"Mondoweiss": الخط الأحمر الذي وضعه بايدن لن يوقف الإبادة الجماعية الإسرائيلية في غزّة

إطار العمل الذي وضعه بايدن لعملية رفح يسمح لنتنياهو شن حرب طويلة، وقتل عدد أكبر ومتزايد من الفلسطينيين من خلال منع الرعاية الصحية عنهم، وبسبب وسوء التغذية، والمجاعة.. بالإضافة إلى تشريدهم مرة أخرى.

  • "Mondoweiss": عملية عسكرية في رفح تعني تشريد مئات الآلاف من الفلسطينيين مرة جديدة

موقع "Mondoweiss" المستقل ينشر مقالاً للكاتب ميتشل بليتنيك، وهو رئيس مؤسسة "إعادة التفكير في السياسة الخارجية"، تحدّث فيه عن إعلان بايدن وقف إرسال أسلحة محددة إلى "إسرائيل"، بعد عملية رفح، وقال إنّ هذه الخطوة تسمح لنتنياهو شن حرب طويلة، وقتل مزيد من الفلسطينيين بطرق أخرى، ووصف من أشاد بهذه الخطوة من مجتمع السياسة الخارجية بالسذج. 

أدناه نص المقال منقولاً إلى العربية:

على مدى الأشهر السبعة من حملة الإبادة الجماعية التي تشنّها "إسرائيل" على غزة، عملت الولايات المتحدة بقوة لتقديم أقصى قدر من الدعم لـ "إسرائيل"، في حين حاولت إعطاء الانطباع بأنها تشعر بالقلق إزاء الخسائر الفادحة في أرواح الفلسطينيين. وكان من الصعب الحفاظ على هذا الأداء، إذ إنّ كل إجراء أميركي تقريباً يتناقض مع الكلمات العرضية التي تعرب عن القلق إزاء الحرب في غزّة.

وفي الأسابيع الأخيرة، أجبرت الضغوط السياسية الرئيس جو بايدن على محاولة اتخاذ المزيد من الخطوات الملموسة لردع ما يعدّه تصرفات إسرائيلية مبالغ فيها. هذه الأعمال - التي لا تشمل على ما يبدو قتل أكثر من 34 ألف شخص، وإصابة أكثر من 78 ألف آخرين، والتدمير الكامل للبنية التحتية الصحية والتعليمية والمدنية في غزة، والارتفاع اليومي في جرائم الحرب - تثير المخاوف في البيت الأبيض من تدهور صورة "إسرائيل" العالمية لتصبح نظام إبادة جماعية وراعيته الولايات المتحدة.

وكان بايدن مستعداً لدعم الفظائع التي ارتكبت خلال الأشهر السبعة الماضية، ولكن مع وجود نحو 1.4 مليون شخص محشورين في رفح، بات الرئيس الأميركي يدرك أنّ عملية برّية واسعة النطاق في مدينة رفح، مثل التي شهدتها معظم مدن قطاع غزّة، سوف تتسبب في عرض مرعب ليس ممكناً أنّ يكون الأميركيون والأوروبيون جزءاً منه.

لذلك، أدلى بايدن ببيان قال فيه: "لقد قُتل مدنيون في غزة نتيجة لتلك القنابل وغيرها التي تلقى على المراكز السكانية.. لقد أوضحت أنهم إذا ذهبوا إلى رفح فلن أقوم بتزويدهم بالأسلحة هذه".

كانت هذه الكلمات، بأسلوب بايدن النموذجي، واضحة مثل بحيرة موحلة، وتركت مساحة هائلة للمناورة للبيت الأبيض في مواصلة تسليح حرب الإبادة الجماعية التي تشنّها "إسرائيل" على غزة. كما أنّها قدّمت خريطة طريق لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ليتبعها إذا كان يرغب في مواصلة حملة الإبادة الجماعية وعدم المخاطرة بالهدف الوحيد الذي يهمّه من علاقة "إسرائيل" بالولايات المتحدة وهو الإمداد الذي لا ينضب من الأسلحة.

كلمات بايدن هي الأحدث في سلسلة من التصريحات والأفعال التي لا تهدف إلى ردع نتنياهو بقدر ما تهدف إلى ردع المتظاهرين والناخبين الذين تخلّوا عنه بأعداد كبيرة بسبب سياسته التي ينتهجها في غزة. وكما رأينا على مدى الأشهر السبعة الماضية، فإنّ هذه الكلمات، في أحسن الأحوال، دفعت "إسرائيل" إلى إبطاء هجمات الإبادة الجماعية قليلاً، وفي بعض الأحيان السماح بوصول المساعدات الإنسانية إلى الفلسطينيين بشكل قليل ورمزي إلى حد كبير.

قد تعطي تصريحات بايدن انطباعاً بأنّه يحاول كبح جماح "إسرائيل"، لكنّها في الواقع تساعد في دعم الإبادة الجماعية الإسرائيلية. كما أنّ السماح بدخول كمية صغيرة من المساعدات بين الحين والآخر لفترة وجيزة، يجعل "إسرائيل" تحجم الانتقادات الغربية والعالمية، ومن خلال التقدم ببطء أكثر في عملياتها العسكرية، تعطي "إسرائيل" صورة أقل فظاعة قليلاً للإبادة، لكنّها تستمر بلا هوادة نحوها. 

وعود كاذبة.. وسياسة دعم ثابتة

قبل أشهر، بدأ الضغط يتزايد بالفعل. وكان المفكّرون والنقاد الديمقراطيون يشعرون بالقلق إزاء "الانقسامات" داخل الحزب. في مجلس الشيوخ، دفع ما يصل إلى 18 من أعضاء مجلس الشيوخ الديمقراطيين بمشروع قانون يطلب من جميع الجهات التي تتلقى مساعدات عسكرية أميركية الالتزام بالقانون الأميركي والدولي، وإرسال تقرير منتظم بعملياتها.

كان مشروع القانون يستهدف "إسرائيل" على وجه التحديد، على الرغم من أنّه ينطبق على جميع متلقي المساعدات، وكان بايدن يريد بشدة تجنب التصويت الذي من شأنه أن يظهر انقسامات صارخة بين الديمقراطيين، على الرغم من أنّ مشروع القانون ليس لديه فرصة لتمريره ليصبح قانوناً. الرجل الذي صوّر نفسه في عام 2020 على أنه "موحّد" لم يكن يريد مثل هذا الدليل الدامغ على عدم قدرته حتى على الحفاظ على حزبه موحّداً. لذلك، أصدر بايدن توجيهاً يتطلب ضمانات كتابية من متلقي المساعدات العسكرية الأميركية بأنهم لن يستخدموا الأسلحة إلا وفقاً للقانون الأميركي والقانون الإنساني الدولي، وأنّ البيت الأبيض سيتابع هذه العملية.

قوبلت هذه المذكرة التي أصدرها بايدن ببعض التفاؤل الحذر وقدر كبير من الشك، فلم يفعل الرئيس الأميركي شيئاً لتغيير القانون الأميركي فيما يتعلق باستخدام المساعدات العسكرية الأميركية، ولكن من المأمول أن يؤدي إلى نوع من التدقيق حول كيفية استخدام تلك المساعدات.

ولكن مع قيادة بايدن ووزير الخارجية أنتوني بلينكن لهذه العملية، كانت احتمالات ممارسة ضغط حقيقي على "إسرائيل" مشكوكاً فيها.

والتزمت "إسرائيل" بتقديم ضمانات مكتوبة حول كيفية استخدام المساعدات العسكرية. وسيكون هذا الأمر بمنزلة اختبار لما يمكن أن يفعله منتقدو "إسرائيل" بالتقرير سياسياً، والأهم من ذلك، ما إذا كان البيت الأبيض سيلتزم بقوانينه الخاصة فيما يتعلق بالمساعدات لـ"إسرائيل". ولم تكن الآمال بالنسبة إلى هذا الأخير عالية.

وكان من المقرر تقديم التقرير حول امتثال "إسرائيل" إلى الكونغرس في الثامن من أيار/مايو. وجاء ذلك اليوم وذهب من دون أيّ تقرير. وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية ماثيو ميللر عندما سئل عن ذلك: "لن يتم هذا اليوم، ونواصل العمل لوضع اللمسات النهائية على التقرير. ونتوقع أن نقوم بتسليمه في المستقبل القريب جداً، في الأيام المقبلة".

إنّ تأخير تسليم التقرير جدير بالملاحظة، مع الأخذ في الاعتبار أنّ وزارة الخارجية عرفت منذ اليوم الذي أصدر فيه بايدن التوجيه، متى سيكون مستحقاً، كما أنّ الموعد المحدد للتسليم جاء في اليوم نفسه الذي أعلن فيه بايدن نيّته حجب أسلحة هجومية معينة إذا شنّت "إسرائيل" عملية عسكرية واسعة النطاق في رفح. 

وأخيراً، خرج التقرير إلى النور بعد الساعة الخامسة من فجر يوم الجمعة. هذا ما تفعله الوكالات الحكومية عندما تحتاج إلى نشر شيء ما علناً ولكنها تريد جذب أقل قدر ممكن من الاهتمام إليه. ومن غير المستغرب، وفقاً للتقارير الأولية، أن يتبين أنّ "إسرائيل" قد انتهكت "على الأرجح" القانون الدولي، وبالتالي القانون الأميركي، في استخدامها للأسلحة التي زودتها بها الولايات المتحدة؛ ويتبين أيضاً أنّ "إسرائيل" لم تكن مستعدة لتقديم المعلومات المطلوبة؛ لكن "إسرائيل" لن تُعاقب لأنّ "لديها عدداً من التحقيقات الجنائية الجارية والنشطة المعلقة، وهناك مئات الحالات قيد المراجعة الإدارية".

تُفتح بحق "إسرائيل" تحقيقات بشكل روتيني، ولكن، مع استثناءات نادرة للغاية، تظل هذه القضايا إما من دون حل، أو، في أغلب الأحيان، يتم إغلاقها من دون اتخاذ أي إجراء.

لقد بدأت "إسرائيل" بالفعل غزوها لرفح، لكنها لم تصعد بعد إلى المستويات المروعة التي شوهدت في مدن أخرى في غزة. ويبدو أنّ هذا المستوى من القوة النارية، الذي يقتل العشرات "فقط" كل يوم بدلاً من المئات، أمر مقبول تماماً بالنسبة إلى بايدن.

وسيطرت "إسرائيل" على الجانب الخاص بغزة من معبر رفح وأغلقته، ما أدى إلى عزل المنطقة عن المصدر الرئيسي للمساعدات. كما أنّها أغلقت المخرج الوحيد للمرضى المصابين بأمراض خطيرة، والذين لا يمكنهم الحصول على الرعاية الطبية غير المتوفرة الآن في غزة إلا عن طريق الذهاب إلى مصر. ورفح هي نقطة الوصول الرئيسية لإمدادات الوقود ومعظم المساعدات إلى الجنوب، حيث تكتظ الغالبية العظمى من سكان غزة. وبذلك، تصعّد "إسرائيل" عمليات القتل بوسائل أخرى.

كل هذا ليس كافياً بالنسبة إلى الولايات المتحدة لوقف شحنات الأسلحة إلى "إسرائيل". وعندما كشفت وزارة الخارجية أخيراً عن تقريرها حول انتهاكات "إسرائيل" لحقوق الإنسان، لم يكن بوسعها تجنب توجيه الاتهامات من دون فبركة السلوك الإسرائيلي، نظراً إلى عدد موظفي وزارة الخارجية الغاضبين بالفعل من سياسة بايدن تجاه الحرب في غزّة. وقدّم التقرير الأعذار لـ "إسرائيل"، ووجد أنّه على الرغم من تورط الجنود والضباط الإسرائيليين في انتهاكات حقوق الإنسان، فإنها لا ترقى إلى مستوى الأسباب الكافية لتعليق المساعدات العسكرية.

لقد وضع بايدن إطار العمل للعملية العسكرية في رفح، وهو أمر يناسب نتنياهو. ويتمثل هذا الإطار بـ "إغلاق إسرائيل لمعبر رفح؛ وهجوم سيجبر أكثر من 100.000 فلسطيني على الفرار مرة أخرى؛ وتدمير منطقة مدمرة بالفعل"، لكن كل هذا لا يشكّل عملية برية كبيرة بالنسبة إلى البيت الأبيض. 

يسمح إطار العمل هذا لنتنياهو شن حرب طويلة، وقتل عدد أكبر ومتزايد من الفلسطينيين بسبب الأمراض وسوء التغذية، والمجاعة، وعدم الحصول على الرعاية الطبية للحالات المزمنة، وأسباب أخرى.

وكل هذا، يوضح خطورة سذاجة الكثيرين في مجتمع السياسة الخارجية الذين سارعوا إلى الإشادة ببايدن بعد حجبه بعض الأسلحة عن "إسرائيل".

نقلته إلى العربية: بتول دياب

في السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023 أعلنت كتائب القسام معركة "طوفان الأقصى"، فاقتحمت المستوطنات الإسرائيلية في غلاف غزة، وأسرت جنوداً ومستوطنين إسرائيليين. قامت "إسرائيل" بعدها بحملة انتقام وحشية ضد القطاع، في عدوانٍ قتل وأصاب عشرات الآلاف من الفلسطينيين.