"ريا نوفوستي": لا أسف على أهل البلاد، لكن موت "الأشخاص البيض" دفع الغرب للتفكير في السلام

تغيّر كل شيء بعد مقتل عدد من المواطنين الغربيين في غزة، لم يعد الأمر يتعلق بمصرع آلاف الأطفال الفلسطينيين، فهذه مسألة يمكن للسياسيين الغربيين أن يغضوا الطرف عنها لعدة أشهر.

  • جوازات سفر بريطانية وبولندية وأسترالية تخص عمال الإغاثة الغربيين الذين قتلتهم
    جوازات سفر بريطانية وبولندية وأسترالية تخص عمال الإغاثة الغربيين الذين قتلتهم "إسرائيل" في قطاع غزة

تحت عنوان "لا أسف على أهل البلاد، لكن موت الأشخاص البيض دفع الغرب للتفكير في السلام"، يكتب فلاديمير كورنيلوف مقالاً في موقع وكالة "ريا نوفوستي" الروسية، يتحدث فيه عن مقتل عدد من عمال الإغاثة الدولية في غزة بنيران "الجيش" الإسرائيلي، وكيف أن هذا الحدث كان مستفزاً للدول الغربية للوم "إسرائيل" لأن المقتولين من "الأشخاص البيض" بينما لم تستفزهم شهور من الإبادة الجماعية بحق الفلسطينيين في غزة.

فيما يلي نص المقال منقولاً إلى العربية:

اكتشف الغرب، فجأة، دلائل على الإبادة الجماعية في أعمال "إسرائيل" العسكرية في قطاع غزة. أثار فجأة كذلك مسألة وقف توريد الأسلحة إلى الحكومة الإسرائيلية. حدث ذلك بالضبط بعد 6 أشهر من بدء الحرب في تلك المنطقة، أي أن 6 أشهر من الغارات والقتل الجماعي للنساء والأطفال لم تسبب أي ردة فعل أخلاقية في الغرب. لكن تغير كل شيء بعد 3 ضربات شنها "الجيش" الإسرائيلي على 3 مركبات تابعة لقافلة إنسانية الأسبوع الفائت. فجأة مات "الأشخاص البيض"، وهم عدد من مواطني الدول الغربية يعملون من منظمة "المطبخ المركزي العالمي" الخيرية.

هكذا تغيّر كل شيء! لم يعد الأمر يتعلق بمصرع آلاف الأطفال الفلسطينيين، فهذه مسألة يمكن للسياسيين الغربيين أن يغضوا الطرف عنها لعدة أشهر.

من قبل، كان الجدل يدور حول طبيعة قصف قطاع غزة وضرورة وقف تسليح "إسرائيل". وقد اتخذت بعض الحكومات قرارات بهذا الشأن، حيث أصدرت محكمة في هولندا، على سبيل المثال، في شباط/فبراير الماضي حكماً يحظر توريد قطع الغيار للطائرات العسكرية الإسرائيلية. ولكن بعد الضربات التي استهدفت قافلة إنسانية، اتخذت طبيعة النقاش طابعاً مختلفاً تماماً، وانتقلت إلى أعلى المستويات.

على سبيل المثال، في بريطانيا خرجت بعض الصحف بصفحاتها الأولى تصرخ: "أوقفوا مبيعات الأسلحة لإسرائيل فوراً!" أي أنه نتيجة الهجوم على القافلة قُتل 3 مواطنين بريطانيين، وانفجرت الصحافة المحلية على الفور بمطالب كهذه وبرسوم توضيحية تتناول موضوع "التبادل" بين لندن والقدس: صواريخ مقابل توابيت تحمل الأعلام البريطانية.

وقد طُلب على الفور من رئيس الوزراء البريطاني ريشي سوناك وقف مبيعات الأسلحة، ولا تأتي مثل هذه المطالب من المعارضة فحسب، بل من ممثلي حزبه أيضاً. ووقع أكثر من 600 محام على عريضة من 17 صفحة بهذا الطلب، من بينهم 3 أعضاء سابقين في المحكمة البريطانية العليا. يقولون فيها إن استمرار إمداد "إسرائيل" بالأسلحة في ظل هذه الظروف يعد انتهاكاً للقانون الدولي ويساهم في الإبادة الجماعية.

ومن المهم بشكل خاص كيف أدى هذا النقاش العام إلى مناوشات بالمراسلة بين رئيسي وزراء بريطانيين سابقين، كان أحدهما وزيراً للخارجية، والثاني يشغل هذا المنصب حالياً بالفعل. نحن نتحدث عن بوريس جونسون وديفيد كاميرون. كتب جونسون عموداً عاطفياً وساخراً للغاية في صحيفة "ديلي ميل"، وصف فيه الدعوات إلى فرض حظر على إمدادات الأسلحة لإسرائيل بأنها "جنون"، واتهم أصحاب هذه الدعوات بـ "دعم الإرهاب".

وتكمن سخرية هذا المقال في استهزائه الصريح بالقانون الإنساني الدولي. يتذكر جونسون كيف أن الغرب لم يهتم على الإطلاق بآلاف القتلى المدنيين في ليبيا عندما قصفتها دول الناتو. وعليه، علينا أن نغض الطرف عن مقتل آلاف الفلسطينيين في قطاع غزة. كما أن هذا المتهوّر المسؤول عن مقتل الأوكرانيين، الذين دفعهم لتنفيذ السيناريو الدموي، يكتب عن الأمر بشكل شبه مباشر.

ويهاجم جونسون علناً رئيسه السابق كاميرون، متهماً إياه بعدم رفض التصريحات المتعلقة بوقف إمدادات الأسلحة إلى "إسرائيل" بشكل حاسم. وكان رد الوزير الحالي فورياً. وفي اليوم التالي حرفياً، ظهر عمود كاميرون في صحيفة "صنداي تايمز" تحت عنوان مميز: "لدينا قوانين إنسانية. وعلى إسرائيل أن تحترمها". أي أن المناوشات المباشرة مع جونسون بدأت.

بالإضافة إلى ذلك، بدأ كاميرون مقالته على وجه التحديد بمصرع 3 بريطانيين في قطاع غزة. ليس بمقتل الأطفال، ومعاناة آلاف المدنيين، وليس من الجوع وإساءة معاملة كبار السن. كل هذا ثانوي بالنسبة للندن. وفي نهاية المطاف، قال وزير الخارجية البريطاني إنه يؤيد "حق إسرائيل في الدفاع عن النفس"، لكنه أضاف: "بالطبع، دعمنا ليس غير مشروط: نحن نتوقع أن تحترم هذه الديمقراطية الفخورة والناجحة القانون الإنساني الدولي". ثم قدّم كاميرون تلميحاً مباشراً إلى احتمال سحب الدعم.

من المؤكد أن مثل هذه المناقشات الغاضبة على أعلى المستويات لم تبدأ في بريطانيا إلا بعد مقتل 3 مواطنين. ذلك تحديداً ما جعل البريطانيين عاطفيين للغاية. وقد اندلعت نقاشات مماثلة في الدول التي تزود "إسرائيل" بأكبر قدر من الأسلحة، أي في الولايات المتحدة وألمانيا. وهناك أيضًا رفعت دعاوى قضائية في المحاكم وبدأت المناقشات على مستوى الهياكل السياسية. ومن اللافت جداً أن الدول والسياسيين والأحزاب نفسها التي تغض الطرف عن جرائم قتل المدنيين التي يرتكبها النظام الأوكراني منذ 10 سنوات، فجأة أبصرت النور حول معاناة الفلسطينيين. فقط لأن عدداً من المواطنين الغربيين قتلوا في قطاع غزة!

وفي هذا الصدد، فإن الاعتراف المذكور أعلاه بمعايير الغرب المزدوجة التي أظهرها بوريس جونسون له قيمة خاصة. الرجل المصاب بالكذب المَرَضي، لم يكذب عندما كتب: "القانون الإنساني؟ إنه أمر مضحك!". دعونا نتذكر أن جونسون هذا هو نفسه أشار إلى "القانون الدولي" عندما برر دعمه لأوكرانيا. لكنه في الوقت نفسه كان يؤكد دائماً أنه لن يرسل جنوداً بريطانيين للقتال من أجل أوكرانيا حتى لا يموت هؤلاء "الأشخاص البيض".

ولم يفكر الغرب قط في حياة أهل البلاد، سواء أكانوا ليبيين، أو عرباً، أو أوكرانيين. ولهذا السبب، منع بوريس جونسون نفسه، كرئيس للوزراء، عملاء كييف في الغرب من التوقيع على اتفاقية سلام من شأنها أن توقف إراقة الدماء. ولهذا السبب يواصل الغرب إمداد أوكرانيا بالأسلحة، فالغربيون لا يبالون بأهل البلاد ولا يشعرون بالأسف تجاههم، ولا يهتمون بالقانون الإنساني. وهذا ما أكده جونسون الآن بسخرية.

 

نقلها إلى العربية: عماد الدين رائف.

في السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023 أعلنت كتائب القسام معركة "طوفان الأقصى"، فاقتحمت المستوطنات الإسرائيلية في غلاف غزة، وأسرت جنوداً ومستوطنين إسرائيليين. قامت "إسرائيل" بعدها بحملة انتقام وحشية ضد القطاع، في عدوانٍ قتل وأصاب عشرات الآلاف من الفلسطينيين.