"هآرتس": استهداف "تل أبيب" بمسيّرة يشير إلى مرحلة جديدة في حرب 7 أكتوبر
استهداف "تل أبيب" بمسيّرة متفجّرة فجراً (الجمعة) يعكس مرحلة جديدة من الحرب الدائرة منذ 7 أكتوبر، مع إعلان اليمن أنّها من الآن ستكون هدفاً أساسياً لهجماته.
صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية، تنشر مقالاً لمحلّل الشؤون العسكرية لديها، عاموس هرئل، يتحدّث فيه عن استهداف "تل أبيب" بالمسيّرة اليمنية، وكيف سيكون هذا الاستهداف البداية لمرحلة جديدة في حرب 7 أكتوبر.
أدناه نص المقال منقولاً إلى العربية بتصرّف:
أعلن اليمنيون أنّه من الآن ستكون "تل أبيب" هدفاً أساسياً لهجماتهم، وبالنسبة لإيران هذه صفقة ممتازة في وقتٍ أُجبرت فيه "إسرائيل" على استغلال مواردها القتالية في ساحات أخرى، من دون التقليل من الخطأ الفادح الذي أدى إلى مقتل أحدهم، التهديد الأخطر للمسيّرات ما زال في شمالي البلاد.
استهداف "تل أبيب" بمسيّرة متفجّرة فجراً (الجمعة) يعكس مرحلة جديدة من الحرب الدائرة بين "إسرائيل" وأعدائها منذ 7 أكتوبر، والآخذة باتخاذ "هيئة حرب إقليمية ومتعددة الساحات"، في الانفجار، قرب مبنى السفارة الأميركية، قتل شخص وأُصيب 8 من جراء الشظايا.
"تل أبيب" و"غوش دان" سبق أن أصبحتا وجهة لصليات صواريخ حماس في غزّة منذ بداية الحرب، لكن مع دخول "الجيش" الإسرائيلي قطاع غزّة تراجع كثيراً التهديد على وسط البلاد، فيما حزب الله، الذي يتفادى حتى الآن حرباً شاملة، لم يهاجم جنوبي خط بحيرة طبريا، أمّا اليمنيون فركّزوا حتى الآن على محاولات الإطلاق على منطقة "إيلات".
دماء سكان "تل أبيب" ليست أشدّ حمرة من دماء سكان "كريات شمونة" و"كيبوتسات" على الحدود الشمالية، التي تتعرّض لهجمات بالصواريخ والمسيّرات يومياً، إلى جانب جنود "الجيش" الإسرائيلي هناك (غالبية هذه المستوطنات أُخليت من معظم سكانها مطلع الحرب، نظراً لهذا التهديد).
والآن، حقيقة أنّ الأمر يتعلّق باستهداف استثنائي لوسط البلاد أثار اهتماماً إعلامياً دراماتيكاً، ففي بعض الاستوديوهات وشبكات التواصل الاجتماعي جرى تداول مطلب مزدوج: "إعلان حرب على من يقف خلف عملية الإطلاق الفتّاكة"، و"قطع رؤوس المسؤولين عن فشل منظومة الدفاع الجوّي، التي لم تفعّل".
هذا الصباح تبنّى اليمنيون مسؤولية إطلاق المسيّرة، التي على حد قولهم كانت من طراز جديد، اسمها "يافا"، وقال المتحدث باسمهم إنّ المسيّرة نجحت بتجاوز منظومات الدفاع الإسرائيلية، وأعلن "إسرائيل" هدفاً أساسياً للهجمات من الآن فصاعداً.
منذ بداية الحرب، تتعلّم "إسرائيل" تدريجياً ما تعلّمته قبلها السعودية والإمارات في حربهما الطويلة ضد اليمنيين، إلى جانب السلطة المركزية، فاليمنيون عدو حازم، يصعب ردعه، ويبذلون مساعي عديدة في الحرب النفسية، ويتزوّدون بسلاح بعيد المدى وتدريجيّ ذكي نسبياً.
مطلع الحرب بدأ اليمنيون بمهاجمة السفن في المحيط الهندي والبحر الأحمر، دعماً لغزّة التي تقصف وعقاباً لـ "إسرائيل"، وفعلياً، نجحوا بشلّ معظم حركة النقل البحري عبر البحر الأحمر وقناة السويس وإيقاف مرفأ "إيلات" كلياً.
دفع الغرب، وشركات الشحن الدولية، ثمناً باهظاً، فإطالة مسارات الإبحار من الشرق الأقصى إلى أوروبا، حول أفريقيا، رفع التكاليف كثيراً، فيما ردّت الولايات المتحدة الأميركية، بريطانيا وغيرها من دول الغرب بمهاجمة عدّة أهداف في اليمن، لكنها لم تنجح حتى اليوم بثني اليمنيين أو بإنهاء الأزمة.
"إسرائيل" يمكنها، من حيث المبدأ، استهداف أهداف يمنية من الجو، والسؤال سيكون ما هي القيمة المضافة لإجراءات إسرائيلية من هذا القبيل، بعد الهجمات الغربية؟ يجب أن توزّع "إسرائيل" مواردها القتالية على ساحات أخرى، بعضها تبدو ملحة جداً في الوقت الراهن: الحرب على حماس، وأكثر من ذلك احتمال تطوّر حرب شاملة مع حزب الله، ومن خلفه إيران والعراق وسوريا.
عقدة أخرى تتعلق بالحاجة للانتباه الأميركي لتنسيق إجراءات إقليمية، فالسباق الرئاسي الأميركي دخل مرحلة مصيرية على خلفية مؤتمرات أكبر حزبين، ومحاولة الاغتيال الفاشلة لدونالد ترامب، وأكثر من ذلك احتمال أن ينسحب جو بايدن قريباً من السباق، نظراً لعمره ووضعه الصحي، بالإضافة إلى نتنياهو الذي يصرّ على الذهاب إلى واشنطن الأسبوع المقبل لإلقاء خطاب في الكونغرس، قد يجد هناك رئيساً ربما يكون محجوراً لإصابته بكورونا ويدرس الاستقالة عموماً، فمن غير الواضح إلى أيّ مدى يمكن الآن تنسيق إجراءات مع الإدارة، التي تضغط من جانبها على "إسرائيل" للتوصّل إلى صفقة الأسرى مع حماس ووقف إطلاق النار في القطاع ولبنان.
جميع الاحتمالات واردة
يقف خلف استهداف "تل أبيب" بمسيّرة، كما اعترفوا في الحال في سلاح الجو، فشل مدوٍ في تشغيل منظومات الدفاع الجوّي. ويُظهر تحقيق أوليّ أنّه تم رصد المسيّرة وهي في طريقها إلـى "إسرائيل"، لكن لسبب لم يتضح بعد لم يفعّل الإنذار، لم تشخّص المسيّرة كتهديد ولم تتم محاولة إسقاطها، في تلك الساعات أسقط سلاح الجو هدفاً جوياً آخر، حلّق من الشرق إلى "الأراضي الإسرائيلية"، وصباح الأمس أسقط الأميركيون 3 مسيّرات وصواريخ جوّالة أطلقت من اليمن شمالاً، على ما يبدو في اتجاه "إسرائيل".
مسار المسيّرة التي انفجرت في "تل أبيب" لم يتضح بعد كلياً، يرجح أنّها دخلت من الجنوب لكنْ هناك احتمال بأنّها سلكت مساراً من الشرق، ربما بالتعاون بين اليمنيين والعراقيين، وفي "إسرائيل" يدرسون أيضاً طراز المسيّرة ومدى قدرة تسييرها عن بعد، لذلك ما زال من الصعب معرفة إن كانت هناك محاولة استهداف مركّزة للسفارة الأميركية القريبة من ساحة الانفجار.
التوضيح الأوّلي في سلاح الجو للفشل أشار إلى "خطأ بشري"، ما زال قيد التحقيق، وبعد الكشف، جميع الإجراءات تلزم بتركيز المنظومات ومحاولات إزالة التهديد عبر إسقاط المسيّرة، الأمر الذي لم يُنجز، وهناك بالتأكيد خطأ فادح جداً أدى إلى مقتل أحدهم وإصابة آخرين، هذا ما لم نأتِ على ذكر تضرّر الشعور بالأمن الذاتي للإسرائيليين.
في الواقع حيال المسيّرات بعيدة المدى، كتلك التي يطلقها اليمنيون، سجّل سلاح الجوّ حتى اليوم نجاحات اعتراض عديدة عبر طائرات، مروحيات ومنظومات دفاع جوي، والعقدة الأساس، التي أدت أيضاً إلى إصابات عديدة، تتعلق بمسيّرات أطلقها حزب الله من لبنان، ذات المدى الأقصر، حيث حلّقت المسيّرات ببطء، على ارتفاع منخفض وتركت "بصمة" رادار ضعيفة جداً، ومع ذلك، هذا ليس مبرّراً لما حدث الليلة في "تل أبيب".