"واشنطن بوست": "إسرائيل" بنت مصنعاً للذكاء الاصطناعي خاصاً بالحرب وأطلقته في غزة

قبل سنوات من حرب غزة، حوّلت "إسرائيل" وحدتها الاستخباراتية إلى أرض اختبار للذكاء الاصطناعي خاصة بالحرب، وأطلقته وجرّبته في غزة.

  • "واشنطن بوست": "إسرائيل" بنت مصنعاً للذكاء الاصطناعي خاصاً بالحرب وأطلقته في غزة

صحيفة "واشنطن بوست" الأميركية تنشر تقريراً لـ إليزابيث دووسكين، تتحدث فيه عن استخدام "جيش" الاحتلال الإسرائيلي الذكاء الاصطناعي وبرامجه، في الحرب على غزّة.

أدناه نص التقرير منقولاً إلى العربية بتصرف:

بعد هجوم حركة حماس في 7 تشرين الأوّل/أكتوبر في العام الماضي، أمطر "الجيش" الإسرائيلي غزّة بالقنابل معتمداً على بيانات ومعلومات جُمعت بعناية شديدة على مرّ السنين، متضمّنة عناوين المساكن والأنفاق والبنية التحتية الأخرى الحيوية للجماعة المسلّحة. ولكن، بعد ذلك، نفدت لائحة الأهداف. وللحفاظ على وتيرة الحرب المحمومة، استخدم "الجيش" الإسرائيلي أداة ذكاء اصطناعي معقّدة تسمّى "حبسورة" أي "الإنجيل"، لتوليد سريع لمئات الأهداف الجديدة.

وبحسب مطلعين على العملية، البرنامج المذكور سمح لـ"الجيش" بمواصلة حملته من دون انقطاع ما دامت الأهداف تنتج بشكل مستمرّ أيضاً. وهذا مثال على كيفية مساهمة برامج أدوات الذكاء الاصطناعي المتقدّمة في زيادة عنف الحرب الإسرائيلية على غزّة منذ 14 شهراً.

وقد أفصح "الجيش" عن وجود هذه البرامج، التي يعدّها بعض الخبراء مبادرة الذكاء الاصطناعي العسكرية الأكثر تقدماً إطلاقاً. لكنّ تحقيقاً أجرته صحيفة "واشنطن بوست"، يكشف عن تفاصيل لم يبلّغ عنها سابقاً حول العمليّات لإدماج التعلّم الآلي والسجلّ السرّي الذي يمتدّ لعقد من السنّين في سبيل تطويره. ويكشف التحقيق أيضاً عن نقاش حادّ داخل أعلى مستويات "الجيش" الإسرائيلي بدأ قبل سنوات، حول المعلومات الاستخبارية التي جمعت من قبل الذكاء الاصطناعي، وما إذا كانت توصيات التكنولوجيّات دقّقت كفاية، وإذا كان استخدامها قد أضعف قدرات الاستخبارات البشرية لـ"الجيش".

 ويزعم المنتقدون أنّ برنامج الذكاء الاصطناعي كان بمنزلة قوّة تعمل في الكواليس لتسريع وتيرة ارتفاع حصيلة الضحايا في غزّة، والتي وصلت إلى 45 ألف فلسطيني، أكثر من نصفهم من النساء والأطفال، حسب وزارة الصحّة في غزّة.

بينما يقول مطّلعون على ممارسات "الجيش"، من ضمنهم الجنود الذين خدموا في الحرب، إنّ "الجيش" الإسرائيلي رفع بشكل كبير عدد الضحايا المدنيين "المقبول" مقارنة بالمعايير التاريخية. ويزعم البعض أنّ هذا التحوّل أصبح ممكناً بفضل المكننة التكنولوجية، التي جعلت من السهل توليد كمّيات كبيرة من الأهداف بسرعة، حتّى من المسلّحين ذوي الرتب المنخفضة.

ويستند التقرير المذكور إلى مقابلات أجريت مع أكثر من 12 شخصاً على دراية بالأنظمة، وتحدّث العديد منهم بشرط عدم الكشف عن هويته لمناقشة تفاصيل مواضيع الأمن القومي السرّيَّة للغاية، بالإضافة إلى وثائق حصلت عليها صحيفة "واشنطن بوست".

ويقول الزميل البارز في مركز "كارنيغي" ستيفن فيلدشتاين، الزميل الذي يبحث في استخدام الذكاء الاصطناعي في الحرب، إنّ "ما يحدث في غزّة هو مقدّمة لتحوّل أوسع في كيفية خوض الحرب، و"الجيش" الإسرائيلي يبدو أنّه اعتقد بذلك، أنّه خفض الحدّ الأقصى المقبول لمعدل الإصابات بين المدنيين في الحرب على غزّة. لكن، إذا جمعنا هذا مع التسارع الذي توفّره هذه الأنظمة، فضلاً عن مسألة الدقّة، فالنتيجة الحتمية هي عدد قتلى أعلى ممّا كان متصوّراً في السابق في أثناء الحرب".

حدثت تغييرات في وحدة 8200 الاستخبارية منذ عام 2020 تحت إمرة يوسي ساريل، الذي كان من روّاد تطوير برنامج "حبسورة" المدعّم بمئات الخوارزميّات التكهنية، والتي تزوّد الجنود بالمعلومات من ضمن مجموعة ضخمة من البيانات المعروفة داخل "الجيش" الإسرائيلي باسم "المسبح". وعبر مراجعة كمّيات كبيرة من بيانات الاتّصالات التي اعترضت زائد صور الأقمار الصناعية ومراقبة شبكات التواصل الاجتماعي، يُتنبّأ بمواقع وإحداثيّات الأنفاق والصواريخ وغيرها من الأهداف العسكرية، وتقدّم التوصيات التي لا يدقّق فيها محلّل استخباري بشري قبل أن توضع في بنك الأهداف من قبل ضابط كبير. كذلك يتولّى برنامج "لافندر" للتعلم الآلي احتمالية أن يكون الفلسطيني المتابع عضواً في جماعة مسلحة بالنسب المئوية، ما يولد حجماً كبيراً من الأهداف البشرية المحتملة بسرعة هائلة.

وهناك مجموعة كبيرة من برامج الذكاء الاصطناعي التي يستخدمها "الجيش" الإسرائيلي، وهي "الكيميائي"، "ديبث أوف ويسدوم"، "هانتر"، "فلو"، وجميعها تطرح العديد من الأسئلة والشكوك حول التعلّم الآليّ والقرارات السريعة التي يتّخذها مع أنّها تحمل في داخلها عيوباً أساسية. مثلاً، أنّ بعض الخوارزميّات التي تتعامل مع اللغة العربية تخطئ وتفشل في فهم الكلمات والعبارات العامّية الرئيسية، حسب مسؤولين عسكريين سابقين.

مع ذلك، في الحرب الجارية على غزّة الآن، ارتفع عدد الضحايا "المقبول" من واحد مقابل مقاتل من "حماس" في 2014، إلى 15 مدنياً لكل عنصر من الجماعة المسلّحة. ويعدّ أنصار استخدام "إسرائيل" لتقنية الذكاء الاصطناعي بشكل عدائي أمراً ضرورياً، لبقاء دولة صغيرة تواجه أعداء مصمّمين وأقوياء. وقال بليز ميشتال نائب رئيس السياسات في "المعهد اليهودي للأمن القومي الأميركي"، الذي أطلعته الاستخبارات الإسرائيلية على قدرات الذكاء الاصطناعي، إنّ "التفوّق التكنولوجي هو ما يحافظ على أمن إسرائيل، التي كلّما تمكّنت من تحديد قدرات العدوّ وإخراجه من ساحة المعركة بشكل أسرع، كانت الحرب أقصر، وكانت الخسائر أقلّ".

تحت إدارة ساريل وزملائه، أعيدت هيكلة وحدة "8200" الاستخبارية بالتركيز على المهندسين، وتقليص عدد المتخصّصين في اللغة العربية، والذين يعدّون مقاومين للذكاء الاصطناعي، ومنذ نحو عامّ كان 60% من موظّفي الوحدة يعملون في دوائر هندسية وتقنية، وهو ضعف العدد الذي كان قبل عقد من الزمان، حين كانت ممارسات الاستخبارات تخضع للتدقيق. وإنّ اتّهامات الإبادة الجماعية الموجّهة إلى "إسرائيل"، التي رفعتها جنوب أفريقيا إلى محكمة لاهاي تثير تساؤلات حول ما إذا كانت القرارات الحاسمة بشأن قصف الأهداف في غزّة قد اتّخذت عن طريق برامج الحاسوب. وهذا تحقيق من شأنه أن يسرّع النقاش العالمي حول دور تقنية الذكاء الاصطناعي في الحروب.

مع ذلك، قال ساريل منذ 3 أشهر إنّه يخطّط للتنحّي عن قيادة وحدة "8200"، في ظلّ تزايد التساؤلات حول الإخفاقات الاستخبارية التي أدّت إلى هجوم السابع من تشرين الأول/أكتوبر في العام الماضي، حيث يعتقد كبار الضبّاط السابقين أنّ الذكاء الاصطناعي كان أحد الأسباب الرئيسية وراء وقوع "إسرائيل" بغتة في ذلك اليوم، حين بالغت الإدارة بالاعتماد على التوصيات التكنولوجية التي جعلت من الصعب على المحلّلين رفع التحذيرات إلى كبار القادة، "لقد استبدل الرجل بالآلة".

يعتقد ساريل أنّ الذكاء الاصطناعي سوف يمسّ جَميع جوانب الدفاع، سواء في وقت السلّم أو الحرب، ومن خلال استخدام تقنيات المراقبة ستصبح حدود "إسرائيل ذكية". ومن خلال جمع المسارات الرقمية، يمكن للجيوش بناء أنظمة دفاعية متقدمة، وبنوك الأهداف تحتوي على أسماء ومواقع وأنماط سلوك الآلاف من المشتبه بهم. وهذه التقنيات يمكن أن تحلّ محلّ 80% من محلّلي الاستخبارات المتخصّصين في اللغات الأجنبية في غضون 5 سنوات فقط.

عندما تسلم ساريل القيادة رسميّاً في العام 2021، كانت وحدة "8200" تجري تجارب على علوم البيانات لأكثر من 7 سنوات، وفقاً لما ذكره 5 قادة سابقين. وكانت الوحدة منخرطة في الانفجار في الاتّصالات الرقمية التي وفّرت منجماً ذهبيّاً لوكالات الأمن القومي. وقد اكتسبت الوحدة النخبوية سمعة طيبة في جمع مجموعة من الرسائل المباشرة والرسائل الخاصَّة ورسائل البريد الإلكتروني وسجلّات المكالمات بوسائل إلكترونية محلّية تعدّ الأفضل في العالم.

بعد فشل الاتّصالات خلال حرب 2006 ضدّ حزب الله في لبنان، أعاد "الجيش" الإسرائيلي حساب استراتيجيته لتنسيق المعلومات والبيانات. ومع أنّ وحدات الاستخبارات لا تشارك المعلومات مع الجنود في ساحة المعركة عادة، وسعت وكالة التجسّس الإسرائيلية "الموساد" نطاق عملها، إلى جانب تطوير وحدة 8200 لقاعدة البيانات وتخزين المعلومات كافة في "مجمّع" مركزي.

مع بداية طفرة البيانات الضخمة في وادي السيليكون، بدأ المهندسون الإسرائيليون في تجربة أدوات استخراج البيانات الجاهزة التي يمكنها ترجمة وتحليل اللغتين العربية والفارسية. وجادل مسؤولو الوحدة "8200" ما إذا كان ينبغي لهم التعاقد مع خبراء أو بناء برامجهم الخاصّة، وفاز النهج الأخير. ولكن، وعلى الرغم من الاعتراف بالتقنية الحديثة على نطاق واسع باعتبارها واعدة، فقد كانت محدودة. في بعض الأحيان، وكان  حجم عمليّات التنصّت الهائل يربك محلّلي وحدة "8200". على سبيل المثال، غالباً ما استخدم أعضاء حركة "حماس" كلمة بطّيخ أو البطّيخ، ولم يكن البرنامج ذكيّاً بما يكفي لفهم الفرق بين محادثة حقيقية عن الفاكهة ومحادثة مشفّرة. وإذا كان النظام يسجّل ألف محادثة يومياً، فهل ثمّة من يريد حقاً أن يستمع عن كلّ بطّيخة في غزّة.

كذلك، عمل ساريل على تسريع جهود استخراج البيانات. كما دافع عن إعادة تنظيم واسعة النطاق قسّمت جهود الاستخبارات إلى ما أشار إليه القادة باسم "مصانع الذكاء الاصطناعي" الموجودة في "مركز أهداف"، الذي أنشئ حديثاً في قاعدة "نيفاتيم" الجوّية، حيث صمّمت كل مجموعة مئات من الخوارزميّات المخصّصة لتقنيّات التعلّم الآلي وتبادل تكهّنات البرامج. وكان "الجيش" قد استثمر في تقنيّات "سحابية" جديدة تعالج سيل المعلومات بسرعة، استعداداً للصراع المتوقّع مع حزب الله على الحدود الشمالية. وقد استخدم الجنود برنامج "هانتر" في ساحة المعركة الذي يسمح لهم الوصول المباشر إلى المعلومات، وتطبيقاً آخر للجوّال يسمّى "زد تيوب" الذي يمكّنهم مراجعة مقاطع فيديو حيّة للمناطق التي كانوا على وشك دخولها، وبرنامج "ماب آي تي"، الذي يزودهم بتقديرات عن الخسائر المدنية المحتملة في منطقة محدّدة أخليت.

وحدة "8200" تحتفظ منذ فترة طويلة ببنك أهداف مثبّتة بإحداثيّات نظام "جي بي أس"، في تحديد دقيق للبنية التحتية لحركة حماس وحزب الله وللأهداف البشرية كذلك في نفق معيّن، أو في مبنى سكني. وكانت صيانة بنك الأهداف تتطلّب جهداً مكثّفاً. كان لزاماً على المحلّلين أن يؤكّدوا نتائجهم من مصدرين مستقلّين على الأقلّ، وأن يحدثوا المعلومات باستمرار. ووفقاً لمطلعين على البرنامج، كان لا بدّ من التحقّق من أيّ عمل من قبل ضابط كبير ومحام عسكري لضمان امتثاله للقانون الدولي.

لقد استغرقت الاستخبارات سنوات عديدة لتحقيق هذا النوع من الأهداف، ولكن ماذا يحدث إذا درّبت الذكاء الاصطناعي على تقليد عمل الضابط الذي يقرّر عملية الاستهداف. وَحسب ما يقول مسؤول عسكري سابق مطّلع على عملية تشكيل لائحة الأهداف الجديدة، أنّها ترتكز على جمع عدد لا يحصى من الإشارات من أجهزة الاستشعار الموضوعة على الطائرات من دون طيار وطائرات "إف 35"، وأجهزة رصد الزلازل تحت الأرض، فضلاً عن الاتّصالات التي تعترض، وأرقام هواتف وملفّات تعريف الوسائط الاجتماعية، وجهات الاتّصال المعروفة، ومجموعات الدردشة، والمستندات الداخلية، وتوضع في برنامج يمكنه قراءة الأنماط والتكهن بما يمكن استهدافه. مثلاً، لقد دُرّبت خوارزمية التعرّف على الصور للبحث في آلاف الصور الفضائية لتحديد نوع معيّن من التمويه الذي استخدمه مقاتلو "حماس" لإخفاء أنفاقهم، ثمّ ضغطت المعلومات كلّها في 30 دقيقة لعمل يتطلّب تقليديّاً أسبوعاً على الأقلّ، وذلك بفضل كل أجهزة الاستشعار التي كانت بحوزتهم في كلّ مكان حول غزّة وفوقها، ليس إحاطة معلوماتية كاملة، ولكن، كان لديهم صورة جيّدة للغاية عمّا كان يحدث في الداخل.

يقوم برنامج "لافندر" الذي طُوّر في عام 2020، بفحص البيانات لإنتاج قوائم بالمقاتلين المحتملين لحركتي حماس والجهاد الإسلامي، بإعطاء كلّ مرشّح درجة تقدّر احتمالية أن يكون عضواً في إحدى المنظّمتين، وقال 3 من المطّلعين على عمل البرنامج لصحيفة "ذا بوست"، إنّ العوامل التي قد ترفع من درجة الشخص تتضمّن الانضمام إلى مجموعة واتساب مع مسلّح معروف، أو تبديل العناوين وأرقام الهواتف بتكرار، أو أنّ اسمه لحظ في ملفّات حركة حماس. لذلك كان بعض القادة قلقين بشأن دقة هذه الخوارزميّاتِ. وقد كشفت إحدى عمليّات التدقيق على تقنية معالجة اللغة أنّ التكهن الذي تقدّمه البرمجيّات ليس دقيقاً مثل ما يفعل الضابط البشري. وقد أعرب آخرون عن قلقهم من أنّ التوقّعات التي يتوصّل إليها البرنامج تحظى بأهمية أكبر ممّا ينبغي. ففي العادة، كان قسم الأبحاث يصدر تقارير استخبارية يومية ليقوم كبار القادة بمراجعة الأهداف المحتملة. ولكن، على الرغم من أنّ المحلّل الفردي يمكنه مراجعة المعلومات التي أدّت إلى التكهّن، لكن، كبار القادة لم يخبروا بما إذا كانت التوصية مستمدّة من خلال خوارزميّة، أو من خلال المصادر البشرية.

ويقول مسؤول كبير سابق: "لقد تمّ التعامل مع كلّ شيء على أنّه واحد. ولست متأكّداً حتّى من أنّ الشخص الذي أعدّ التقرير كان يعرف الفرق بين أجزاء المعلومات. إنّ التركيز على التكنولوجيا أدّى إلى تآكل ثقافة التحذير في وحدة 8200، وحتّى المحلّلِين من المستوى المنخفض كانوا قادرين بسهولة على إطلاع كبار القادة على المخاوف والمحاذير. وهذا التحوّل يشير إلى سبب مهمّ جعل إسرائيل تُفاجأ بهجوم 7 تشرين الأوّل/ أكتوبر 2023، حيث لم تتمكّن المحلّلة الخبيرة التي كشفت عن خطط حماس الميدانية لاقتحام حدود إسرائيل من الحصول على اجتماع مع كبار قادة الوحدة في الوقت الملائم".

يقول الصحفي الإسرائيلي بن كاسبيت الذي أجرى مقابلات مع كلّ قائد حيّ من وحدة "8200"، إنه "لا يمكنك استبدال الرجل الذي يصرخ قائلاً، اسمع، هذا أمر خطير، بكلّ تقنيّات الذكاء الاصطناعي المتقدّمة في العالم، وهذا الذي تسبّب بإصابة الوحدة بأكملها بالغطرسة".

في العام الماضي، تفاخر رئيس أركان "الجيش" المتقاعد أفيف كوهافي، أمام إحدى وسائل الإعلام بأنّ أنظمة الذكاء الاصطناعي الجديدة منحت "الجيش" الإسرائيلي جهاز استخبارات فائق التطوّر و"يشبه فيلم" ماتريكس". وقال إنّ المحلّلين يستطيعون إنتاج 50 هدفاً جديداً في غزّة سنوياً لوضعها في بنك الأهداف، لكن الخوارزميّات بمجرّد تفعيلها تنتج 100 هدف يوميّاً.

في حزيران/يونيو في عام 2021، حظيت "إسرائيل" بأوّل فرصة لإطلاق العنان لبنك الأهداف الجديد الذي يعمل بالخوارزميّات، واستخدمتها في حرب استمرّت 11 يوماً لضرب 450 هدفاً، من ضمنها قائد فرقة صواريخ "حماس" ووحدات الصواريخ المضادة للدبابات التابعة للمجموعة، وفقاً لمحاضرة ألقاها قائد وحدة "8200" في جامعة "تلّ أبيب" آنذاك، حيث استغلّ كبار القادة هذه اللحظة كفرصة ترويجية لعمليات تطوير الذكاء الاصطناعي الجارية في "نيفاتيم"، وداخل مقرّ وحدة 8200 شمال "تلّ أبيب". وجلّ ما أرادوا الحديث عنه هو خوضهم "أوّل حرب ذكاء اصطناعي في العالم".

إنّ المعاهدات التي لم تصادق عليها "إسرائيل" إلا جزئيّاً لا تذكر شيئاً عن الذكاء الاصطناعي. وفي بيان صدر هذا الصيف، قال "الجيش" الإسرائيلي إنّ معالجة البيانات الاستخبارية العسكرية "تتوافق مع تعريف القانون الدولي للهدف المشروع". لكن وباعتراف إسرائيلي، أدّى الذكاء الاصطناعي دوراً كبيراً في عملية الاستهداف في غزّة. ففي غضون أيام بعد هجمات السابع من تشرين الأوّل/أكتوبر في العام الماضي، انهالت على القطاع القنابل الضخمة المصنّعة في الولايات المتّحدة والتي يبلغ وزنها 2000 رطل. وبعد نحو شهر أعلن "الجيش" الإسرائيلي أنّ خوارزمية "غوسبل" ساعدته على قصف 12 ألف هدف في غزّة. وفي بيان صحفي، تضمّن موسيقى درامية وفيديو لمبانٍ تنفجر، أعلن "الجيش" الإسرائيلي عن "تعاون هو الأوّل من نوعه، حيث زُوّدت القوّات على الأرض، وفي الجوّ وفي البحر بالمعلومات الاستخبارية من مصنع الأهداف بالذكاء الاصطناعي في الوقت الحقيقي، ما أتاح تنفيذ مئات الهجمات في لحظة".

وقال آدم راز، المؤرّخ الإسرائيلي الذي أجرى مقابلات مع جنود وقّادة حول استخدام الذكاء الاصطناعي في طائرات وحدة 8200، إنّها كانت تضرب هدفين تقريباً في الدقيقة ما عدّه معدّلاً مذهلاً.

وقال ضابط إسرائيلي، إنّه في الأيّام الأولى من الحرب، كان مصنع الأهداف يعمل بكامل طاقته، وكان يعمل به نحو 300 جندي على مدار الساعة. وكان مطلوباً من العديد من المحلّلين التحقّق من الأهداف الموصى بها من برنامج "لافندر"، وهي عملية قد تستغرق من 3 دقائق إلى 5 ساعات، فألغيت هذه القاعدة التي تلزم باستخدام جزأين من المعلومات الاستخبارية البشرية، للتأكّد من صحّة التكهّن الذي ورد من الخوارزمية، وفي بعض الحالات الجنود الذين تلقّوا تدريباً سيئاً في استخدام التكنولوجيا هاجموا أهدافاً بشرية من دون التحقّق إطلاقاً. وفي أحيان أخرى، كان التأكيد الوحيد المطلوب هو أن يكون الهدف رجلاً.

ضابط آخر قال إنّه في بداية الحرب، وباستخدام الذكاء الاصطناعي قلّصوا العمل إلى النصف وهو أمر جيّد. لكن، المشكلة أنّهم في بعض الأحيان قلّصوا العمل البشري بالكامل. ورغم أنّ مطابقات الصور التي يتكهّن فيها "لافندر" عن أشخاص باعتبارهم أعضاء محتملين في حركة "حماس" بدت دقيقة،  فإنّ بعض الجنود أعربوا عن قلقهم من اعتماد "الجيش" فقط على التكنولوجيا من دون التأكّد من أنّ هؤلاء الأشخاص ما زالوا أعضاء ناشطين في المنظّمَةِ المذكورة. وباستخدام إشارة مرور حمراء وصفراء وخضراء، سوف يومض النظام باللون الأخضر إذا كان معدّل إشغال المبنى 25% أو أقلّ، وهي عتبة تعدّ كافية لتمريرها إلى القائد لاتخاذ القرار بشأن ما إذا كان سيتمّ القصف أم لا.

وفي مرحلة ما، صدرت الأوامر لوحدة هذا الضابط باستخدام برنامج لتقدير الخسائر المدنية في حملة قصف استهدفت نحو 50 مبنى في شمال غزّة. وقد أعطيت لمحلّلي الوحدة صيغة بسيطة، قسم عدد الأشخاص في منطقة ما على عدد الأشخاص المقدّر أنّهُم يعيشون هناك، ثم قم باشتقاق الرقم الأوّل من خلال حساب الهواتف المحمولة المتّصلة ببرج خلويّ قريب.

وأضاف الضابط، أنّه شعر بالذهول إزاء ما عدّه تحليلاً مبسّطاً للغاية، ولم يأخذ في الاعتبار ما إذا كان الهاتف المحمول قد يكون مغلقاً، أو قد نفدت منه الطاقة أو أنّ هناك أطفالاً  في المكان. ومن دون الذكاء الاصطناعي ربّما اتصل "الجيش" بالأشخاص لمعرفة ما إذا كانوا في منازلهم، وهو جهد يدويّ كان ليكون أكثر دقّة لكنّه "يستغرق وقتاً أطول بكثير"، حسب ما قالت هايدي خلف، وهي منتقدة صريحة لـ"إسرائيل" وكبيرة علماء الذكاء الاصطناعي في "معهد الذكاء الاصطناعي".

نقلته إلى العربية: حسين قطايا

في السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023 أعلنت كتائب القسام معركة "طوفان الأقصى"، فاقتحمت المستوطنات الإسرائيلية في غلاف غزة، وأسرت جنوداً ومستوطنين إسرائيليين. قامت "إسرائيل" بعدها بحملة انتقام وحشية ضد القطاع، في عدوانٍ قتل وأصاب عشرات الآلاف من الفلسطينيين.