"Drop Site": اغتيال هنية لن يؤدي إلّا إلى تشجيع المقاومة
إنّ حركات المقاومة الفلسطينية المسلّحة لا تستلهم ولا يديرها فرد أو مجموعة واحدة، ومن المرجح أن يؤدي اغتيال إسماعيل هنية والقصف في لبنان إلى تشجيع فصائل المقاومة بشكل أكبر.
موقع "Drop Site" المستقل ينشر مقالاً للصحافي والناشط الأميركي، جيريمي سكاهيل، يتحدث فيه عن عمليات الاغتيال التي تنفّذها "إسرائيل" بحق قادة حركات المقاومة، مؤكداً أنّها لن تُضعف هذه الحركات، بل ستزيدها عزماً.
أدناه نص المقال منقولاً إلى العربية بتصرف:
اغتيل الزعيم السياسي لحركة حماس، إسماعيل هنية، في اعتداء إسرائيلي على العاصمة الإيرانية طهران. ولم تُؤَكَّد الطريقة التي تمت عبرها عملية الاغتيال على نحو حاسم، لكن "وكالة أنباء فارس"، شبه الرسمية، وصفت نوع السلاح المستخدم بالصاروخ أو المقذوف الذي أُطلق من بلد قريب من إيران.
بالطبع، نفت الولايات المتحدة علمها بالعدوان مسبقاً، على رغم أنّ من غير المرجَّح أن يؤكد أيّ مسؤول أميركي علناً معرفته المسبقة، ناهيك بتورط بلاده في المشاركة في الجريمة. وعلى إثر الحادث، صرّح وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، الذي يقوم بزيارة رسمية لسنغافورة، بأن "هذا أمر لم نكن على علم به، أو مشاركين فيه". وتبعه وزير الدفاع الأميركي، لويد أوستن، خلال مؤتمر صحافي على متن سفينة تابعة للبحرية في الفلبين، حين سُئل عن معرفة بلاده المسبّقة بالعدوان، فقال "ليس لديّ أي شيء لأقوله في هذا الشأن".
استُشهد هنية، وهو في زيارة معلَنة لطهران من أجل حضور تنصيب الرئيس الجديد مسعود بزشكيان، إلى جانب مرافقه الشخصي داخل مجمع سكني يستخدمه قدامى المحاربين في حرس الثورة الإيراني. وجاء اغتيال هنية بعد ساعات فقط من غارة عدوانية إسرائيلية على مبنى سكني في ضاحية بيروت الجنوبية، أسفرت عن استشهاد 7 مدنيين وجرح وإصابة العشرات، واستشهاد القائد الكبير في حزب الله فؤاد شكر.
زعمت "تل أبيب"، في إثر عدوانها، أنّ شكر كان المسؤول عن هجوم صاروخي أسفر عن مقتل 12 طفلاً درزياً سورياً في بلدة مجدل شمس المحتلة في مرتفعات الجولان، مع أنّ حزب الله نفى أن يكون له أي صلة أو مسؤولية في الحادث الدموي، وقال إنّ الصاروخ الذي سقط اعتراضي، أطلقته منظومة القبة الحديدية الإسرائيلية، وأخطأ هدفه.
وكانت الولايات المتحدة اتهمت، منذ زمن طويل، القائد شكر بأداء دور رئيس في تفجير مقر "المارينز" في بيروت في عام 1983، والذي أسفر عن مصرع 241 فرداً من الجنود الأميركيين.
لم تعترف "إسرائيل" رسمياً بعدُ باغتيال إسماعيل هنية، التي أرادت أن تكون عملية اغتياله رسالة قوية إلى كل محور المقاومة، من أجل منعه من تعميق التعاون فيما بينه ومع غزة. لكن، على الأرجح أن ما سيحدث هو عكس الأهداف والأمنيات الإسرائيلية، وسوف تُظهره قوى المقاومة في كل الجبهات، في وقت قريب جداً.
كان إسماعيل هنية شخصية أساسية في مفاوضات وقف إطلاق النار في غزة. وتساءل رئيس الوزراء القطري، محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، وهو أحد كبار المسؤولين الذين يتوسطون في المفاوضات المذكورة: "كيف يمكن للوساطة أن تنجح عندما يغتال أحد الطرفين المفاوض من الجانب الآخر".
بعد جريمة اغتيال الشهيد إسماعيل هنية، تحدّث وزير الدفاع الأميركي، لويد أوستن، إلى وزير الحرب الإسرائيلي، يوآف غالانت، ليكرر له معزوفة التزام بلاده الثابت أمن الاحتلال و"حقه في الدفاع عن النفس". ثم أصدر مكتب غالانت بياناً أشار فقط إلى العدوان على لبنان، ولم يذكر جريمة اغتيال هنية. كما تجنّب البنتاغون في بيانه، الإشارة إلى جريمة اغتيال هنية، وجاء فيه أن الوزيرين "ناقشا التهديدات التي تشكّلها الجماعات المدعومة من إيران، وحزب الله، على إسرائيل".
ردود فعل محور المقاومة
انهالت الإدانات لاغتيال هنية من كل قادة الفصائل الفلسطينية ومحور المقاومة، والذين تعهدّوا الردَّ. وقال المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي: "لقد جلب الكيان الصهيوني الإرهابي الإجرامي على نفسه أشد العقوبات في هذا الهجوم". وأضاف أنّ "الانتقام لدم هنية هو واجب على إيران لأنه استشهد في أرضنا". كذلك، أصدر حرس الثورة الإيراني بياناً تعهد فيه أنّ "هذه الجريمة التي ارتكبها النظام الصهيوني ستقابَل بردّ قاسٍ ومؤلم من جبهة المقاومة القوية والعظيمة، وخصوصاً الجمهورية الإسلامية الإيرانية".
وقال نائب الأمين العام لحركة الجهاد الإسلامي، محمد الهندي، إنّ عملية الاغتيال "لا تستهدف المقاومة الفلسطينية وحركة حماس فحسب، بل تستهدف إيران أيضاً"، مشيراً إلى أنّ "المقاومة الفلسطينية والمقاومة في لبنان ودّعتا عدداً من القادة من دون أن يكسرها استشهادهم".
ودعت فصائل المقاومة الفلسطينية أنصارها إلى تكثيف عملياتها ضد الاحتلال في الضفة الغربية. والجدير ذكره هنا، أنّه منذ عملية "طوفان الأقصى"، وفقاً لاستطلاعات الرأي، ارتفع الدعم لكل من حركتي حماس والجهاد الإسلامي بصورة كبيرة، في جميع أنحاء الأراضي الفلسطينية المحتلة.
وأصدر حزب الله بياناً قال فيه إنّ "اغتيال الشهيد إسماعيل هنية سيزيد في عزم المجاهدين وإصرارهم في كل ساحات المقاومة على مواصلة طريق الجهاد، وسيعزز عزمهم على مواجهة العدو الصهيوني، قاتل النساء والأطفال، ومرتكب الإبادة الجماعية في غزة، ومغتصب أرض فلسطين ومقدسات الأمة".
الدور الأميركي
يتساءل عدد من المعلقين والمتابعين والناشطين في وسائل التواصل الاجتماعي عن الدور الذي أدته الولايات المتحدة في اغتيال الشهيد إسماعيل هنية، في وقت حمّلت وزارةُ الخارجية الإيرانية "إسرائيل" والولايات المتحدة المسؤوليةَ الكاملة عن جريمة الاغتيال. وعلى الرغم من نفي المسؤولين السياسيين الأميركيين، فإن من المرجح للغاية أن تكون أجهزة الاستخبارات الأميركية كانت علم بمؤامرة "تل أبيب" لاغتيال هنية في طهران. وإذا كان الأمر كذلك، فإنّ السؤال الأساسي هو ما الذي فكّرت فيه الولايات المتحدة كنتيجة محتملة أو رد فعل من إيران والقوى الإقليمية الأخرى على هذه الجريمة الكبيرة.
لقد قامت إدارة بايدن باستعراض كبير في الأيام الأخيرة، من أجل ترويج فكرة، مفادها أنّ وقف إطلاق النار في غزة في متناول اليد، على الرغم من التصريحات السلبية التي صدرت عن الاحتلال وحركة حماس بشأن المفاوضات غير المباشرة بينهما. وكان مدير وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية، ويليام بيرنز، في روما، يوم الأحد، من أجل إجراء محادثات مع مسؤولين صهاينة ووسطاء من قطر ومصر. وفي تعليقاته في سنغافورة اليوم، بعد اغتيال الشهيد هنية، ظهر بلينكن منفصلاً عن كيفية تفسير أحداث الساعات الماضية وقال إنّ "الذي نركز عليه هو محاولة التأكد من عدم تصعيد الصراع في الإقليم، وأفضل طريقة لخفضه هي من خلال وقف إطلاق النار في غزة".
لا ريب في أنّ جريمة اغتيال الشهيد إسماعيل هنية تهدف إلى إرغام حركة حماس وقوى المقاومة الفلسطينية على الاستسلام عسكرياً. فلم تدرك "تل أبيب" حتى الآن، بعد (أكثر من) 9 شهور من العدوان، أنّ أهدافها في غزة مستحيلة، بالإضافة إلى أنّ أغلبية دول العالم، وفي مقدمتها روسيا والصين وتركيا، دانت اغتيال الشهيد هنية، بصفته مسؤولاً سياسياً وكبير المفاوضين من أجل التوصل إلى وقف إطلاق النار في غزة، وكونه (الاغتيال) تخريباً دموياً للجهود متعددة الأطراف لإنهاء حرب الإبادة الجماعية التي تقوم بها قوات الاحتلال الإسرائيلي.
كان هناك نقاش داخل إدارة بايدن بشأن ما إذا كان قتل يحيى السنوار، زعيم حماس في غزة، سيسمح للاحتلال بأن يزعم نصراً من مستوى ما، يمهد الطريق لقبول وقف إطلاق النار. وفي الشهر الماضي، سرب مسؤولون في الإدارة سردية لصحيفة "واشنطن بوست" مفادها أنّ البيت الأبيض عرض على تل أبيب "معلومات استخباراتية حساسة لمساعدة جيش الاحتلال على تحديد موقع قادة حماس في مقابل تنازلات من رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو بشأن نطاق غزو رفح".
من الممكن أنّ المسؤولين الأميركيين يعتقدون أنّ في استطاعتهم استخدام مقتل هنية في محاولة لإقناع نتنياهو بالموافقة على وقف موقت للقتال لتبادل الأسرى. لكن، مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية الأميركية، وخروج بايدن من السباق، واحتمال عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، من غير الواضح ما هو النفوذ الذي تتمتع به الإدارة الأميركية بالفعل في إطار معاييرها المعلنة لدعم الاحتلال. ففي الحقيقة، كان في وسع الولايات المتحدة أن تنهي المذبحة في غزة منذ فترة طويلة بقطع كل الأسلحة والدعم اللوجستي عن "إسرائيل"، وهو أمر لم يفكر فيه بايدن أو كامالا هاريس أو ترامب أبداً.
"حماس": لن نستسلم
في الأيام الأخيرة، اتهمت حركة حماس نتنياهو بتخريب وقف إطلاق النار. وألقت اللوم على الولايات المتحدة في استمرار الحرب وحضانة موقف الاحتلال المعرقل حدوث اتفاق، إلا أنّ الحركة امتنعت عن الانسحاب من العملية. ولم تصدر بعدُ أي بيان تفصيلي بشأن الكيفية التي قد يؤثر فيها استشهاد هنية على عملية المفاوضات.
لقد أثبت الاحتلال الإسرائيلي قدرة فظيعة على ارتكاب المجازر بحق أعداد هائلة من المدنيين الفلسطينيين واغتيال القادة السياسيين، لكن لم يتمكن جيشها من هزيمة المقاومة الفلسطينية، التي تقوم، إلى حد كبير، بتصنيع أسلحتها الخاصة، وتعمل تحت نيران الاحتلال المستمرة والمزود بأثقل القنابل الأميركية وأحدثها.
إنّ حركة حماس لن تستسلم بسبب اغتيال أحد قادتها. وهي لم تفعل ذلك سابقاً خلال عقود الاغتيالات التي تعرّض لها مسؤولوها في الجسمين العسكري والسياسي، بل على العكس كانت الاغتيالات، وما زالت عند كل فصائل المقاومة، تشكل حافزاً قوياً لقتال الاحتلال. وما عملية طوفان الأقصى، إلا صورة من صور الصمود والصبر والإصرار على الحقوق والمبادئ.
إنّ حركات المقاومة الفلسطينية المسلّحة لا يديرها فرد أو جماعة واحدة. ومن المرجح أن يؤدي هذا الاغتيال والقصف في لبنان إلى تشجيع فصائل المقاومة بصورة أكبر. وقد يكون هذا هو قصد نتنياهو إذا كان يعتقد أنّ الولايات المتحدة ستواصل تسليحه ودعمه في حروب الإبادة التي يخوضها بغض النظر عن التكلفة التي قد تترتب على ذلك من أرواح الفلسطينيين. وهذا ليس افتراضاً غير معقول، بالنظر إلى الدعم الكامل الذي تلقته "إسرائيل" من إدارة بايدن على مدى 10 شهور خلت.