"Counterpunch": الإعلام الغربي وتبييض جريمة الإبادة الجماعية الإسرائيلية
يشكّل النشر المنهجي للمعلومات المضلّلة وجهة نظر أحادية البعد للصراع، ويقمع الحقيقة، ويضع وسائل الإعلام الغربية كأداة رئيسية في صناعة الموافقة على حروب الإبادة الجماعية الإسرائيلية بحق الفلسطينيين.
موقع "Counterpunch" ينشر مقالاً للكاتب جمال كنج، يتحدث فيه عن كيف تقوم وسائل الإعلام الغربية بالتخلّي عن مسؤوليتها الأخلاقية في التغطية للحرب الإسرائيلية على غزّة، وكيف تكون بذلك أداة في صناعة الموافقة على حروب الإبادة الجماعية الإسرائيلية بحق الفلسطينيين.
أدناه نص المقال منقولاً إلى العربية:
وصفت اللجنة الخاصّة التابعة للأمم المتّحدة حرب "إسرائيل" في غزّة بأنّها إبادة جماعية، في حين تواظب وسائل الإعلام الغربية "الحرّة"، على التخلّي عن مسؤوليتها الأخلاقية في التغطية، أو في نقل الأخبار بموضوعية حول الكيفية التي تدير بها "إسرائيل" حروبها في غزّة ولبنان. وقد أظهرت الصحافة الغربية عموماً، إذعانها الكامل للتوجيهات الإسرائيلية التي تمنع المراسلين من دخول غزّة، ما عدا من هو مرتبط بـ "الجيش" الإسرائيلي، وبالتّالي لا يتمّ الإبلاغ إلّا عما تسمح به "إسرائيل"، وهي رواية أحادية الجانب ومدقّقة بشدّة.
كذلك، غُيّب الرأي العامّ الغربي بشكل مبرمج ليبقى بعيداً عن المعلومات الهامّة، أو أن يعرف مثلاً عن وصف "اليونيسف" لقطاع غزّة بأنّه أخطر مكان في العالم بالنسبة إلى الأطفال. وبغضّ النظر عن هذه الحقائق، غالباً ما تجرّد وسائل الإعلام الغربية الفلسطينيين من إنسانيّتهم، وترفض نقل معاناتهم بينما تتعاطف علناً مع الإسرائيليين.
ومن الأمثلة على ذلك، أنّها تغطّي على نطاق واسع نقل مئات العائلات الإسرائيلية، في حين أنّها لا تقدّم سوى تغطية ضئيلة أو معدومة عن 625,000 طفل فلسطيني غير قادرين على الذهاب إلى المدرسة للسنة الثانية، لأنّ "إسرائيل" ألحقت أضراراً، أو دمّرت معظم مدارس غزّة. هذا بالإضافة إلى تجاهل الإعلام الغربي استخدام "إسرائيل" الموثّق من قبل الأمم المتّحدة "للتجويع كسلاح حرب، وتدمير أنظمة المياه والصرف الصحّي والبنى التحتية "، وأهملت أيضاً محنة 90% من سكّان القطاع النازحين داخلياً، والذين أُجبر الكثير منهم على الانتقال نحو 10 مرّات. كذلك، ثمة إغفال متعمّد لتدمير "إسرائيل" لنظام التعليم العالي بأكمله في القطاع، بهدم 12 جامعة هي كلّ ما يوجد في غزّة، وتشريد 88,000 طالب غير قادرين على مواصلة علومهم.
وكما كان حظّ التدمير المنهجي للنظام التعليمي في غزّة، تجاهلت وسائل الإعلام "الحرّة" أيضاً، إعداد تقارير نقدية عن استراتيجية "إسرائيل" المتعمّدة لتفكيك نظام الرعاية الصحّية في القطاع. ووفقاً لمفوّضة الأمم المتّحدة السامية السابقة لحقوق الإنسان نافي بيلاي، تضمّنت هذه الاستراتيجية "هجمات لا هوادة فيها ومتعمّدة على العاملين في المجال الطبّي والمرافق الصحّية"، بما في ذلك قتل واحتجاز وتعذيب الطاقم الطبي كجزء من "سياسة منسّقة لتدمير نظام الرعاية الصحّية". وفي شهر تمّوز/يوليو العام الجاري، ذكرت منظّمة الصحّة العالمية أنّ "إسرائيل" شنّت 498 غارة على مرافق الرعاية الصحّية، من بينها 36 مستشفى، ولا يعمل الآن في القطاع سوى أقلّ من 16 مستشفى بشكل جزئي، ما ينذر بانهيار شبه كامل لنظام الرعاية الصحّية.
تعتمد وسائل الإعلام "الحرّة" على عدد لا يحصى من المراسلين في "تلّ أبيب" لتغطية فعالية نظام صواريخ القبّة الحديدية، لكن، لا أحد منهم يحقّق في المجاعة في شمال غزّة، أو يتجرّأ على إظهار وجه أحد الأطفال الضحايا البالغ عددهم نحو 16800، أو وجه طفل من 17000 يعانون فقدان أحد الوالدين أو كليهما. في وقت تفيض فيه الشاشات بصور لنافذة زجاجية مكسورة في مستعمرة "يهودية"، ولكن لا يسمح للكاميرات بنقل صور عن دمار نحو 200 ألف مبنى ومنزل في كلّ نواحي القطاع.
إنّ ما يسمّى بالإعلام الغربي "الحرّ"، لا يشكّك أو يتحقّق من صحّة المعلومات الإسرائيلية المضلّلة، وحين تستهدف الطائرات الأميركية الصنع المدارس أو تهدم الأبراج السكنية بحجّة أنّها "مراكز القيادة" تُروّج رواية كاذبة، تصوّر هجمات "إسرائيل" الخبيثة على أنّها أعمال خيرية، لأنّها تصدر تحذيراً قبل قصف المنازل بالإخلاء، ثمّ تقتل المدنيين في أثناء نزوحهم بموجب الأوامر نفسها. كذلك، يتجاهل الصحفيون الغربيون الأصوات الفلسطينية التي تشير إلى أنّ التدمير الواسع النطاق للمنازل و"الملاجئ الآمنة" والبنية التحتية الحيوية، هو جزء من استراتيجية إسرائيلية محسوبة لجعل غزّة مكاناً غير صالح للسكن وتهجير السكّان قسراً، ويكتفون بنشر تقاريرهم من بعيد، بينما "إسرائيل" تطبع العنف والتطهير العرقي في القطاع، وهم يردّدون سرديتها الزائفة من دون تدقيق.
ومن الأمثلة الصارخة على تخلّي وسائل الإعلام عن موضوعيتها كانت حالة مستشفى الشفاء، حيث عرض مسؤولون عسكريون إسرائيليون نموذجاً متقناً ثلاثي الأبعاد يزعم أنّها صور لمركز قيادة أسفل المستشفى، وردّد الرئيس الأميركي جو بايدن والبيت الأبيض المعلومات الإسرائيلية المضلّلة، ما زاد تضخيم الروايات الإسرائيلية الكاذبة، من دون أن يشتبه الجمهور بالأمر. ومنذ عام، احتلّ "الجيش" الإسرائيلي المستشفى، واعتقل الأطبّاء وعذّب العديد منهم حتّى الموت، وأخرج المستشفى من الخدمة. ثمّ انضمّ صحفيون غربيون مرتبطون بـ"الجيش" الإسرائيلي ليظهروا للعالم ما زعم أنّه مركز قيادة عسكرية تحت المستشفى. ولكن، اكتشف أنّ الصروح الوحيدة التي تحت أرض مجمّع المستشفى الواسع صمّمت في الأصل من قبل المهندسين الإسرائيليين بتكليف من إدارة الأشغال العامّة الإسرائيلية، حين كانت تحتلّ القطاع في العام 1983.
رافقت أداة الدعاية الإسرائيلية الغربية المدمجة، كبار ضبّاط التضليل خلال الجولة في مستشفى الشفاء، لكنّها غادرت خالية الوفاض، لم يعثر على "مركز التحكّم والقيادة" أو أيّ مرافق عسكرية تحت المجمّع الطبّي. وخلصت "هيومن رايتس ووتش" فيما بعد، إلى أنّ الهجوم العسكري على المستشفى يشكّل جريمة حرب، خصوصاً أنه لم تقدّم أدلّة لتبرير إزالة وضع المستشفى من الحماية بقوانين الحرب. وبدلاً من تحميل "إسرائيل" المسؤولية عن تدمير منشأة صحّيَّة كبرى، واصلت وسائل الإعلام الغربية تسويق الأكاذيب الإسرائيلية لتبرير انتهاكات القانون الدولي. مع أنّ الافتقار إلى التقارير النقدية والتحقّق من الأحداث يعدّ خيانة للمسؤوليات الصحفية، وهو فعلياً موافقة ضمنية، أو على الأقل، يغضّ الطرف بقوّة عن جرائم الحرب الإسرائيلية.
تُسهّل وسائل الإعلام الغربية من العنف والعدوان باعتماد المصطلحات الإسرائيلية بدقّة، التي تزيل حساسية القرّاء، وتعيد توجيه تركيزهم من خلال تأطير حروب "إسرائيل" ضدّ الفلسطينيين واللبنانيين مثلاً على أنّها ضدّ "حماس" و "حزب الله"، ثمّ تستخدم عبارات ملطّفة تخفي مسؤولية "إسرائيل" عن التأثير الأوسع للحرب على المدنيين الأبرياء، وتطمس مسؤوليتها عن تدمير 80% من المنازل، و 60% من المستشفيات، و 85% من المدارس، و 100% من الجامعات، وتشريد 90% من السكّان، وتجويع الأطفال، ثمّ يتمّ تصوير هذه الفظائع على أنّها مجرّد "أضرار جانبية"، أو ضحايا غير مقصودة في تبادل لإطلاق النار.
كذلك، أنّ هذا التقصير للإعلام الغربي في وضع الانتهاكات الإسرائيلية للقانون الإنساني الدولي في سياقها، وتجاهل النتائج التي توصّلت إليها محكمة العدل الدولية والمحكمة الجنائية الدولية، يترك القرّاء غير مدركين للتداعيات القانونية ويحجب عن المجرمين المساءلة. وبذلك، تصبح وسائل الإعلام الغربية، عن قصد أو عن غير قصد، منصّة متواطئة في "الهسبارا" أي البروباغندا الإسرائيلية.
حتى إنّ وسائل الإعلام الغربية تخلّت عن زملائها الصحفيين المحلّيين الذين بقوا في غزّة واستهدفوا عمداً من قبل "الجيش" الإسرائيلي. إنّ اعتداء "إسرائيل" على الحقيقة، بما في ذلك الهجمات على الصحفيين وعائلاتهم، لم يسبق له مثيل في مناطق الحرب. ووفقاً للجنة حماية الصحفيين، قتلت "إسرائيل" 137 صحفياً وصحفية، ما يجعلها "الدولة" الأكثر دموية بقتل الصحفيين منذ أن بدأت لجنة حماية الصحفيين بجمع البيانات في عام 1992.
تقوم "الهسبارا" الصهيونية، على دعم حكم فاحشي الثراء ووسائل الإعلام القوية وجماعات المصالح الخاصّة المؤثّرة في الغرب، بتكريس الأكاذيب الإسرائيلية والتحيّز ضدّ الفلسطينيين لأكثر من 76 عاماً. وتتبنّى سرديّات تشوّهِ وعي الرأي العامّ، وتتلاعب بأفكار الجمهور وتشكّل فضاءه السياسي. وحتماً، يشكّل النشر المنهجي للمعلومات المضلّلة وجهة نظر أحادية البعد للصراع، ويقمع الحقيقة، ويضع وسائل الإعلام الغربية كأداة رئيسية في صناعة الموافقة على حروب الإبادة الجماعية الإسرائيلية بحق الفلسطينيين.
نقله إلى العربية: حسين قطايا