"Counterpunch": روسيا وطرقها التجارية تتفوقان على الغرب وعقوباته
موسكو انتصرت على العقوبات، وتفوّقت على خصومها، وسعت في الوقت ذاته إلى إعادة رسم مسارات التجارة العالمية التي ستزوّدها بدروع أعظم لصدّ الصدمات الاقتصادية في المستقبل.
موقع "Counterpunch" ينشر مقالاً للكاتب بينوي كامبمارك، يتحدّث فيه عن فشل العقوبات الغربية على روسيا، بعد أن تغلّبت عليها الأخيرة من خلال شقّ طرق تجارية جديدة.
أدناه نص المقال منقولاً إلى العربية:
الحاجة أُمّ الاختراع. هذا ما أظهره ردّ روسيا، وتغلّبها على العقوبات الاقتصادية والتجارية التي فرضها الغرب عليها، باستنباط أفكار خلّاقة وإبداعية إلى حدّ كبير. ومع أنّ روسيا تحمّلت تعرّضها لاستنزاف العقوبات في وقت تخوض فيه عمليتها العسكرية الخاصّة في أوكرانيا، استطاع الكرملين تكييف الاقتصاد على نحو مُستدام، ولم ينهر كما كان يتوقّع ويُشيع حلفاء "الناتو" بشكل مُروّع. وقد عملت روسيا على شقّ طرق تجارية جديدة، في خطوة رحّبَت بها القوى البارزة في الجنوب العالمي.
كان أحد كبار المعتدين في العقوبات ضدّ موسكو واثقاً في البداية من الضرر الذي قد تُحدثه العقوبات الاقتصادية، هو الرئيس الأميركي جو بايدن، الذي فرض منذ نحو أكثر من عامين تدابير عقابية من شأنها "إضعاف قدرة روسيا على المنافسة في اقتصاد التقنية العالية" كما زعم، وأصرّ معه آنذاك الاتحاد الأوروبيّ، باعتبار الخطوة تستنزف موسكو، وتضعف قُدرتها على تمويل الحرب، وتضغط على النخب الاقتصادية والسياسية والعسكرية بهدف مُعاقبتهم كأفراد يوافقون حكومة بلادهم على حماية أمن بلادهم القومي.
في كلّ هذا، تجاهلت المنظومة الغربية وحكومات أخرى من حلفائها، الدرس التاريخي الذي من المفترض أنّها تعلّمته من تاريخ مُمارسة العقوبات، حين شرعوا باستهداف روسيا. فالدول الخاضعة لتدابير العقوبات الاقتصادية الوحشية، عادة ما تظهر مُرونة مُثيرة للإعجاب من حيث تكثيف الجهود الاستنباطية التي تتفوّق على الحصار بتحويله لفرصة دافعة بعجلة النموّ إلى الأمام. وهكذا استجابت اليابان وألمانيا وإيطاليا في ثلاثينيات القرن الماضي في مُواجهة العقوبات التي فرضتها "عصبة الأمم"، بخطّة أطلق عليها اسم "مُرونة الحصار". ومن عجيب المفارقات المدهشة أنّ القوى المستهدفة بالعقوبات آنذاك، تجرّأت على متابعة تدابير أكثر شراسة لتقويض القيود المفروضة عليها.
اليوم كما الأمس، روسيا منذ العام 2022، صارت ثاني أكبر مورّد للنفط الخامّ للصين. وتُساهم بإمدادات سوق الطاقة الهندي بنسبة 34% من حاجاته المحلّية، وسرّعت من تحسين طرق التجارة الدولية، وإحراز تقدّم مع الصين على طريق بحر الشمال الممتدّ بين المحيطين الأطلسي والهادئ، من مورمانسك على شواطئ بارنتس إلى مضيق بيرينغ والشرق الأقصى. وتتضمّن الاتفاقية بين وكالة الطاقة النوويّة الروسيّة "روساتوم"، وشركة "هايْنان يانغبو نيونيو" الصينيّة، بناءً وتصميماً مشتركاً لسفن وحاويات خاصّة لعبور القطب الشمالي والتعامل مع الظروف القاسية على مدار الفصول. كما أعلنت شركة "روساتوم" بثقة أنّ ما يصل إلى 3 ملايين طنّ من البضائع العابرة ستتدفّق على طول طريق بحر الشمال خلال العام الجاري.
كذلك عزّز طريق القطب الشمالي حيوية طرق أخرى استراتيجية بالنسبة لروسيا وشراكاتها التجارية مع الدول الأخرى. مؤخّراً، أحرزت موسكو ونيودلهي تقدّماً في ممر النقل الدولي من الشمال إلى الجنوب بطول 7200 كيلومتر، يمتدّ من سانت بطرسبرغ في شمال غرب روسيا إلى الموانئ في جنوب إيران، ومنها إلى مومباي. وفي حين يعود تاريخ الاتّفاق بين روسيا وإيران والهند لمثل هذا الممرّ المتعدّد الوسائط إلى العام 2000، فإنّ ظُهور العقوبات المفروضة في أعقاب حرب أوكرانيا دفع موسكو إلى البحث عن أسواق جديدة في الشرق الأوسط وآسيا.
ويتجاوز هذا المسار أوروبا، ويُقلّل من زمن الشحن لنصف طول المسار القياسي الحالي عبر البحر الأبيض المتوسط وقناة السويس. فقد كان الوقت اللازم لنقل البضائع إلى موسكو من مومباي قبل بدء الممرّ، يتراوح بين 40 و60 يوماً، وفي الوقت الحالي، قُلّصَ وقت العبور إلى بين 25 و30 يوماً، مع خفض تكاليف النقل بنسبة 30%.
وقد أُحرز تقدّم كبير على الطريق الغربي أيضاً، المستخدم في مرافق السكك الحديدية والطرق عبر أذربيجان. وفي شهر آذار/مارس هذا العام، كشفت وزارة التنمية الرقمية والنقل في أذربيجان أنّ الشحن عبر القطارات نما بنحو 30%، والشحن عبر الطرق البرّية ارتفع إلى 1.3 مليون طنّ، بزيادة قدرها 35%. وتتوقّع الوزارة أن يرتفع حجم الحمولة من حيث حركة الشحن إلى 30 مليون طنّ سنوياً، بعد أن افتتح خطّ السكك الحديدية بين رشت وبحر قزوين الذي يربط الخليج ببحر قزوين بحضور كبار الشخصيات الروسية والإيرانية والأذربيجانية. وهناك عامل آخر يزيد قيمة الممرّ هو التوتّرات بشكل مُتزايد لحركة الشحن من أوروبا إلى آسيا عبر قناة السويس، خاصّة الآن الذي يردّ فيه اليمنيون، على المجازر الإسرائيلية بحقّ الفلسطينيين في غزّة.
وعلى الرغم من التكاليف الباهظة التي تكبّدتها روسيا في حرب أوكرانيا، فمن الواضح، على الأقلّ عندما يتعلّق الأمر باستخدام الأسلحة الاقتصادية والمالية، أنّ موسكو انتصرت. فقد تفوّقت على خصومها، وسعت في الوقت ذاته إلى إعادة رسم مسارات التجارة العالمية التي ستزوّدها بدروع أعظم لصدّ الصدمات الاقتصادية في المستقبل.
نقله إلى العربية: حسين قطايا