"واشنطن بوست": هل يسعى بايدن وشي إلى انفراج مؤقت بين البلدين؟
إن التراكم التدريجي للاختراقات الدبلوماسية الصغيرة في الأسابيع الأخيرة أوجد الأمل في أن أكبر اقتصادين في العالم قد وضعا أرضية مشتركة في ظل الخلاف الدبلوماسي العنيف.
كتب كريستيان شيبرد وليريك لي مقالة مشتركة في صحيفة "واشنطن بوست" الأميركية تناولا فيها احتمالات الانفراج بين أميركا والصين في قمة الرئيسين جو بايدن وشي جينبينغ المرتقبة قبل نهاية العام.
وقال الكاتبان إن الحكومة الصينية انتظرت حتى منتصف الوباء في تموز / يوليو 2020 لتقول بصوت عالٍ ما كان واضحاً منذ أشهر، إن لم يكن لسنوات: وصلت العلاقات بين واشنطن وبكين إلى أسوأ نقطة لها منذ إقامة العلاقات الدبلوماسية في عام 1979.
الاجتماعات المبكرة بعد تولي الرئيس بايدن منصبه سرعان ما بددت الآمال في انفراج فوري. فقد ألقى يانغ جيتشي، أكبر دبلوماسي صيني، خطاباً منمقاً حول افتقار الولايات المتحدة إلى "المؤهلات" لإخبار الصين بما يجب أن تفعله. كانت المحادثات اللاحقة حول "وضع حواجز الأمان" أكثر ودية ولكنها انتهت من دون إحساس واضح بكيفية تجنب أن تسفر العلاقة المتوترة عن الانهيار أكثر.
ومع ذلك، فإن التراكم التدريجي للاختراقات الدبلوماسية الصغيرة في الأسابيع الأخيرة أوجد الأمل بين الخبراء الصينيين في أن أكبر اقتصادين في العالم قد وضعا أرضية مشتركة - وإن كانت هشة - في ظل الخلاف الدبلوماسي العنيف. سيتم اختبار نجاح محاولات وضع الخلافات الدائمة على الرف في الأشهر المقبلة حيث يدخل الجانبان محادثات حاسمة بشأن تغير المناخ فيما تتجاهل الصين الدعوات إلى المقاطعة الدبلوماسية لدورة الألعاب الأولمبية الشتوية لعام 2022 في بكين.
وقد اختتم الأربعاء الماضي اجتماع استمر ست ساعات في زيورخ بين يانغ ومستشار الأمن القومي للبيت الأبيض جيك سوليفان بإعلان أن الرئيس بايدن والرئيس الصيني شي جين بينغ سيعقدان قمة افتراضية قبل نهاية العام. ووصفت هيئة الإذاعة الحكومية الصينية نتيجة الاجتماع بأنها اتفاق لإعادة العلاقات إلى مسارها الصحيح.
وقال دينغ يووين، المحرر السابق لصحيفة "ستادي تايمز"، وهي صحيفة للحزب الشيوعي الصيني، إن الاجتماع كان مهماً لأنه يعكس اتفاق الجانبين على الحاجة إلى إيجاد طريقة لتحسين العلاقات. فهو يظهر اعترافاً بأن العلاقة كانت عالقة في قاع وادٍ عميق وسيصبح خطيرًا حقاً".
في بكين، خلقت الاستمرارية المتصورة من الرئيس دونالد ترامب إلى بايدن في مواجهة الصين في الأصل إحساساً بالقدرية بين الخبراء الصينيين، الذين حذروا من أن السياسيين الأميركيين من كلا الحزبين عازمون على إحباط صعود الصين.
قال تشو شولونغ، الباحث في جامعة تسينغهوا في بكين، إن زيارة نائبة وزير الخارجية الأميركي ويندي شيرمان إلى تيانجين في تموز / يوليو الماضي قد مهدت الطريق لمحادثات مثمرة بين مبعوث المناخ الأميركي جون كيري ونظيره الصيني شي جينهوا. وقال: "كانت التصريحات العلنية في ذلك الوقت شديدة اللهجة، لكنني أعلم أن المحادثات كانت إيجابية للطرفين".
وبعد زيارتين إلى الصين قام بهما كيري، أعلن الرئيس شي الشهر الماضي أن الصين لم تعد تبني محطات طاقة تعمل بالفحم خارج حدودها، وهو إنجاز قبل مفاوضات الأمم المتحدة بشأن المناخ في تشرين الثاني / نوفمبر المقبل في مدينة غلاسكو باسكتلندا.
وقال الكاتبان: لكن مجالات المصالح المتوافقة تظل محدودة. يمكن أن يؤدي احتدام الخلافات حول أي عدد من الموضوعات - بما في ذلك العدوان العسكري الصيني المتصاعد تجاه تايوان وأصول جائحة كورونا - إلى التخلص من التفاصيل الدبلوماسية حول الرغبة في تجنّب المواجهة.
وأضافا: سيتعين على المفاوضات الأميركية كذلك أن تتعامل مع الدبلوماسية الصينية القتالية المتزايدة، حيث يُقابل أي انتقاد للصين بسبب مزاعم الاعتقال الجماعي للأويغور وغيرهم من المسلمين في شينجيانغ، أو تآكل الحريات المدنية في هونغ كونغ، بإظهار الغضب القومي.
في اجتماع تموز / يوليو الماضي، قال وزير الخارجية الصيني وانغ يي لشيرمان إنه لتحسين العلاقات، يجب على الولايات المتحدة ألا تتحدى أو تشوّه النظام السياسي الصيني، أو تعطّل تنمية الصين أو تنتهك سيادتها الوطنية. كما قدم لها قائمتين: إحداهما المخالفات الأميركية التي يجب أن تتوقف، وأخرى من" القضايا الفردية الرئيسية التي تهتم بها الصين". لم يتم نشر أي من القائمتين.
وقال وو شينبو، الباحث في جامعة فودان في شنغهاي، إن أحد الجوانب المهمة لسياسة بايدن تجاه الصين التي ساعدت في تحسين العلاقات بالنسبة لبكين، هو إنهاء الهجمات على النظام السياسي الصيني الذي أصبح القاعدة في عهد ترامب. لكن لا يزال بايدن يؤكد أن المنافسة بين الولايات المتحدة والصين هي منافسة بين الديمقراطية والاستبداد. ولا يزال هناك عنصر أيديولوجي. وقال وو إنه لا يستهدف بشكل مباشر الحزب الشيوعي الصيني أو شي جين بينغ نفسه.
فقد ابتعدت انتقادات بايدن للممارسات التجارية الصينية أو انتهاكات حقوق الإنسان عن اللغة التحريضية التي كان يستخدمها ترامب، الذي كان سيطلق على فيروس كورونا اسم "الفيروس الصيني". أبدت بكين كراهية خاصة لوزير الخارجية الأميركي آنذاك مايك بومبيو، الذي قوبل وصفه لحكم الحزب الشيوعي الصيني بـ"الاستبداد" بهجمات متكررة من وسائل الإعلام الصينية الحكومية وفرضت عليه عقوبات عندما ترك منصبه.
ومع ذلك، لم تبدِ بكين أية إشارة على استعدادها لانفراج صريح واقترحت أنه فقط عندما يتم استيفاء جميع شروطها، سيكون من الممكن إعادة ضبط العلاقات. وعندما عادت المديرة التنفيذية لشركة هواوي، منع وانزهو إلى الصين الشهر الماضي بعد أن أنهت الولايات المتحدة مساعيها لتسليمها من كندا، أطلقت بكين سراح اثنين من الكنديين من السجن الصيني ورفعت حظر الخروج على المواطنين الأميركيين فيكتور وسينثيا ليو. لكن وزارة الخارجية الصينية نفت أن تكون "إزالة هذه الشوكة العميقة" كافية لإصلاح العلاقات.
وقالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الصينية هوا تشون ينغ خلال إفادة صحافية الأسبوع الماضي: "لا يزال هناك الكثير من العوائق الكبيرة والصغيرة على حد سواء. نأمل أن تنتبه الولايات المتحدة وتتخذ الإجراءات اللازمة لمسح هاتين القائمتين".
ورأى الكاتبان أن من المرجح أن تزداد المفاوضات بشأن مطالب محددة في الأشهر المقبلة حيث ينتهي البيت الأبيض من مراجعات سياسته تجاه الصين. ووضعت مبعوثة التجارة الأميركية كاثرين تاي، يوم الاثنين الماضي، خطة لإعادة التواصل مع الصين بشأن التشوّهات في اقتصادها، بينما سلّطت الضوء كذلك على فشل الصين في الوفاء بالتزاماتها بموجب اتفاق تم توقيعه العام الماضي.
وقال هي وين، المستشار السابق في القنصليتين الصينيتين في سان فرانسيسكو ونيويورك، في مقابلة إن الجانبين سيحتاجان إلى مراجعة الاتفاق التجاري الموقع في عهد ترامب. وجادل بأن المستويات المنخفضة للمشتريات في الصين تعكس العقبات التي تمنع الصين من تلبية القيمة الدولارية المقترحة المحددة في ذلك الوقت، بما في ذلك قيود التوريد الأميركية واتفاقات الشراء التي لا تفي بمتطلبات أن تكون تنافسية في الأسعار.
وقال هي وين زميل، وهو حالياً باحث في معهد تشونغ يانغ للدراسات المالية بجامعة رينمين في بكين، إن كل التطورات في العلاقات الثنائية منذ عام 2017، أظهرت أن واشنطن لا تتسامح مع قيم الصين ونظامها الاشتراكي وقيادة الحزب الشيوعي الصيني، الأمر الذي سيجعل من الصعب للغاية على الولايات المتحدة تلبية مطالب الصين.
يتفق تشو، الباحث في جامعة تسينغهوا، على أن التحسين الملحوظ الفوري أمر مستحيل، لكن أي تقدم لا يزال جيداً. وقال: "حالياً، إذا لم تصبح الأمور سيئة، فهذه أخبار جيدة كذلك".
نقله إلى العربية بتصرف: هيثم مزاحم