً آخر في كرم أبو سالم لا يزال مفتوحاً لنقل المساعدات إلى غزة، وهو ادعاء شكّكت فيه جماعات الإغاثة التي قالت إنّ الطرق ليست آمنة لمرور المساعدات الإنسانية.
وقالت المتحدثة باسم وكالة الأمم المتحدة لشؤون الفلسطينيين "الأونروا" لويز ووتردج الموجودة حالياً في رفح، يوم أمس الأربعاء، إنّ "منطقة المعبر تشهد عمليات عسكرية مستمرة، وهي منطقة حرب نشطة"، مضيفةً: "نسمع القصف المستمر في هذه المنطقة طوال اليوم. ولم يدخل أي وقود أو مساعدات إلى قطاع غزة، وهذا أمر كارثي على الاستجابة الإنسانية".
وقال ممثلو المنظمات الدولية الكبرى إنّ عدم القدرة على وصول المساعدات من شأنه أن يؤدي إلى المزيد من الكوارث. وقال جيريمي كونينديك، رئيس المنظمة الدولية للاجئين، في مؤتمر صحافي مشترك يوم الأربعاء لمنظمات إنسانية بارزة إنّ "كل الوقود الذي يدخل غزة يمر عبر معبر رفح".
وأضاف أنّ "عملية المساعدات برمّتها تعمل بالوقود. لذلك، إذا انقطع الوقود، تنهار العملية الإنسانية، فلا يمكن ضخ المياه، ولا يمكن إبقاء الأضواء مضاءة في المستشفيات، ولا تستطيع المركبات توزيع المساعدات".
وقال المتحدث باسم منظمة "اليونيسف" ريكاردو بيريس: "مع إغلاق معبر رفح الآن، فإنّ عمليتنا الإنسانية برمتها على الأرض معرضة للخطر.. وإذا لم يتم إعادة فتح المعبر بشكل عاجل، فإن جميع السكان المدنيين في رفح وقطاع غزة سيكونون أكثر عرضة لخطر المجاعة والمرض والموت".
المجاعة منتشرة بالفعل في مناطق شمال غزة. قالت منظمة "هيومن رايتس ووتش" يوم أمس الأربعاء إنّ "إسرائيل تنتهك الأوامر الملزمة قانوناً الصادرة عن محكمة العدل الدولية من خلال عرقلة دخول المساعدات المنقذة للحياة".
وأشارت المنظمة الحقوقية إلى أنّ "أمر المحكمة الصادر في شهر آذار/مارس يتطلب من إسرائيل تقديم تقرير إلى محكمة العدل الدولية بشأن تنفيذ إجراءات المحكمة في غضون شهر واحد. ومع ذلك، حتى 2 مايو/أيار، واصلت السلطات الإسرائيلية عرقلة الخدمات الأساسية ودخول الوقود والمساعدات المنقذة للحياة، وهي أفعال ترقى إلى مستوى جرائم حرب وتشمل استخدام تجويع المدنيين كسلاح حرب".
أثارت الحملة الإسرائيلية الحالية رد فعل غاضباً من الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش. وقال: "ألم يعانِ المدنيون ما يكفي من الموت والدمار؟"، مؤكداً أنّ "الهجوم الشامل على رفح سيكون بمنزلة كارثة إنسانية".
خلال الانتفاضة الثانية، هدمت القوات الإسرائيلية مئات المنازل في رفح. وعام 2003، قُتلت الناشطة الأميركية راشيل كوري في المدينة نفسها، بعدما سحقتها جرافة إسرائيلية مدرعة حتى الموت أثناء محاولتها إحباط تدمير منزل.
تتمتع رفح بتاريخ عميق يعود إلى العصور القديمة والعصور الفرعونية. وفي القرن العشرين، كانت تقع على الحدود بين فلسطين العثمانية ومصر التي كانت تحت السيطرة البريطانية. واحتلت "إسرائيل" غزة وشبه جزيرة سيناء بعد حرب عام 1967، لكنها انسحبت في نهاية المطاف من سيناء في عام 1982 بعد التوصل إلى اتفاق سلام مع مصر.
ونتيجة لذلك، انقسمت رفح إلى بين الجانبين المصري والفلسطيني، وتم بناء جدار فاصل، ما أدى إلى تقسيم العائلات، وأحياناً المنازل! وتم تدمير وسط المدينة لإفساح المجال أمام إنشاء منطقة عازلة بين الجانبين.
واليوم، لا تقدم الحرب الحالية للمدينة المنكوبة سوى أمل ضئيل في السلام أو الوحدة.
نقلته إلى العربية: بتول دياب