"Responsible Statecraft": ترامب قد يتحدى المتشددين ويتحدث مع إيران
ترامب يشير إلى أنه قد يتحدّث مع إيران، وهذا ليس ما يريده الصقور في الولايات المتحدة و"إسرائيل".
مجلة "Responsible Statecraft" الأميركية تنشر مقالاً للكاتب إلدار محمدوف تحدّث فيه عن احتمال إجراء محادثات بين طهران وواشنطن، بعد أن أشار الطرفان إلى استعدادهما لذلك.
أدناه نص المقال منقولاً إلى العربية بتصرّف:
في تحدٍ للتكهّنات حول إعادة فرض حملة "الضغط الأقصى" ضدّ إيران، أرسل الرئيس الأميركي دونالد ترامب رسالة مفادها تفضيله لحلّ دبلوماسي للتوترات مع طهران.
في برنامج "هانيتي" على قناة "فوكس نيوز" في 23 كانون الثاني/يناير، قال ترامب إنّ "الشيء الوحيد" الذي أصرّ عليه هو أنّ إيران "لا يمكن أن تمتلك سلاحاً نووياً". ومن الجدير بالذكر أنّه لم يذكر أيّ شيء عن السياسات الإقليمية الإيرانية أو صراعها مع "إسرائيل"، ولم يعبّر عن أيّ ميل لقصف إيران أو تغيير النظام في ذلك البلد.
ونظراً لأنّ قادة إيران أنفسهم أكدوا مراراً وتكراراً أنّهم لا يسعون إلى امتلاك أسلحة نووية، فإنّ الاتفاق بين واشنطن وطهران يبدو ممكناً إلى حد كبير.
في الواقع، بعد انتخاب الرئيس الإصلاحي مسعود بزشكيان، أبدت طهران أيضاً استعدادها لإعادة الانخراط في الدبلوماسية. وقد شرح نائب الرئيس للشؤون الاستراتيجية جواد ظريف، الرؤية الإيرانية الجديدة الأكثر تعاوناً في مقالات حديثة في مجلة "فورين أفيرز"، و"الإيكونوميست"، وشرحها بمزيد من التفصيل في المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس بسويسرا الأسبوع الماضي.
ومع ذلك، وعلى الرغم من الإرادة السياسية الواضحة على الجانبين، فإنّ الطريق إلى الاتفاق ليس على قدم وساق على الإطلاق. ويختلف السياق بشكل كبير عن عام 2015 عندما تمّ إبرام الاتفاق النووي المعروف باسم خطة العمل الشاملة المشتركة بين إيران والقوى العالمية.
بعد انسحاب ترامب من خطة العمل الشاملة المشتركة في عام 2018 وفشل بايدن في استعادتها، تقدّمت إيران بثبات في برنامجها. ويشمل ذلك، من بين خطوات أخرى، تخصيب اليورانيوم إلى 60%، وهو المستوى الذي يخلق خيار التخصيب السريع إلى 90% (مستوى الأسلحة)، وتركيب أجهزة طرد مركزي أكثر تقدّماً. ووفقاً للخبير النووي كيلسي دافنبورت، يمكن لإيران الآن إنتاج ما يكفي من المواد الصالحة للأسلحة لصنع خمس إلى ست قنابل في غضون أسبوعين تقريباً.
وما يزيد الأمور تعقيداً هو التحوّلات في الخطاب النووي الإيراني. يظلّ الخط الرسمي هو أنّ طهران لا تسعى إلى التسلّح، وفتوى المرشد الأعلى علي خامنئي التي تحظر الأسلحة النووية لا تزال سارية.
لكن يشير المسؤولون وصنّاع السياسات الآن علناً إلى إمكانية إعادة النظر في العقيدة النووية الإيرانية نحو التسلّح على عتبة معيّنة. والواقع أنّ عدوانية رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو واحتمال مهاجمة الجمهورية الإسلامية بشكل مباشر (بمساعدة أميركية، لأنّ إسرائيل لا تملك مثل هذه القدرة بمفردها)، لا تعمل إلا على تحفيز طهران على السير على هذا الطريق.
إنّ هذه المجموعة من الاعتبارات تؤكّد حجم المهمة المتمثّلة في التعامل مع إيران. ذلك أنّ المفاوضات الفنية بشأن البرنامج النووي الإيراني سوف تكون طويلة وممتدة نظراً للحالة المتقدّمة التي بلغها البرنامج النووي الإيراني. كما يتعيّن أن تكون هذه المفاوضات جزءاً من استراتيجية إقليمية أوسع نطاقاً تعالج المخاوف الأمنية الإيرانية، جنباً إلى جنب مع اللاعبين الآخرين في الشرق الأوسط، الأمر الذي من شأنه أن يقلّل من الحوافز التي تدفع إيران إلى الحصول على رادع نووي في المقام الأول.
لقد قرّر خامنئي إعطاء الضوء الأخضر للدبلوماسية مع الولايات المتحدة، لكنّ الخط الفاصل لا يتعلّق بما إذا كان ينبغي التعامل مع الولايات المتحدة، بل بكيفيّة القيام بذلك.
إنّ العناصر الأكثر استشرافاً للمستقبل، والتي تمثّلها في الغالب إدارة بيزيشكيان الإصلاحية، تفضّل التواصل مع واشنطن بشكل استباقي من أجل تشكيل المفاوضات المستقبلية. لكنّ خصومها الأكثر تحفّظاً يصرّون على أنه بما أنّ الولايات المتحدة كانت الطرف الذي تخلّى عن خطة العمل الشاملة المشتركة، فيجب عليها اتخاذ الخطوة الأولى لاستعادة ثقة طهران.
فضلاً عن ذلك، لا يرى هؤلاء المتشدّدون أيّ حافز استراتيجي في التخلّي عن النفوذ النووي الإيراني في مقابل تخفيف العقوبات غير المؤكّد إلى حدّ كبير. في غضون ذلك، يثقّ المحافظون أيضاً في أنّ الشراكة الاستراتيجية التي تمّ توقيعها مؤخّراً مع روسيا، وخاصة بنودها المتعلّقة بالتعاون العسكري والأمني، يمكن أن توفّر لإيران قدراً من الردع ضدّ الهجمات المستقبلية من "إسرائيل" و/أو الولايات المتحدة.
يبدو أنّ أنصار انتظار التحرّك الأميركي يتمتعون الآن باليد العليا في المناقشات الداخلية في طهران. ومع ذلك، يعتقد الإصلاحيون أنّ مجرّد انتظار اقتراح أميركي هو خطأ وإهدار للوقت. وهم يقدّرون، وربما بشكل صحيح، أنّ ترامب حريص على التوصّل إلى اتفاق سريع لتلميع أوراق اعتماده في صنع السلام، والآن بعد أن أصبح إنهاء الحرب في أوكرانيا سريعاً أمراً غير معقول إلى حد كبير، فقد تثبت إيران أنها ثمرة منخفضة التكلفة.
قد يكون الاتفاق الإطاري المحدود على غرار الاتفاق الذي وقّعه ترامب مع كوريا الشمالية في ولايته الأولى بمثابة مخطّط، وكما تعتقد المصادر الدبلوماسية الإيرانية، يمكن إعداده في غضون أسبوعين إذا كان هناك قرار سياسي.
هناك مخاوف مشروعة، حتى بين أولئك الذين قد يفكّرون في مثل هذا المسار من العمل، بشأن جدوى المتابعة الأكثر جوهرية لمثل هذه الصفقة. ومع ذلك، حتى الصفقة المحدودة، التي من الأفضل أن تتبعها خطوة رمزية للغاية، مثل المصافحة بين ترامب وبيزشكيان، من شأنها بالفعل التخفيف من حدة التصعيد بشكل كبير، وتثبيط المفسدين من جماعات الضغط المؤيّدة لنتنياهو، وكسب الوقت والمساحة السياسية للتفاوض على صفقة مستدامة وجوهرية تتناول البرنامج النووي الإيراني وتخفيف العقوبات، وحتى الوضع الإقليمي الأوسع.
وفي حين أنّ الدبلوماسية مع الولايات المتحدة لا تزال في مرحلة استكشافية، فقد انخرط الإيرانيون بالفعل مع الاتحاد الأوروبي ومجموعة الدول الأوروبية الثلاث (بريطانيا وفرنسا وألمانيا). لا تعلّق طهران أيّ أمل في أن يكون الاتحاد الأوروبي/الثلاثي الأوروبي راغباً أو قادراً على استعادة خطة العمل الشاملة المشتركة بمفرده، من دون الولايات المتحدة. والغرض من الاجتماعات هو منع الاتحاد من تأدية دور المفسد، مثل إعادة فرض عقوبات مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة على إيران قبل الموعد النهائي في تشرين الأول/أكتوبر 2025. ويمكن للمملكة المتحدة وفرنسا، باعتبارهما عضوين في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة وموقّعَين على خطة العمل الشاملة المشتركة، استدعاء هذه الآلية، وهي ليست خاضعة لحقّ النقض.
ولكن هذه المفاوضات تهدف أيضاً إلى إرسال إشارة إلى واشنطن بأنّ طهران جادّة هذه المرّة بشأن التوصّل إلى اتفاق. كما مهّدت المفاوضات بين إيران والثلاثي الأوروبي الطريق إلى خطة العمل الشاملة المشتركة الأصلية في البداية، وانضمّت إليها الولايات المتحدة في مرحلة لاحقة. ولدى الولايات المتحدة حافز واضح للانضمام إلى المحادثات الموضوعية في صيغة متعددة الأطراف، وإلا فإنها إذا انخرطت فقط في مسار ثنائي مع إيران، فهناك خطر يتمثّل في أن تؤدّي مجموعة الدول الأوروبية الثلاث، التي تخشى أن تُستبعد من اتفاق محتمل بين واشنطن وطهران، دور المفسد من خلال تفعيل آلية الإعادة القسرية، خاصة وأنّ العلاقات بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي نفسيهما تنجرف إلى مسار مجهول.
ويبدو أنّ التوصّل إلى اتفاق ثنائي محدود من شأنه أن يخفّف من حدة التوترات بين الولايات المتحدة وإيران، تليه محادثات متعدّدة الأطراف أعمق تشمل توقيع خطة العمل الشاملة المشتركة الأصلية، هو السبيل الأكثر واقعية للمضي قدماً، خاصةً مع وجود الإرادة السياسية على ما يبدو بين جميع اللاعبين المعنيّين.
نقلته إلى العربية: بتول دياب.