"دي كلاسيفايد": كيف تتجاهل وسائل الإعلام الغربية الدعم العسكري البريطاني لـ "إسرائيل"؟
خلال تغطية وسائل الإعلام الغربية لحرب غزّة، تم محو التاريخ، وتم تطبيع الإبادة الجماعية، وتم التعامل بوحشية مع اللغة عند وصف المجازر بأنّها "ضربات جوية دقيقة".
موقع "دي كلاسيفايد" البريطاني ينشر تقريراً للكاتب دي فريدمان يشرح فيه كيف تجاهلت وسائل الإعلام الغربية الرئيسية وخاصة تلك البريطانية، طوال فترة الحرب المستمرة على غزّة، دعم المملكة المتحدة لـ "إسرائيل" عسكرياً.
أدناه نص التقرير منقولاً إلى العربية:
تصرّ وسائل الإعلام الرئيسية في الغرب على أنّ وظيفتها الأساسية هي التحقيق في تصرفات أقوى الأشخاص في المجتمع. تنص المبادئ التوجيهية التحريرية لهيئة الإذاعة البريطانية على ما يلي: "يجب علينا دائماً فحص الحجج والتشكيك في الإجماع ومحاسبة السلطة بشكل متسق وحيادي".
لم يتم الكشف عن هذه المبادئ بشكل أكثر دقة في أي مكان أكثر مما تم الكشف عنه في التغطية الإخبارية لجرائم الحرب التي ارتكبت في غزة منذ 7 تشرين الأول/أكتوبر.
لقد حدد النقاد كيف يتم تجريد الفلسطينيين من إنسانيتهم وتهميشهم باستمرار في وسائل الإعلام، وسلّطوا الضوء على حقيقة أنّ وسائل الإعلام الراسخة أعادت إنتاج الإجماع بقوة على حق "إسرائيل" الذي لا لبس فيه في "الدفاع عن النفس".
لقد تم محو التاريخ، وتطبيع الإبادة الجماعية، وجرى التعامل بوحشية مع اللغة عند وصف المجازر بأنّها "ضربات جوية دقيقة".
من المفهوم أنّ الكثير من الانتقادات الموجّهة إلى هذه التغطية ركّزت على الأمثلة الأكثر وضوحاً وفظاعة للتحيز.
ولكن هناك جانب آخر لمشكلة وسائل الإعلام: القصص التي لا يتم تغطيتها، والحقائق غير المريحة بالنسبة إلى "إسرائيل" ومؤيديها التي لا يتم الاعتراف بها.
وهذه هي الحال بشكل خاص عندما يتعلق الأمر بمسألة كيفية مساهمة الجيش البريطاني في الهجوم الإسرائيلي على غزة.
بالطبع، مباشرة بعد أحداث 7 أكتوبر، سارع الصحفيون الرئيسيون إلى الترويج لنشر الطائرات والأفراد لدعم "حليفتنا" في المنطقة.
وبينما نشرت صحيفة "ذا صن" صوراً للطائرات والفرقاطات البريطانية المتجهة إلى شرق البحر الأبيض المتوسط تحت عنوان "متحدون"، أعادت هيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي" بشكل أساسي إصدار بيان صحفي لوزارة الدفاع في قصتها، "المملكة المتحدة ستنشر سفن البحرية الملكية في الشرق الأوسط من أجل تعزيز الأمن".
في 2 كانون الأول/ديسمبر، أصدرت وزارة الدفاع بياناً قصيراً حول النشاط العسكري البريطاني في المنطقة، ظاهرياً لتأمين إطلاق سراح الرهائن الإسرائيليين (فقط).
على الفور، نشرت هيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي"، إلى جانب وسائل إعلام أخرى، قصة تكرر فيها كلمات وزارة الدفاع حرفياً (مع القليل من النص الإضافي من البنتاغون) كما لو كانت هذه "طلعات جوية استطلاعية" بريئة على الرغم من حقيقة أنّ أكثر من 15000 فلسطيني قتلوا بالفعل في غارات جوية وحشية.
وأعقب ذلك موجة من التغطية المتفائلة للغاية لتدخلين عسكريين آخرين مرتبطين مباشرة بتعزيز دعم المملكة المتحدة لـ "إسرائيل".
أولاً، احتفلت سلسلة من القصص الحماسية في وقت سابق من هذا العام بمشاركة المملكة المتحدة في الضربات الجوية التي تقودها الولايات المتحدة ضد اليمنيين.
ثانياً، لم يكن هناك نقص في العناوين الرئيسية التي ترحب بنشر طائرات تايفون بريطانية من سلاح الجو الملكي البريطاني في قبرص لإسقاط الطائرات الإيرانية من دون طيار التي تم إطلاقها رداً على الضربة الإسرائيلية على القنصلية الإيرانية في دمشق في أبريل/نيسان.
وكان الهدف، كما عبّرت عنه عدة عناوين رئيسية، هو "حماية إسرائيل" حتى لو كان ذلك يعني المزيد من زعزعة الاستقرار في المنطقة الأوسع.
ولكن بخلاف تلك القصص عن العمليات العسكرية النشطة ضد اليمنيين والطائرات من دون طيار الإيرانية، كان هناك عدد قليل جداً من المقالات في وسائل الإعلام البريطانية التي تستكشف الجانب المظلم للعلاقات العسكرية البريطانية مع "إسرائيل".
يكشف البحث في قاعدة بيانات "Nexis" الإخبارية في الفترة ما بين 7 تشرين الأول/أكتوبر عام 2023 و19 حزيران/يونيو 2024 عن عدم وجود قصص عن "المساعدة العسكرية البريطانية" و"إسرائيل".
كان هناك 17 خبراً عن "الدعم العسكري البريطاني" و"إسرائيل" (معظمها كان يتعلق بالمناقشات البرلمانية حول مبيعات الأسلحة) و13 خبراً عن "المساعدات العسكرية البريطانية" و"إسرائيل" (كان معظمها يتعلق بالمساعدات لأوكرانيا).
كانت هناك قصة واحدة عن "الدعم العسكري البريطاني" و"إسرائيل"، و10 قصص عن "الدعم العسكري البريطاني" و"إسرائيل" (مرة أخرى معظمها عن أوكرانيا) و34 قصة تتناول "المساعدات العسكرية البريطانية" و"إسرائيل" (25 منها كانت في الواقع القصة نفسها في مختلف زوايا "بي بي سي" في 11 أكتوبر/تشرين الأول).
تغطية أخبار أوكرانيا مختلفة
إذا قمت باستبدال "إسرائيل" بـ "أوكرانيا" في عمليات البحث هذه، فستجد 157 قصة - ما يعكس إجماع وسائل الإعلام على أنّه في حين أنّ المساعدة العسكرية لأوكرانيا هي موضوع مشروع للنقاش، فإنّ المساعدة العسكرية لـ "إسرائيل" ليست كذلك.
هذا الافتقار إلى الاهتمام بالروابط العسكرية بين الحكومة البريطانية و"إسرائيل" يجب أن لا يوحي بأنه ليس هناك ما يستحق التحقيق فيه.
ومع ذلك، هناك مجال واحد يبدو أنّ وسائل الإعلام قد تناولت فيه هذا الموضوع: مبيعات الأسلحة البريطانية لـ "إسرائيل". إنّ وجود 2,648 قصة تشير إلى "مبيعات الأسلحة لإسرائيل" و"المملكة المتحدة" في الفترة ما بين 7 تشرين الأول/ أكتوبر و19 حزيران/يونيو 2024 قد يشير إلى أنّ هذا مجال اهتمام كبير للصحفيين.
ظهرت 85% من جميع القصص بعد الأول من نيسان/أبريل عندما كان ثلاثة مواطنين بريطانيين من بين سبعة عمال إغاثة قتلوا عندما هاجمت الطائرات الإسرائيلية قافلة الغذاء التي كانوا يديرونها.
لمدة 177 يوماً بين 7 تشرين الأول/ أكتوبر و 1 نيسان/أبريل، أظهرت وسائل الإعلام (باستثناء الصحيفة الوطنية الاسكتلندية والغارديان وبرلمان هيئة الإذاعة البريطانية) ميلًا ضئيلًا لفتح نقاش حول هذه القضية.
وعلى الرغم من المخاوف الجدية من أنّ المملكة المتحدة، من خلال صادراتها من الأسلحة إلى "الجيش" الإسرائيلي، متواطئة في جرائم الحرب المستمرة، فإنّ وسائل الإعلام الكبرى بدأت في إظهار اهتمامها بالموضوع فقط عندما أصبح البريطانيون، وليس الفلسطينيون، هم القصة.
إنّ فشل وسائل الإعلام الرئيسية في تناول الإبادة الجماعية في غزة واضح للغاية عند النظر إلى اللغة الملطفة التي تستخدمها والمصادر التي تسلط الضوء عليها.