"فورين أفيرز": الدعم الأميركي وحده لن ينجي أوكرانيا
حزمة المساعدات وحدها لن تحل المشكلات الكبيرة التي تواجهها أوكرانيا في حربها مع روسيا، وأي نهاية ناجحة للحرب سوف تعتمد على قدرة الناتو على ردع روسيا وإجبارها على التفاوض.
مجلة "فورين أفيرز" تنشر مقالاً مطوّلاً عن الحرب في أوكرانيا ومستقبلها لجاك واتلينغ، وهو كاتب وباحث في مجال الحرب البرية، ويعمل في المعهد الملكي للخدمات المتحدة في لندن المتخصص في أبحاث مجال الدفاع والأمن.
أدناه نص المقال منقولاً إلى العربية بتصرف:
بعد أشهر من التأخير، كان إقرار الكونغرس مشروع قانون المساعدات الأميركية لأوكرانيا الذي تبلغ قيمته نحو 61 مليار دولار بمنزلة شريان حياة حيوي لكييف، وجاء في الوقت المناسب لتفادي الانهيار الأوكراني، لكن حزمة المساعدات وحدها لن تحل المشكلات الكبيرة التي تواجهها أوكرانيا في حربها مع روسيا.
وتدافع القوات الأوكرانية عن الخطوط الأمامية التي تمتد إلى مسافة 600 ميل في جنوب البلاد وشرقها. وقد أدّى التقاعس الطويل في واشنطن لتقديم المساعدات إلى إجهادها بشدة.
ومن شأن تدفق الأسلحة والذخيرة الأميركية أن يزيد بشكل كبير من تأثير هجوم كييف الصيفي الوشيك على روسيا، وأن يوفر ما يكفي من العتاد لدعم التخطيط العسكري الأكثر منهجية لفصل الصيف والخريف. ومع ذلك، فإن إنهاء الحرب بشروط مواتية لأوكرانيا سيتطلب أكثر بكثير من خط جديد من المعدات والمساعدات.
وبعد مرور أكثر من عامين على بدء العملية الروسية في أوكرانيا، ظل هدفها في الحرب من دون تغيير، إذ يسعى الكرملين إلى إخضاع كييف. وكان الدعم غير المستمر والتأخير السياسي بين شركاء أوكرانيا الدوليين سبباً في جعل هذه النتيجة معقولة للغاية. وإذا كان لأوكرانيا أن تتمكن من منع النصر الروسي في الأمد الأبعد، فسوف تحتاج إلى استراتيجية شاملة، وهذا يعني تدريب وتجهيز وتعبئة قوات جديدة، ويعني أيضاً إقناع الكرملين بأنّ مواصلة الحرب سوف تصبح محفوفة بالمخاطر على نحو متزايد بالنسبة إلى روسيا مع مرور الوقت، ويعني إنشاء موقع يتمتع بالقدر الكافي من القوة حتى يتمكن من تحديد معايير السلام الدائم بشروط أوكرانيا الخاصة.
ولن تكون أي من هذه الخطوات واضحة ومباشرة، ولا يمكن لأي منها أن يحدث بين عشية وضحاها، كما لا تستطيع أوكرانيا وشركاؤها الدوليون أن يضيّعوا أشهراً في صياغة الطريق إلى الأمام. وسوف تحتاج الولايات المتحدة وحلفاؤها في حلف شمال الأطلسي إلى تقديم التزامات واضحة طويلة الأجل، وسيكون إقناع روسيا بالتفاوض أمراً صعباً بشكل خاص، لكن البدائل أسوأ بكثير. وفي غياب مثل هذه الاستراتيجية الشاملة، قد تطول مدة الصراع، لكن مساره لن يتغير.
منذ خريف عام 2023، تدهور وضع ساحة المعركة في أوكرانيا بشكل مطرد. وبسبب نقص الذخيرة إلى حد كبير، اضطرت القوات الأوكرانية إلى التنازل عن الأراضي للقوات الروسية، وغالباً بعد تكبدها خسائر كبيرة. وحشدت روسيا ما يقارب 470 ألف جندي في أوكرانيا، ويبدو أنّها عازمة على استخدامهم لمحاولة استكمال السيطرة على دونباس خلال الفترة المتبقية من عام 2024. وتركّز القوات الروسية هجماتها على البلدات الشرقية الرئيسية التي، بمجرد الاستيلاء عليها، ستسمح لها بتهديد أوكرانيا، إذ تضم المراكز اللوجستية الرئيسية.
وتضطر القوات الأوكرانية في كثير من الأحيان إلى إنفاق موارد كبيرة للدفاع عن مواقع مهمّة. لنأخذ على سبيل المثال تشاسيف يار، وهي بلدة صغيرة تقع على خط سلسلة من التلال الرئيسية في منطقة دونيتسك الشرقية. وإذا سقطت، فستحصل القوات الروسية على موقع قيادي يمكن من خلاله قصف البلدات في دونباس وطرق الإمداد الأوكرانية الرئيسية. وبالتالي، تحاول القوات الأوكرانية يائسة التمسك بها.
عادةً ما يكون الحل لهذا التحدي هو ما يسميه الاستراتيجيون العسكريون "الدفاع النشط"، باستخدام هجمات مضادة صغيرة النطاق لعرقلة المهاجم ومنعه من تعزيز تقدمه. على سبيل المثال، إذا استولت القوات الروسية على موقع رئيسي في تشاسيف يار، فيمكن للأوكرانيين استخدام الهجمات المضادة لعزل الموقع حتى لا يتمكن الروس من التمركز والاستمرار في المضي قدماً، لكن أوكرانيا لا تملك سوى القليل من الاحتياطيات. وقد فقدت العديد من الأدوات التكتيكية اللازمة لاستغلال نقاط الضعف الروسية بعد وقت قصير من توليها مواقعها.
وفي ظل هذه الظروف، فإنّ مجرد إقرار مشروع قانون المساعدات الأميركية لا يمكن أن يفعل الكثير لتغيير حسابات ساحة المعركة. إنّ التأخير الطويل في واشنطن يعني أنّ إصلاح الكثير من الأضرار التي لحقت بالقدرات الأوكرانية سيستغرق بعض الوقت. أوكرانيا سوف تخسر أرضها أمام روسيا هذا الصيف. والسؤال هو: إلى أي مدى يمكن للقوات الأوكرانية أن تجعل الروس يدفعون مقابل مكاسبهم؟ وإلى أي مدى سيكون الثمن باهظاً؟
وبخلاف التوفير الفوري للذخيرة، فإن التأثير الأكبر لحزمة المساعدات الأميركية الجديدة هو اليقين الذي توفّره، وسيكون لدى أوكرانيا الآن ما يكفي من الوضوح بشأن الموارد العسكرية للأشهر الستة المقبلة للسماح بتخطيط استراتيجي أوسع.
لكنّ الأهم هو الحاجة إلى توليد قوى جديدة. وللقيام بذلك، ستحتاج أوكرانيا إلى حشد المزيد من الناس، وإلى تحسين خط التدريب لديها وتجهيز تلك القوات الجديدة بالمعدات الكافية.
اقرأ أيضاً: "Unherd": الوضع صعب.. خيارات أوكرانيا في ساحة المعركة تنفد
عمليات روسيا في الأشهر الأخيرة من 2024 من المرجح أن تكون الأكثر خطورة. وبحلول تلك المرحلة، بعدما نجت من أشهر من العمليات الهجومية الروسية، ستكون القوات الأوكرانية منهكة، وستستنفد دفاعاتها الجوية. ومن المرجح أن يكون لدى روسيا ما يكفي من القوات لتناوب وحداتها للسماح بشن هجمات متتالية في الخريف.
لكن القدرات الروسية ليست غير محدودة. لقد اتخذت موسكو بعض الخيارات الصناعية والعسكرية التي من المرجح أن تحد من إمكاناتها الهجومية على مدار عام 2025. على سبيل المثال، قررت عدم توسيع إنتاج براميل المدفعية، ما أدى إلى توفر عدد أقل من الأسلحة الجديدة في العام المقبل. واستناداً إلى معدل الخسارة الحالي، من المرجح أيضاً أن يتم استنفاد المخزونات الروسية من المركبات المدرعة بحلول النصف الثاني من عام 2025، وهذا يعني أنّ القوات الروسية سوف تعتمد بشكل كامل على المعدات المنتجة حديثاً بدلاً من المعدات المجددة من المخزون الحالي، ما يحد بشدة من قدرتها على تجديد أنظمة الأسلحة المفقودة في المعركة.
في الوقت نفسه، ابتداءً من أواخر عام 2024، سيبدأ إنتاج الأسلحة الأوروبي في الارتفاع بشكل مطرد، إذ إن الاستثمارات التي تمت العام الماضي وفي الأشهر الأولى من هذا العام تؤتي ثمارها. وبحلول عام 2025، إذاً، ينبغي أن تكون مشكلات العرض أقل حدة بالنسبة إلى أوكرانيا وأكثر حدة بالنسبة إلى روسيا، إذا تمكنت أوكرانيا من الصمود حتى ذلك الحين.
ومع وضع هذا المنظور الأطول أمداً في الاعتبار، يصبح التحدي الذي يواجه أوكرانيا وحلفاءها واضحاً؛ يجب أن تكون الأولويات القصوى ليس فقط ضمان وصول الهجوم الصيفي الروسي إلى ذروته بتكلفة عالية لموسكو، ولكن أيضاً وجود القوات الأوكرانية التي تم جمعها حديثاً لمنع المزيد من الهجمات في الخريف. ومن الناحية المثالية، إنشاء خط أمامي مستقر بحلول أوائل عام 2025. ومن خلال هذا الموقف فقط تستطيع أوكرانيا أن تستعيد زمام المبادرة. وسوف يعتمد تحقيق هذا الهدف إلى حد كبير على مدى السرعة التي تستطيع بها أوكرانيا تعبئة وتجهيز قواتها. والسلعة الوحيدة التي تفتقر إليها بشدة هي الوقت.
جلب موسكو إلى الطاولة
وحتى لو كانت أوكرانيا قادرة على إضعاف المكاسب الروسية من خلال تدريب وتجهيز ونشر قوات جديدة بسرعة، فإنّ هذه الخطوات لن تؤدي في حد ذاتها إلى إيجاد طريق لإنهاء الصراع. يرجع ذلك في نهاية المطاف إلى أنّ شركاء كييف الدوليين بنوا قضيتهم للحصول على الدعم على هدف أبسط يتمثل في الحفاظ على أوكرانيا في القتال بدلاً من إجبار روسيا على التفاوض بشروط مواتية.
ويتعين على الولايات المتحدة وحلفائها الأوروبيين أن يدركوا أنّ مساعدة أوكرانيا على صدّ الهجمات الروسية لا تعني وضع أوكرانيا في موقف تفاوضي قوي. ويحرص الكرملين على إجراء مفاوضات استناداً إلى الديناميكيات الحالية للحرب، فهو يعتقد أنه بمجرد بدء المحادثات، فإن داعمي أوكرانيا الغربيين سوف يوافقون على أي شيء تقريباً، ويرون أنّ أيّ تسوية يمكن التوصل إليها ناجحة، حتى لو فشلت في حماية أوكرانيا على المدى الطويل.
ولكي تتفاوض موسكو حقاً، يجب أن تواجه وضعاً يشكّل فيه تمديد الصراع تهديداً غير مقبول لها. وعندها فقط سوف تتمكن أوكرانيا من انتزاع تنازلات ذات معنى. وفي نهاية المطاف، فإن أي نهاية ناجحة للحرب سوف تعتمد على قدرة الناتو على ردع روسيا.
نقلته إلى العربية: بتول دياب