"إزفستيا": قمة البريكس.. نافذة على المستقبل

بدت النظرة المنقرضة لحلفاء كييف بليغة بشكل خاص على خلفية قمة البريكس. ولا شك أن قرار ضم 6 بلدان إضافية إلى هذه المجموعة أهمية كبيرة. ولكن الأهم من ذلك بكثير هو أن القمة في جوهانسبورغ، تحولت إلى نافذة حقيقية على مستقبل العالم.

  • "إزفستيا": قمة البريكس.. نافذة على المستقبل

يكتب نائب رئيس الأكاديمية الدبلوماسية التابعة لوزارة الخارجية الروسية، أوليغ كاربوفيتش، على صفحات "إزفستيا" المسكوفية، عن قمة البريكس في جنوب أفريقيا وكيف أظهرت تعذر إحياء الولايات المتحدة الأميركية للعالم أحادي القطب بقيادتها.

فيما يلي نص المقال منقولاً إلى العربية: 

العالم يتغير باستمرار، يومياً وكل ساعة، بل حتى دقيقة بدقيقة. في بعض الأحيان تكون هذه التغييرات غير محسوسة وغير واضحة. وفي بعض الأحيان، مثل الأسبوع الماضي، تكون على العكس من ذلك، حيث تظهر التغيرات بشكل أكثر وضوحاً وفعالية. تشبعت روح التغيرات في السياسة العالمية بالكامل بأحداث الأيام الماضية، عندما أظهر حدثان دوليان رئيسان واضحان، متعاكسا الاتجاه، سرعة التحول في الأجندة العالمية.

الحدث الأول، هو ما يسمى بمنصة القرم، وهي قمة شبه افتراضية لأعضاء التحالف المناهض لروسيا برئاسة الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، الذي سعى بكل الوسائل إلى إلهام نفسه ومن حوله بالإيمان باستعادة النظام العالمي الأحادي القطب. إن لاسم هذه القمة بحد ذاته أبعاد محددة. ففي الواقع، إن عودة شبه جزيرة القرم إلى الاتحاد الروسي، أي إلى مينائها الأصلي، شكلت مفترق الطرق، وباتت رمزاً لنهاية فترة الإملاءات العالمية من قبل الولايات المتحدة والغرب الجماعي.

في ذلك الوقت، تغلبت إرادة سكان شبه جزيرة القرم والروس على إرادة واشنطن وبروكسل وجهودهما لمتابعة فرض سيطرتهما على أوراسيا، وبذلك تلاشى المنطق الاستعماري الذي طال أمده، والذي حدد اتجاه التاريخ بعد نهاية الحرب الباردة. آنذاك، أصبح من الواضح أن الدول المتمركزة في الغرب وفوقها نخبها الحاكمة، ما هي إلا عبارة عن عملاق ذي قدمين من طين، ينهار تحت ضربات الزمن والقدر.

وفي مواجهة ذلك القرار البالغ الأهمية الذي اتخذته موسكو، والذي اعتمد في عام 2014، نشبت التشنجات التي اجتاحت الولايات المتحدة وأوروبا بعد ذلك. لقد عكس خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، وانتخاب دونالد ترامب والأزمة السياسية الداخلية اللاحقة في أميركا، وانهيار المشاريع الفرنسية في أفريقيا، والفشل الذريع لحلف شمال الأطلسي في أفغانستان والعديد من الأحداث المهمة الأخرى، حتمية اضمحلال النموذج الأحادي القطب سيئ الصيت. ولهذا السبب، يعود الغرب، وحلفاؤه، مرة تلو الأخرى إلى قضية القرم (لكنها في الواقع، مغلقة إلى الأبد)، في محاولة لإقناع أنفسهم ومن حولهم بأن العودة إلى الأوقات السعيدة للهيمنة الأميركية لا تزال محتملة. لكن للمراقب أن ينظر إلى وجوه المشاركين في القمة، فقد كان من الواضح أنهم كانوا ينفذون المهمة التي حددها القيمون عليها بشكل تلقائي، وبصراحة لم يكونوا مؤمنين بنجاح مهمتهم. كانت هذه الاجتماعات التي عقدت في الماضي القريب مثيرة للشفقة، وقد أظهرت إرهاقاً ويأساً واضحين..

وبدت النظرة المنقرضة لحلفاء كييف بليغة بشكل خاص على خلفية قمة البريكس. ولا شك أن قرار ضم 6 بلدان إضافية إلى هذه المجموعة أهمية كبيرة. ولكن الأهم من ذلك بكثير هو أن منتدى "الغالبية العالمية"، الذي عقد في جوهانسبورغ، تحول إلى نافذة حقيقية على مستقبل العالم. ليس من قبيل الصدفة أن المشاركين الأفراد في قمة كييف، الذين كانوا يتحدثون على "المنصة" وفق عاداتهم الغريبة، كان اهتمامهم منصباً بالكامل على ما يحدث في جنوب أفريقيا، وكرسوا المزيد من الجهد والاهتمام لهذا الحدث الضخم.

بالطبع، في المستقبل، وفق التعبير الشائع لن يُحسب حساب الجميع، فقد أعلن إيمانويل ماكرون مراراً وتكراراً عن نيته المشاركة في قمة جوهانسبورغ، لكنه تلقى رفضاً مهذباً نسبياً من قبل المنظمين. وفي واقع ما بعد الغرب، لن يكون هناك مكان لأولئك الذين ساعدوا في إثارة الصراعات المدمرة، وتأليب الدول والشعوب، وأظهروا استعدادهم لمساعدة الولايات المتحدة على استعادة هيمنتها السابقة.

تدخل الحياة السياسية لماكرون والعديد من زملائه الدائرة النهائية، وسيتم اتخاذ القرارات بشأن الأولويات الجيوسياسية المستقبلية للغرب من قبل ممثلي جيل جديد من القادة الذين يدركون جيداً أنه من المستحيل استعادة الإمبراطورية الأميركية. وقد يتبين أنه في غضون سنوات قليلة، سيحتفظ زيلينسكي بـ "منصته" في عزلة رائعة، حيث سيراقب بحسد كيف يتم اتخاذ القرارات في إحدى عواصم الجنوب العالمي التي لا تحدد مصير أوكرانيا فحسب، بل ومصيره الشخصي أيضاً.

 

نقلها إلى العربية: عماد الدين رائف.