"بروكينغز": الجامعات قصور للشعب لا أكياس ملاكمة سياسية
صنّاع السياسات العدوانيون ذوو النوايا السيئة، يستخدمون الكلّيات والجامعات كأكياس ملاكمة سياسية، وثقة الأميركيين في التعليم العالي تراجعت في الآونة الأخيرة.
مؤسسة "بروكينغز" الفكرية الأميركية تنشر مقالاً لـ نيل لويس جونيور، وهو أستاذ جامعي أميركي، تحدّث فيه عن الضغط الذي يمارسه القادة السياسيون والمانحون على الجامعات الأميركية، وعلى قرارتها.
أدناه نص المقال منقولاً إلى العربية بتصرّف:
كان العام الدراسي 2023 - 2024 بمثابة زوبعة للكلّيات والجامعات الأميركية. لقد كان عاماً انقضّ فيه السياسيون واستبدلوا قادة الجامعات بحلفائهم السياسيين. لقد كان عاماً حاول فيه بعض هؤلاء القادة السياسيين حظر بعض التخصصات الأكاديمية لأنه لا تناسبهم الدروس التي تعلّمها تلك التخصصات. وبطبيعة الحال، كان هذا العام حيث اضطر رؤساء بعض المؤسسات الأكاديمية الأكثر شهرة إلى الاستقالة بسبب الضغوط السياسية والمانحين. إن القول بأن هذا العام كان صعباً سيكون بخساً. بالنسبة لقادة الجامعات على وجه الخصوص، كان هذا العام بمثابة اختبار لأرواحهم.
ولوقف موجة الهجمات على التعليم العالي، حاول بعض قادة الجامعات المساومة مع المهاجمين. في تكساس، على سبيل المثال، بعد ملاحظة أنّ "المناخ التشريعي تجاه التعليم العالي يتحرّك"، أمر رئيس جامعة تكساس في أوستن بتسريح أعداد كبيرة من الموظفين الذين عملوا في مبادرات التنوّع والمساواة والشمولية. لقد فعل ذلك لأنّ المشرّعين في تكساس اعتادوا على اتخاذ إجراءات صارمة ضد هذا النوع من المبادرات، وبالتالي، فهو يأمل أن يؤدي ذلك إلى إبقاء الجامعة بعيداً عن مرماهم في المستقبل.
المسؤولون في تكساس ليسوا الوحيدين الذين حاولوا عقد صفقات ضمنية مع المشرّعين المهاجمين. ففي نيويورك، تراجعت رئيسة جامعة كولومبيا في شهادتها أمام الكونغرس عندما حاولت - الأمر الذي أثار استياء طلابها وأعضاء هيئة التدريس - إقناع المشرّعين بأنّها ستتخذ إجراءات صارمة ضد منتقدي النهج الإسرائيلي في الحرب في غزة. مثل نظيرتها في تكساس، يبدو أنها اتخذت قراراً يعفيها من الاضطرار إلى الاستقالة كما فعل زملاؤها في جامعة هارفارد وبنسيلفانيا قبل بضعة أشهر.
لقد كان من المثير للاهتمام رؤية قادة الجامعات وهم يحاولون إقناع المهاجمين التشريعيين، خاصة وأنني قضيت معظم حياتي المهنية في الدراسة والتدريس حول عمليات الإقناع والتأثير الاجتماعي. ويبدو أنّ المسؤولين الأكاديميين يفترضون أنّهم إذا حاولوا استرضاء المشرّعين، فإن هؤلاء المشرّعين سوف يتركونهم وشأنهم. لكن بدلاً من تركهم وشأنهم، أدت محاولات إقناعهم إلى مطالبة المشرّعين باستقالتهم.
وبدلاً من محاولة استمالة المهاجمين من الهيئات التشريعية، ربما يكون مديرو الجامعات في وضع أفضل إذا اتبعوا خطى نظرائهم من مرحلة الروضة إلى الصف الثاني عشر، الذين عندما تمّ استدعاؤهم إلى الكونغرس، اختاروا عدم ممارسة اللعبة السياسية التي لا يمكن الفوز بها.
وبدلاً من ذلك، خلال جلسة الاستماع، قام مديرو مرحلة الروضة وحتى الصف الثاني عشر بتذكير أفراد الجمهور والمسؤولين المنتخبين الذين يمثّلونهم بأسباب وجود المؤسسات الأكاديمية وضرورة الحفاظ عليها، بدلاً من مهاجمتها. وهذه هي الاستراتيجية التي يمكن لمديري الكليات والجامعات استخدامها في هذه اللحظة، وفي اللحظات التي ستنشأ حتماً في الأشهر والسنوات المقبلة؛ يمكنهم تذكير أنفسهم والجميع بهدفهم العام.
الجامعات هي، كما يسميها عالم الاجتماع إريك كلينينبيرغ، قصور للشعب. إنّها شكل من أشكال البنية التحتية الاجتماعية التي، عندما تتم إدارتها بشكل جيد، تخلق فرصاً للأشخاص من جميع مناحي الحياة للالتقاء معاً والاستفادة من بعضهم البعض. إنّها الأماكن التي يمكنها أن تأخذ تعبنا وفقراءنا وجماهيرنا المتجمّعة، وتحوّل توقهم إلى التنفّس بحرية إلى فرص تغيّر حياتهم.
وقد وثّقت الأبحاث أنّ الكليات والجامعات لا تزال تشكّل "العمود الفقري للحراك التصاعدي" الذي يخلق الفرص للأميركيين لدخول الطبقة المتوسطة. في كل عام، تقوم الكليات والجامعات في جميع أنحاء البلاد - مدارس مثل جامعة مدينة نيويورك - باستقبال الطلاب من الأسر ذات الدخل المنخفض وتعليمهم الدروس التي تؤدي في نهاية المطاف إلى رفعهم إلى الطبقة المتوسطة.
ومع ذلك، لا توفّر الجامعات فوائد مجتمعية من خلال التدريس فقط. تعد الكليات والجامعات أيضاً الأماكن التي تستمر في دفع الأبحاث المبتكرة التي تسمح لمجتمعنا بالبقاء والازدهار.
يمكن لقادة الجامعات أن يتحدّثوا عن الفوائد التي تقدّمها الجامعات، ليس فقط لأسباب أخلاقية ومعنوية، بل وأيضاً لأن القيام بهذا من شأنه أن يعزّز الدعم الشعبي بطرق قد تساعد في حمايتهم من الهجمات من قِبَل صنّاع السياسات العدوانيين ذوي النوايا السيئة، الذين يستخدمون الكليات والجامعات كأكياس ملاكمة سياسية.
إنّ الفشل في التعامل مع الجماهير يمكن أن يكون له تأثير عكسي. وكما أظهرت بيانات استطلاعات الرأي الأخيرة، فقد تراجعت ثقة الأميركيين في التعليم العالي في الآونة الأخيرة.