"الغارديان": هل ستؤثر غزة في انتخابات المملكة المتحدة؟
تعد بلدة إلفورد الشمالية مسرحاً لإحدى أعنف المواجهات حول فلسطين خلال هذه الانتخابات. ويواجه النائب الحالي عن حزب العمال، ويس ستريتنغ، تحدياً من قبل ليان محمد، وهي امرأة بريطانية فلسطينية إحدى أولوياتها التوصل إلى وقف إطلاق النار في غزّة.
صحيفة "الغارديان" البريطانية تنشر مقالاً للكاتبة نسرين مالك، تتحدث فيه عن تأثير الحرب على غزّة في الانتخابات العامة في المملكة المتحدة، والتي من المخطط إجراؤها مطلع شهر تموز/يوليو المقبل.
أدناه نص المقال منقولاً إلى العربية بتصرف:
في نهاية الأسبوع الماضي، حضرتُ إلى بلدة إلفورد شرق لندن، وكانت الشارات الفلسطينية تملأ الاحتفالات، وقام بعض الأطفال بتثبيت أعلام فلسطين على شكل قلب، وارتدى الكبار الكوفية الفلسطينية.
في أحد مهرجانات العيد في حديقة غودمايز، كان علم فلسطين يرفرف في كل مكان، وكان هناك كشك لفلسطين. وهناك التقيت نجوى، وهي امرأة فلسطينية من فيرلوب تضع خريطة وطنها على قلادة. بدأنا المحادثة باللغة الإنكليزية، ولكننا تحولنا سريعاً إلى اللغة العربية، إذ أصبحت أكثر فصاحة. لقد وصلت منذ 6 أشهر، ولا تزال تتعجب من الدعم والتضامن المحلي الذي لاقته. وقالت: "لقد وقف الناس معنا في الغرب أكثر من العرب".
تعد إلفورد الشمالية مسرحاً لواحدة من أعنف المواجهات حول فلسطين خلال هذه الانتخابات. ويواجه النائب الحالي عن حزب العمال، ويس ستريتنغ، تحدياً من قبل ليان محمد، وهي امرأة بريطانية فلسطينية تبلغ 23 عاماً تركت حزب العمال وترشحت الآن بصفة مستقلة. وتتمثل أولوياتها القصوى في التوصل إلى وقف لإطلاق النار في غزة، وتنفيذ حظر الأسلحة ضد "إسرائيل". إنها تتمتع بسجل من النشاط المحلي المذهل بالنسبة إلى شخص صغير في السنّ، كما أنّها تتمتع بشخصية دافئة وسهلة لا يمكن أن يحلم بها العديد من السياسيين الذين يكبرونها في السن ويفوقونها خبرة بعقود.
إنها تبدو منافسة حقيقية، ليس فقط بسبب هذه الصفات، ولكن لأنّ ستريتنغ، عضو البرلمان منذ عام 2015، يتمتع بأغلبية تزيد قليلاً على آلاف صوت، بعدما كان أقل قليلاً من 10 آلاف صوت عام 2017.
"صوت المسلمين"، وهي حملة وطنية تهدف إلى تعبئة المسلمين للتصويت لمصالح مجموعتهم، تدعم ليان محمد. ويُقدّر أنّ هناك نحو 25 ألف صوت مسلم، أي ما يشكل أكثر من ربع الدائرة الانتخابية، لكنّ الشعور بقوة تجاه فلسطين شيء، ودفع الناس إلى التصرف بناءً عليه خلال حملة انتخابية فارغة وغير ملهمة شيء آخر.
كان لدى حملة "صوت المسلمين" شاحنة خارج الحديقة مباشرةً تحمل لافتة إعلانية رقمية تحثّ المارة على التعبير عن إحباطهم والتسجيل للتصويت. ويتمثل التحدي الذي يواجه الحملة في التوفيق بين دافعين: الشعور العالي تجاه غزة وانخفاض المشاركة في السياسة الانتخابية.
الحرب على غزّة أدّت إلى إحباط سياسي، وأبعدت الناس عن حزب العمل، وعن السياسة السائدة بشكل عام أيضاً، لكن هذه القضية كانت أيضاً بمنزلة جسر ووسيلة لبناء التضامن والعلاقات بين الأشخاص الذين لا يتمتعون بعلاقات جيدة، والذين يشتركون إلى حد كبير في خصائص الأقليات والظروف المعيشية وتجارب عدم الاستقرار. وقد جسّدت حملة جمع التبرعات الخيرية التي استفادت من إقبال العيد هذا الاندماج في المصالح.
لقد كانوا يجمعون التبرعات من أجل مزيج من القضايا العالمية والمحلية، منها الرعاية الطبية في غزة وطالبو اللجوء الذين لا يستطيعون العمل والأمهات العازبات وأطفالهن. كانت إحدى العاملات في مؤسسة خيرية منطلقة في حديثها، ولكن عندما سألتها عن الانتخابات، بدت ردودها باردة، وقالت إنّها لم تكن تنتمي إلى أيّ حزب أو مرشح، ولم يثر اسم ليان محمد أي تعليق منها.
استقلت الحافلة عائدةً إلى المدينة مع نجوى. لا يمكنها التصويت لأنّها ليست مواطنة، ويبدو أنّها على علم غامض بالاستحقاق. ومع ذلك، فقد بدأت بتفصيل خدمات المجلس والتحديات التي كانت تواجهها وعائلات أخرى. وأكثر من أي شيء آخر، فهي بحاجة ماسة إلى السماح لها ببدء العمل.
لافتات التضامن مع فلسطين فاقت عدد اللافتات الانتخابية لأي مرشح. أخبرني أبو بكر ناناباوا من حملة "صوت المسلمين" أنّ ما رأيته في إلفورد لم يكن فريداً في المنطقة. في جميع أنحاء البلاد، لا يشعر الكثير من الناس بأنّ أي شيء سيتغير، وبالتالي لا يرون أنّ أصواتهم ستحدث فرقاً، على الرغم من غضبهم من حزب العمال، وقال: "إن المسلمين في الغالب يأتون من مجتمعات الطبقة العاملة ويرون أنّ النظام السياسي يخدم مصالح مجموعة صغيرة جداً ومختارة من الناس".
مثل مساحات واسعة من شرق لندن الكبرى، بل والبلد ككل، تعد إلفورد مكاناً مليئاً بالمحال التجارية الشاغرة والمناطق المجتمعية المتضائلة. هناك، تحدّثت مع جوان البالغة 87 عاماً. قالت لي إنّها لم تكن تصوّت، ولم تكن تعرف حتى من كان يترشح أو إلى أي دائرة انتخابية كانت تنتمي.
هناك شيء غامض في كل هذا الضجيج والغضب بشأن الهجرة والاندماج والاحتجاجات حول غزة في المجتمع الذي ينشأ حول المناطق ذات الأقليات الكبيرة والأسر الكبيرة وتقاليد الجوار. ويبدو أنّ التضامن مع فلسطين أدّى إلى إقامة علاقات أوثق بين الأشخاص الذين عانوا من قلّة خدمات الحكومة والتقشف وتوفير الرعاية لهم.
إنّ الانسحاب من السياسة الوطنية والاستثمار في الجهود المحلية العضوية ليس أمراً طبيعياً فحسب، بل إنه أمر لا مفر منه أيضاً، إذ أصبحت المشاركة السياسية على نحو متزايد حكراً على أولئك الذين لديهم مصلحة اقتصادية.
وتوقّع تقرير في كانون الأول/ديسمبر الماضي أن تكون هذه الانتخابات هي الأكثر تفاوتاً منذ 60 عاماً، ومن المرجح أن يصوت الأشخاص ذوو الدخل المرتفع وأصحاب المنازل وخريجو التعليم العالي. وبالنسبة إلى الكثيرين، تبدو الانتخابات أنّها تركز على البلاد التي تمثلها أبراجها المجمعة من المصارف الاستثمارية، وشركات الاستشارات الإدارية، ومجمعات التسوق.
نقلته إلى العربية: بتول دياب