"ZNetwork": ثلاث أساطير تطارد الغرب
3 أساطير أفضت إلى الإحباط الذي يصيب قادة البلدان في الغرب، بناء على اعتبارهم لمدة زمنية طويلة، أنّ استمرار هيمنتهم العالمية أمر مفروغ منه. ووجوب فضح هذه الأساطير ضروري.
موقع "ZNetwork" ينشر مقالاً للكاتب يانيس فاروفاكيس، يتحدث فيه عن 3 أساطير تطارد صنّاع القرار في الغرب وتحبطهم وتفشل سياستهم ومخططاتهم.
أدناه نص المقال منقولاً إلى العربية بتصرف:
3 أساطير أفضت إلى الإحباط الذي يصيب قادة البلدان في الغرب، بناءً على اعتبارهم لمدة زمنية طويلة، أنّ استمرار هيمنتهم العالمية أمر مفروغ منه. ووجوب فضح هذه الأساطير ضروري، وقد يكون غير كافٍ لفهم الحاضر فالمسألة أسوأ من أن تكون النخب الحاكمة خاطئة فقط.
حين تتمتع أيّ سلطة بالثقة بسياستها، سينعكس ذلك بقابلية الأنظمة على المواظبة على حالها، على عكس النخب على جانبي الأطلسي البعيدة كل البعد عن هذه الثقة. وعلى مدى العام الماضي، وقف هؤلاء بدهشة أمام مسارات الأحداث التي خرجت عن كل توقعاتهم. وفي الولايات المتحدة على سبيل المثال، يشعر "الوسطيون" بالفزع، لأنّ الأميركيين بدوا جاحدين إزاء "النجاحات" الاقتصادية التي حققها الرئيس جو بايدن، وانجذبوا نحو دونالد ترامب. وفي أوروبا، تسببت المكاسب الكاسحة التي حققتها تنويعات مختلفة من "الترامبية" على حساب الرموز الليبرالية مثل الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون و "حزب الخضر" في ألمانيا في إحداث حالة من اليأس مماثلة. وفشل العقوبات القاسية في إلحاق الضرر بالاقتصاد الروسي، وصمود شركات التقنية الصينية في مواجهة العقوبات الشديدة، أرخى إحباطاً ثقيلاً على المنظومة الغربية.
تقوم الأساطير الغربية على تعريفات شبه مقدسة، مثل أنّ الوسطيين السياسيين هم العدو الأكبر لليمين المتعصب، وهم يمثّلون صوت "الناخب العادي"، أيّ المواطن الذي يقرر نتائج الانتخابات، وأنّ العقوبات والرسوم الجمركية من شأنها أن تعيق الصين وروسيا بسبب اعتمادهما على التكنولوجيا ورأس المال وأنظمة الدفع الغربية.
كل هذه الأساطير مضللة بلا ريب، وسلطة يمين الوسط الحاكمة تفترض أنّها في خضم صدام قوي مع أحزاب أقصى اليمين. لكن إن كان هذا صحيحاً، فكيف صعد إيمانويل ماكرون من العدم ليرأس فرنسا، لو كانت ماري لوبان و"جبهتها الوطنية" آنذاك منافساً قوياً بالفعل. والحقيقة أنّ ماكرون خاض الانتخابات كي ينفذ سياسات لصالح الأثرياء الكبار جداً، من خلال التخفيضات الضريبية وطباعة العملة على نطاق واسع بينما يسمح للتقشف بإصابة نصف السكان بخسائر فادحة على أقل تقدير.
لا شك أنّ ماكرون ولوبان مثل "الحزب الديمقراطي" ودونالد ترامب في الولايات المتحدة يكرهان بعضهما البعض، لكن قوتهما تبدو تكافلية فلا حضور لأحدهما من دون الآخر. فالسياسات التي تمارسها سلطة يمين الوسط الحاكمة لحساب القلة الرأسمالية والمتعارضة مع مصالح الأغلبية، تغذي "اليمين الفاشي" الجديد، الذي يصعد هنا على أقوى ادعاءات "الوسطية" بأنّها الحصن الوحيد ضده.
في التأمل في أسطورة الناخب العادي الجاحد، الذي يقلل بشكل متهور من الانتعاش القوي الذي شهدته الاقتصادات الغربية في مرحلة ما بعد الجائحة، يُظهر أنّ الأشخاص الوحيدين الذين يجدون الانهيار السياسي الذي يعيشه ماكرون محيّراً، أو الذين يلومون الجماهير الأميركية على الفشل في تقدير الاقتصاد العظيم الذي منحه لهم بايدن، يعيشون في عالم مليء بجداول البيانات والإحصاءات حول نصيب الفرد والاقتصاد الكلي.
في عام 1992، كان شعار حملة بيل كلينتون "إنّه الاقتصاد يا غبي". لا يزال الأمر كذلك اليوم، لكن أيّ اقتصاد مقصود، حين تسأل المواطنين عن سبب غضبهم في وقت ينمو الناتج المحلي الإجمالي فيقولون، "ربما ينمو ناتجك المحلي الإجمالي، لكن ناتجنا لا يفعل". وعندما تخبرهم أنّ التضخم قد استقر، يردون: "ربما لا ترتفع أسعاركم، ولكن الأسعار التي ندفعها تجاوزت كل سقف". في الحقيقة، من المنطقي تماماً أن تتضاءل آفاق حياة الأغلبية في عالم ما بعد عام 2008 وسط بيانات الاقتصاد الكلّي المتوهجة.
وبعد أن بالغت النخب الوسطية الغربية في تقدير هيمنتها على شعوبها، شرعت في المبالغة في تقدير قوتها على "الأعداء" الخارجيين، وخاصة روسيا والصين. وفي كلتا الحالتين، كانت نتيجة ممارسة هذه القوى العظمى التي لا يمكن إنكارها، عكس ما تسعى إليه تماماً. ومثال على ذلك حالة روسيا، ففي حين كانت العقوبات الغربية غير المسبوقة رداً على حرب أوكرانيا بمنزلة هبة من السماء للكرملين، حيث هرعت الرساميل الوطنية إلى سحب استثماراتها الخارجية نحو الداخل الروسي بعد احتمال الاستحواذ عليها كغنائم.
بالإضافة إلى ذلك، أدّى اقتصاد الحرب في روسيا، المنقطع عن سلاسل التوريد الغربية، إلى حملة ضخمة لإعادة التصنيع. وقد عوّض هذا الجهد خسارة السلع المستوردة وارتفاع الأسعار المرتبط بها.
لقد كانت مرونة الصين بمنزلة خيبة أمل أكبر لصناع السياسات في واشنطن الذين اعتقدوا أنّ قانون بايدن للرقائق الإلكترونية والعلوم، الذي يحظر على أي أحد ليس فقط الأميركيين، بيع أشباه الموصلات المتقدمة للشركات الصينية، بهدف إضعاف شركات التكنولوجيا الكبرى في الصين بشكل حاسم، ما يساهم في فوز الولايات المتحدة بالحرب الباردة الثانية. على سبيل المثال، نشرت شركة "هواوي" برامج متفوقة لاستخلاص المزيد من قوة الحوسبة من الرقائق الدقيقة الأصغر حجماً، بينما كانت الشركات المحلية تحاول اللحاق بالركب إلى أن تفاجأت بالمركبات الكهربائية الصينية المنخفضة التكلفة والمتفوقة تقنياً على مثيلها الأوروبي والأميركي.
ولعل الضربة الأعظم التي تلقتها ثقة النخب الغربية جاءت بعد فرض العقوبات، حيث كانت تكافح لإقناع شعوبها بأنّ إعادة توطين الصناعات في الداخل أمر واقع وأنّ التصنيع قد عاد. وحينها فقط أدركت هذه النخب أنّ ثلاثين عاماً من سحب الاستثمارات المحلية، سواء في التصنيع أو في قدرة دولها على إدارة الأمور، قد تركت الغرب عاجزاً. وأينما نظرنا سواء في الولايات المتحدة أو المملكة المتحدة أو الاتحاد الأوروبي، نجد دولاً تفتقر إلى الخبرة التي كانت لديها ذات يوم لبناء أي شيء، من السكك الحديدية البريطانية إلى برنامج الغواصات النووية في أميركا إلى الطاقة الخضراء والصحة العامة في عموم دول المنظومة، وغير ذلك الكثير.
التناقض الغربي مع التطورات في روسيا والصين يلقي بثقله على كاهل صنّاع القرار السياسي الذين استسلموا لعقود من الزمن إلى جماعات الضغط، من الشركات والمؤسسات البحثية المتحالفة معها ما أدّى إلى استنزاف قدرة دولهم بواجباتها البديهية.
يبقى أن ننتظر ما إذا كان هذا الإدراك المرير والمتأخر لقادة الغرب، سيقنعهم بالتخلي عن الأساطير الثلاث التي حيرتهم لفترة طويلة.
نقله إلى العربية: حسين قطايا