"بوليتيكو": المظلتان النوويتان الفرنسية والبريطانية غير قادرتين على حماية أوروبا

إنّ المظلات النووية لفرنسا وبريطانيا جيدة بما فيه الكفاية، ولكن الحقيقة هي أنّها تكفي لتغطية فرنسا والمملكة المتحدة فقط، والأمر سيتطلب أكثر من مجرد الردع النووي الفرنسي والبريطاني للدفاع عن القارة من دون الولايات المتحدة.

  • الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون
    الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون

صحيفة "بوليتيكو" الأميركية تنشر مقالاً للكاتب ديريك وايت، يتحدث فيه عن القدرات النووية لفرنسا والمملكة المتحدة، على خلفية تصريح الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، والذي تضمّن تهديدات باستخدام سلاح الردع النووي. 

أدناه نص المقال منقولاً إلى العربية:

ينشط الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون من أجل أجل منع روسيا من الانتصار في الحرب الأوكرانية. وهو لا يتورّع عن استعراض سياسي، يتضمن تهديدات باستخدام سلاح الردع النووي، كما قال، في كلمته مؤخراً في جامعة "السوربون" في باريس، بحيث أكد أنّ "أوروبا تحتاج إلى دفاعاتها النووية الخاصة، ويمكن لفرنسا أن تؤدي دوراً حيوياً في هذا المجال".

لكنّ ماكرون لم يوضح طبيعة الدور الحيوي للدفاع عن أوروبا عبر أسلحة الدمار الشامل، لكنه استدرك الأمر لاحقاً، وتعهَّد إجراء مباحثات معمقة في القمة المقبلة لقادة الدول الأوروبية بشأن الكيفية التي يمكن عبرها للردع النووي الفرنسي أن يساهم في الأمن الأوروبي. وأشار إلى أن النقاش يحتاج إلى أشهر.

السؤال، الذي لا بد منه، هو: هل يمكن لماكرون أن يدعو بريطانيا إلى انتهاج سياسة مماثلة كونها تمتلك أيضاً ترسانة نووية؟ لكن بريطانيا، على عكس فرنسا، أوضحت سياستها بشأن استخدام رادعها النووي للدفاع عن النفس أو عن حلفائها. وهي خصصت، منذ عام 1962، أسلحتها النووية ضمن القوة الدفاعية لحلف "الناتو"، لكن من غير المتصوَّر أن تستخدم بريطانيا أسلحتها النووية في حالة وقوع هجوم على أحد أعضاء حلف "الناتو"، ولم يستهدفها مباشرة.

الرؤوس الحربية النووية البريطانية محمولة على صواريخ "ترايدنت" على متن غواصات "فانغارد"، غير القابلة للاكتشاف في أثناء القيام بمهماتها (في عمق البحار). وإحداها في حالة إبحار دوري، وعلى استعداد لإطلاق رؤوس حربية ذات قوة تفجيرية عالية، تعادل كل منها 6 أضعاف قوة القنبلة الأميركية، التي ألقتها على هيروشيما اليابانية، في أثناء الحرب العالمية الثانية. وهي مصمَّمة من أجل تدمير مدن العدو في عمل انتقامي لهجوم نووي على المملكة المتحدة. لكن، بما أنّ الهدف العام هو ردع العدو عن شن هجوم نووي في المقام الأول، فإذا حدث فإن الاستراتيجية تكون تخلخلت. ومع ذلك، يُعتقد، على نطاق ضيق، أنّ لندن ستطلق - بالفعل - صواريخ نووية ضد المدن الروسية إذا هاجمت موسكو أولاً بريطانيا أو أحد حلفاء "الناتو".

لكن غواصة "فانغارد"، في حال أطلقت صواريخ "ترايدنت"، فهي تخاطر في كشف موقعها، على نحو يمنح القوات الروسية الفرصة في تدميرها. وبما أنّ من المرجح أن يكون لدى المملكة المتحدة غواصة واحدة مسلحة نووياً في البحر، فقد ينتهي الأمر بالتضحية بقدرتها على الرد، أو ردع أي هجوم نووي على شواطئها.

لهذا، ما تقوله السياسة الرسمية البريطانية بشأن استخدامها أسلحتها النووية في حالة وقوع هجوم على أحد حلفائها ليس أمراً مؤكداً أو جدياً بالقدر الكافي، فقد تكون صواريخ "ترايدانت" رادعاً فعالاً للضربات لحماية المملكة المتحدة، لكنها لا توفر حماية ثمينة لحلفائها.

من ناحية أخرى، تمتلك فرنسا أسلحة نووية أكثر من تلك التي تمتلكها المملكة المتحدة، وتنشر أغلبية رؤوسها الحربية على متن غواصات "لو تريومفانت"، وأخرى على حاملات الطائرات أو في القواعد الأرضية. ومع ذلك، فإنّ فرنسا لم "تعلن" أو "تخصص" أسلحتها النووية للدفاع عن الحلفاء في "الناتو"، وهي حاضرة للدفاع عن فرنسا وحدها. وحتى وقت قريب، لم تتظاهر الحكومات الفرنسية قطُّ بغير ذلك.

لكن، كي نفهم حقاً ما كان يريده ماكرون من خطابه في جامعة "السوربون"، يتعين علينا أن نتذكر خطابه في قصر الإليزيه، في عام 2020، حين لـمّح إلى أنّ فرنسا قد تستخدم السلاح النووي للدفاع عن حلفائها الأوروبيين، مؤكداً، في الوقت عينه، أنّ الردع النووي هو الملاذ الأخير لحماية المصالح الحيوية للبلاد، التي لها بعد أوروبي الآن.

ينسخ الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، بصورة أو بأخرى، سياسة المملكة المتحدة في هذا الموضوع. وتتقاطع باريس مع لندن فيما يتصل بالمخاطر التي قد يتعرض لها الدفاع الأوروبي، في حال تم فك الارتباط بالحماية الأميركية، بالإضافة إلى مخاطر أن تقوم روسيا بالهيمنة على الحلفاء الأوروبيين، غير المسلحين نووياً، من خلال التهديد أو استخدام الأسلحة النووية المحدودة، وخصوصاً أنّ العقيدة العسكرية والأمنية الروسية الحالية تجيز استخدام الأسلحة النووية التكتيكية ذات القوة المنخفضة، كوسيلة يمكن السيطرة عليها، من أجل تحقيق نتائج في ساحة المعركة، وإنهاء الأعمال العدوانية. ووفقاً لوثائق روسية تم تسريبها مؤخراً، فإنّ الاعتداء على الأصول العسكرية التقليدية الروسية، مثل المطارات، قد يؤدي إلى رد فعل نووي تكتيكي. ويُذكَر أنّه قبل بضعة أسابيع فقط، أعلن الكرملين إجراء تدريبات على الأسلحة النووية التكتيكية لتحسين استعدادها للقتال.

في الوقت الحالي، لا تمتلك فرنسا أسلحة نووية تكتيكية خاصة بها لتوفير رد محدود أو متدرج على استخدام روسيا هذه الأسلحة. وربما يكون هذا السبب هو وراء استبعاد ماكرون أي استخدام لهذه الأسلحة في ساحة المعركة، في خطابه عام 2020، لأنه يدرك أنّ أوروبا لن يكون لديها ببساطة أي رد فعل مماثل على استخدام روسيا للأسلحة النووية التكتيكية. وعلى الرغم من امتلاك فرنسا ترسانة نووية أكبر من المملكة المتحدة، فإنّ هذا سيكون العامل الرئيس، الذي من شأنه أن يعمل ضد قيام فرنسا بشن ضربة نووية على روسيا دفاعاً عن حلفائها. حتى إنّ روسيا لا تصدق أنّ فرنسا قد تتجرأ على شن ضربات نووية ضد مدنها رداً على ضربات نووية تكتيكية تشنها روسيا على قواعد عسكرية في منطقة البلطيق مثلاً.

إنّ المظلتين النوويتين لفرنسا وبريطانيا جيدتان بما فيه الكفاية، لكن الحقيقة هي أنّهما تكفيان لتغطية (وحماية) فرنسا والمملكة المتحدة فقط.