"counter punch": البنتاغون يعلن فشل حربه على الإرهاب في أفريقيا
الزيادة في الهجمات الإرهابية في أفريقيا، تضاعفت لآلاف المرات بطريقة مذهلة، بعد انطلاق العمليات الأميركية في القارة السمراء، وارتفع عدد الضحايا على مدى العقدين الماضيين بشكل مرعب.
يتناول مقال مطول في موقع "counter punch" حرب الولايات المتحدة التي امتدت لعقود على الجماعات المسلحة في أفريقيا، ويستند إلى أرقام أميركية ليدلل على إخفاق أميركا في هذه المهمة، وكيف أن "الإرهاب" زاد في السنوات الماضية بعد انطلاق هذه الحرب.
فيما يلي نص المقال منقولاً إلى العربية:
شهدت حرب أميركا العالمية على الإرهاب نصيبها من الجمود والكوارث والهزائم الواضحة. خلال أكثر من 20 عاماً من التدخلات المسلحة، شاهدت الولايات المتحدة جهودها تنهار بطريقة مذهلة، من العراق في عام 2014 إلى أفغانستان في عام 2021. بيد أن الفشل الأكبر في "حروبها الأبدية" قد لا يكون في قارة آسيا، بل في أفريقيا.
قال الرئيس جورج دبليو بوش للشعب الأميركي عقب هجمات 9/11 الشهيرة، "الحرب على الإرهاب بدأت مع تنظيم القاعدة، لكنها لا تنتهي عند هذا الحد، حتى يتم العثور على كل مجموعة إرهابية ذات امتداد عالمي وإيقافها وهزيمتها"، مشيراً، على وجه التحديد، إلى أن هؤلاء المسلحين لديهم مخططات للتمدد في مناطق شاسعة من أفريقيا.
ولدعم هذا الاتجاه، بدأت الولايات المتحدة جهوداً استمرت لأكثر من عقدين، ووفرت كميات كبيرة من المساعدات العسكرية والخدمات الأمنية وتدريب عدة آلاف من الضباط الأفارقة، وإنشاء عشرات المواقع اللوجستية المتعددة المهام لقوات "الكوماندوز" الخاصة.
كذلك شنت الولايات المتحدة ضربات بطائرات بدون طيار، وانخرطت في قتال بري مباشر مع المسلحين في أفريقيا. لكن، معظم الأميركيين، بمن فيهم أعضاء الكونغرس، غير مدركين حجم هذه العمليات، ولا يعرفون مطلقاً مدى فشل حروب بلدهم هناك بشكل كبير.
الأرقام الأولية صارخة عن حجم الكارثة. فحين شرعت الولايات المتحدة بـ "حروبها الأبدية" في عامي 2002 و 2003، أحصت وزارة الخارجية الأميركية 9 هجمات إرهابية فقط في أفريقيا. وبالمقارنة مع هذا العام، نفذت الجماعات المتشددة في القارة السمراء، وفقاً للبنتاغون، 6,756 هجوماً. وبعبارة أخرى، منذ أن كثفت الولايات المتحدة عملياتها لمكافحة الإرهاب في أفريقيا، ارتفع منسوب الإرهاب بعشرات الآلاف من المرات.
بدأت الولايات المتحدة حربيها في أفغانستان والعراق بنجاح عسكري إلى حد ما، لكنه سرعان ما تحول إلى احتلال "موارب". وفي كلا البلدين، كانت خطط واشنطن تعتمد على قدرتها على إنشاء جيوش وطنية يمكن أن تساعد وتتولى في نهاية المطاف القتال ضد قوات "العدو". في النهاية، انهار كلا الجيشين اللذين أنشأتهما الولايات المتحدة. في أفغانستان، انتهت حرب استمرت عقدين من الزمن بهزيمة جيش أميركي الصنع مع استعادة "طالبان" للبلاد. وفي العراق، استطاعت "داعش" أن تنفذ مجازر مروعة بقطعات من الجيش العراقي الذي أنشأته الولايات المتحدة في عام 2014. على أي حال لا تزال القوات الأميركية محاصرة في العراق وسوريا حتى اللحظة.
في أفريقيا، شنت الولايات المتحدة حملة موازية في أوائل عام 2000، لدعم وتدريب القوات الأفريقية من مالي في الغرب إلى الصومال في الشرق، وإنشاء قوات تقاتل إلى جانب "الكوماندوز" الأميركي. ولتنفيذ مهامه، أنشأ الجيش الأميركي شبكة من المواقع الأمامية عبر الأقاليم الشمالية من القارة السمراء، بما في ذلك قواعد كبيرة للطائرات دون طيار، أهمها، معسكر "ليمونير" في دولة جيبوتي، إلى القاعدة الجوية في أغاديز في النيجر، إضافة إلى انتشار مرافق ووحدات صغيرة من قوات العمليات الخاصة في ليبيا وجنوب السودان وحتى وسط القارة.
لما يقرب من عقد من الزمن، ظلت حروب واشنطن في أفريقيا طي الكتمان بشكل كبير، إلى أن أعلنت وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون، عن قرار أرسل ليبيا ومنطقة الساحل الأفريقي الشاسع إلى حالة من الفوضى يصعب التعافي منها.
"لقد جئنا"، قالت كلينتون مازحة، بعد حملة جوية لحلف شمال الأطلسي بقيادة الولايات المتحدة أطاحت بحكومة العقيد معمر القذافي في ليبيا في عام 2011. كذلك، أشاد الرئيس باراك أوباما بالتدخل حينذاك ووصفه بأنه ناجح، مع أن ليبيا انزلقت إلى شبه دولة فاشلة. بعدها اعترف أوباما في وقت لاحق بأن "الفشل في التخطيط لليوم التالي في ليبيا كان أسوأ خطأ في كل مدة رئاسته".
ومع سقوط الحكومة الليبية، نهبت جماعات مسلحة من قبائل الطوارق مخابئ أسلحة الجيش الليبي، وتوجهوا بها نحو وطنهم مالي والاستيلاء على الإقليم الشمالي من الدولة. ثم أدى الغضب في القوات المسلحة المالية، بسبب رد الحكومة غير الفعال على تحرك الطوارق إلى انقلاب عسكري في عام 2012، قاده أمادو سانوغو، وهو ضابط تعلم اللغة الإنكليزية في ولاية تكساس وخضع لتدريب أساسي لضباط المشاة في ولاية جورجيا، وتدرب في مقر المخابرات العسكرية في ولاية أريزونا، وتم توجيهه من قبل مشاة البحرية الأميركية في ولاية فرجينيا.
بعد الإطاحة بالحكومة الديمقراطية في مالي، أثبت سانوغو وطغمته العسكرية أنهم ضعفاء في مواجهة الجماعات الإرهابية. ومع ارتفاع حالة الاضطراب في البلاد، أعلن مقاتلو الطوارق عن دولة مستقلة في جزء من شمال مالي، إلى أن تم التخلص منهم من قبل الجماعات المتطرفة المدججة بالسلاح مما تسبب في أزمة إنسانية. وحال التدخل الفرنسي الأميركي الأفريقي المشترك دون سقوط مالي بالكامل تحت سيطرة الجماعات المتشددة، التي تسيطر على مناطق واسعة على الحدود بين 3 دول هي، مالي، بوركينا فاسو، والنيجر.
ومنذ ذلك الحين، ابتليت دول منطقة الساحل في غرب أفريقيا بالجماعات الإرهابية التي تطورت وانقسمت وأعادت تشكيل نفسها عدة مرات. لكنها، في كل الأحوال مارست العنف وقتل المدنيين بانتظام وسرقت أموالهم وممتلكاتهم، مما أدى إلى زعزعة استقرار معظم دول غرب أفريقيا وجنوبها الساحلي على طول خليج غينيا. فعلى سبيل المثال، ارتفع العنف في توغو وبنين بنسبة 633% و718% خلال العام الماضي، وفقاً لتقرير أعده البنتاغون الأميركي.
ولم تتمكن الجيوش التي دربتها الولايات المتحدة في المنطقة من وقف تعديات الجماعات الإرهابية على السكان الآمنين. وخلال عامي 2002 و 2003، قتلت هذه الجماعات 23 ضحية في عموم أفريقيا. بالمقارنة مع هذا العام، وفقا لتقرير البنتاغون أيضاً، أسفرت الهجمات الإرهابية في منطقة الساحل الأفريقي وحدها عن مقتل 9818 شخصاً، بزيادة مهولة قدرها (42,500%)
وفي الوقت نفسه، ارتكب شركاء أميركا العسكريين في المنطقة، خلال حملاتهم ل"مكافحة" الإرهاب، فظائع جسيمة وعمليات قتل خارج نطاق القضاء. وفي عام 2020، على سبيل المثال، اعترف زعيم سياسي بارز في بوركينا فاسو، بأن قوات الأمن في بلاده تنفذ عمليات إعدام "هادفة"،"نحن نفعل ذلك، لكننا لا نصرخ من فوق أسطح المنازل"، مشيراً إلى أن عمليات القتل هذه كانت بسرية وجيدة لمعنويات الجيش.
لم يحقق الحكام الذين توجههم الولايات المتحدة في تلك المنطقة سوى نوع واحد من "النجاح" الواضح، وهو الإطاحة بالحكام الذين دربتهم الولايات المتحدة لحماية تلك البلدان لا للانقلاب على شرعيتها. وقد شارك ما لا يقل عن 15 ضابطاً في 12 انقلاباً في غرب أفريقيا ومنطقة الساحل الكبرى خلال عقدي الحرب على الإرهاب.
وتشمل قائمة الانقلابات دول بوركينا فاسو في عامي 2014 و2015 ومرتين في عام 2022؛ وتشاد عام 2021؛ وغامبيا في عام 2014؛ وغينيا في 2021؛ ومالي في أعوام 2012 و2020 و2021؛ وموريتانيا عام 2008؛ والنيجر عام 2023.
وعلى سبيل المثال، تلقى 5 على الأقل من قادة انقلاب النيجر مساعدة أميركية، وفقاً لمسؤول أميركي. وبدورهم، عينوا 5 أفراد من قوات الأمن النيجيرية من الذين دربتهم الولايات المتحدة للعمل كحكام لذلك البلد.
حتى أن الانقلابات العسكرية من هذا النوع قد أدت إلى فظائع فائقة بينما تقوض الأهداف الأميركية، ومع ذلك تواصل الولايات المتحدة تزويد هذه الأنظمة بدعم مكافحة الإرهاب. خذ على سبيل المثال العقيد عاصمي غويتا، الذي عمل مع قوات العمليات الخاصة الأميركية، وشارك في التدريبات الأميركية، والتحق بكلية العمليات الخاصة العسكرية في ولاية فلوريدا، قبل أن يطيح بحكومة مالي في عام 2020. ثم تولى غويتا منصب نائب الرئيس في حكومة انتقالية (مكلفة رسمياً بإعادة الحكم المدني إلى البلاد)، فقط للاستيلاء على السلطة مرة أخرى في عام 2021.
في العام نفسه، أفادت بعض التقارير أن المجلس العسكري في مالي سمح بنشر قوات من "فاغنر" المرتبطة بروسيا لمحاربة الجماعات المتشددة، بعد ما يقرب من عقدين من جهود مكافحة الإرهاب الفاشلة المدعومة من الغرب.
وعلى الرغم من كل هذا، فإن المساعدات العسكرية الأميركية لمالي لم تنته أبداً. في حين أن انقلابي غويتا في عامي 2020 و 2021 أدت إلى حظر بعض المساعدات الأمنية الأميركية، لكن المساعدات المالية استمرت بالتدفق من جيب دافعي الضرائب الأميركيين. ووفقاً لوزارة الخارجية الأميركية، قدمت الولايات المتحدة أكثر من 16 مليون دولار كمساعدات أمنية لمالي في عام 2020 ونحو 5 ملايين في عام 2021. واعتباراً من تموز/يوليو في العام الجاري، كان مكتب مكافحة الإرهاب التابع للوزارة ينتظر موافقة الكونغرس لتحويل 2 مليون دولار إضافية إلى مالي.
الجمود الذي دام عقدين من الزمن
على الجانب الآخر من القارة السمراء، في الصومال، كان الركود والجمود شعاراً للجهود العسكرية الأميركية.
المسلحون المرتبطون بتنظيم "القاعدة" والجماعات الإرهابية المحلية، حافظوا ولا يزالون على حضور فعال في تلك المنطقة، حسب ما صرح مسؤول كبير في البنتاغون في عام 2002، معترفاً بفشل قوات العمليات الخاصة الأميركية في العام نفسه، ولم تنجح بعد أكثر من 20 عاماً، حيث لا تزال القوات الأميركية تقوم بعمليات لمكافحة الإرهاب، في المقام الأول ضد "حركة الشباب الإسلامية" المتشددة. ولتحقيق هذه الغاية، قدمت واشنطن مليارات الدولارات من المساعدات في مكافحة الإرهاب، وفقاً لتقرير صدر مؤخراً عن مشروع تكاليف الحرب. كما نفذ الأميركيون أكثر من 280 غارة جوية وغارات لقوات "الكوماندوس"، في حين قامت وكالة المخابرات المركزية ببناء قوات محلية بالوكالة للقيام بعمليات عسكرية بعيدة عن الأضواء.
منذ تولي الرئيس جو بايدن منصبه في كانون الثاني/يناير 2021، شنت الولايات المتحدة 31 غارة جوية معلنة في الصومال، أي 6 أضعاف الذي تم تنفيذه خلال فترة الولاية الأولى للرئيس باراك أوباما، مع أنها أقل بكثير من الرقم القياسي الذي سجله الرئيس ترامب، حيث شنت إدارته 208 هجمات بنحو 4 سنوات فقط.
لقد أصبحت حرب أميركا الطويلة الأمد وغير المعلنة في الصومال محركاً رئيسياً للعنف في ذلك البلد، بل أصبحت جزءاً لا يتجزأ من الاستمرار الحتمي للصراع في الصومال، حسب ما ذكرت نيلا أنوولاوابو سويمي، المحاضرة في الفلسفة السياسية والإدارة العامة في "جامعة أكسفورد" البريطانية، كتبت: "إن سياسات مكافحة الإرهاب الأميركية تضمن استمرار الصراع إلى الأبد".
بؤرة الإرهاب الدولي
قال الجنرال الأميركي ويليام وارد، أول قائد للقيادة الأميركية في أفريقيا "أفريكوم"، (المنظمة الشاملة التي تشرف على الجهود العسكرية الأميركية في القارة)، في عام 2010 ،"إن دعم تطوير الجيوش المحترفة والقادرة يساهم في زيادة الأمن والاستقرار في أفريقيا"، بعد ذلك تم تخفيض رتبته بسبب الإنفاق المسرف وسوء الإدارة. وبطبيعة الحال، فإن توقعاته ب "زيادة الأمن والاستقرار" لم تتحقق أبدا.
الزيادة في الهجمات الإرهابية في أفريقيا، تضاعفت لآلاف المرات بطريقة مذهلة، وارتفع عدد الضحايا على مدى العقدين الماضيين بشكل مرعب.
يتواصل ارتفاع هذه النسب. ووفقاً لتقرير صدر هذا العام عن "مركز أفريقيا للدراسات الاستراتيجية"، وهو مؤسسة بحثية تابعة لوزارة الدفاع الأميركية، شهدت أفريقيا زيادة تقارب 4 أضعاف في أحداث العنف المبلغ عنها المرتبطة بالجماعات الإرهابية المتشددة على مدى العقد الماضي ما يقرب من نصف هذا النمو حدث في السنوات ال 3 الماضية.
قبل 22 عاماً، أعلن الرئيس الأميركي جورج دبليو بوش، بداية حرب عالمية على الإرهاب. وأصر على أن "طالبان يجب أن تتصرف، وأن تتصرف على الفور، ويسلمون الإرهابيين، أو سيشاركونهم مصيرهم". واليوم، بطبيعة الحال، تسود حركة طالبان في أفغانستان، ولم يتم إيقاف تنظيم "القاعدة" وهزيمته قط، وانتشرت جماعات إرهابية أخرى في جميع أنحاء أفريقيا وأماكن أخرى. وأكد بوش أن الطريقة الوحيدة "لهزيمة الإرهاب في القضاء عليه وتدميره حيث ينمو". ومع ذلك، فقد نما وانتشر، وظهر عدد كبير من الجماعات المسلحة الجديدة.
على الرغم من تأكيدات كل رؤساء الولايات المتحدة خلال العقدين الماضيين عن ثقتهم بالانتصار على الإرهاب، إلا أن الفشل واظب على التحالف مع الخطط الأميركية في بلد تلو الآخر وفي القارة السمراء أكثر بقليل من أمكنة أخرى، تتعثر الولايات المتحدة بشكل جدي وعميق، ويدفع ثمن إخفاقاتها الأفارقة العاديين الذين قتلوا وجرحوا وشردوا من قبل الجماعات الإرهابية التي تعهد بوش بهزيمتها. وفي وقت سابق من هذا العام، قدم الجنرال مايكل لانغلي، القائد الحالي ل"أفريكوم"، ما قد يكون الحكم النهائي على حروب أميركا الأبدية في تلك القارة، وأعلن أن "أفريقيا هي الآن مركز الإرهاب الدولي".
نقلها إلى العربية: حسين قطايا.