"واشنطن بوست": شبح دول الخليج وراء الاستيلاء على السلطة في السودان وتونس
قد يتمكن البرهان من النجاح بدعم من مصر والسعودية والإمارات. إنه ليس معزولاً مثلما أصبح البشير، وسيجد وجهاً مدنياً جديداً أكثر مرونة، وسينتهي الأمر بالغرب إلى التعامل معه.
اعتبر الصحافي الأميركي إيشان ثارور في صحيفة "واشنطن بوست" الأميركية أن هذا العام كان مزدهراً بالانقلابات، حيث كان هناك استيلاء على السلطة أكثر نجاحاً في عام 2021 مقارنة بالسنوات الخمس السابقة مجتمعة. فقد قاد المجلس العسكري في ميانمار انقلاباً بإخراج وقح للديمقراطية الوليدة في البلاد عن مسارها في شباط / فبراير الماضي واستمرار اعتقال القيادة المدنية العليا. في غرب إفريقيا، نفذ رجال الجيش في مالي وغينيا وتشاد انقلاباتهم وأطاحوا بحكومات قائمة.
وأضاف الكاتب: ثم لدينا تونس والسودان. في السابق، اندلع انقلاب بطيء الحركة في تونس منذ أواخر تموز / يوليو الماضي، عندما أقال الرئيس قيس سعيد رئيس الوزراء وحل البرلمان وسط اضطرابات شعبية واسعة النطاق وتولى سلطات استثنائية. بعد عقد من الانتفاضة التونسية التي أطاحت بالديكتاتور الذي حكم لفترة طويلة (زين العابدين بن علي)، وجدت البلاد نفسها في حالة من النسيان الاستبدادي، حيث كُتب نعيٌ لقصة النجاح الوحيدة "للربيع العربي".
وتابع الكاتب مقالته قائلاً: في السودان، انفجرت التوترات، التي تأججت خلال الشهر الماضي بين قيادة مدنية هشة والجيش القوي، في بداية هذا الأسبوع عندما شن الجيش انقلاباً، واعتقل رئيس الوزراء عبد الله حمدوك وبقية حكومته، وحل البرلمان وأعلن حالة الطوارئ. على عكس قيس سعيد والأجيال السابقة من الرجال الأقوياء في السودان، صاغ الفريق عبد الفتاح البرهان، كبير المسؤولين العسكريين السودانيين، تحركه على أنه دفعة نحو الاستقرار والتقدم.
وخلال إفادة صحافية الثلاثاء الماضي، تخلص البرهان من تقارير عن اعتقالات للعديد من المسؤولين المدنيين وهجمات على نشطاء مؤيدين للديمقراطية من قبل قوات الأمن. وقال: "تم وضع أفراد معينين رهن الاعتقال - هؤلاء الأفراد يُعتقد أنهم يقوّضون الوحدة الوطنية والأمن القومي. نحن لا نخرس الأفواه، نحن نحجب أي صوت يقوّض تناغمنا الوطني بشكل مباشر".
وأشارت الصحيفة إلى أن تدخل الجيش السوداني حالياً يوقف عملية ديمقراطية هشة بدأت قبل نحو ثلاث سنوات باحتجاجات حاشدة ضد الدكتاتور عمر حسن البشير. إذ تمكنت حركة الاحتجاج، التي مثلت شريحة واسعة من المجتمع السوداني، من الإطاحة بالبشير في نيسان / أبريل 2019 بعد أن انقلبت شخصيات بارزة في المؤسسة الأمنية السودانية على الرئيس. في الأشهر التي تلت ذلك، أصلح السودان علاقاتته الدبلوماسية مع بعض الحكومات الغربية وفاز بشطب البلاد من قائمة الولايات المتحدة للدول الراعية للإرهاب.
ورأى الكاتب أن تلك المكاسب كانت هشة إذ كان القادة العسكريون والمدنيون في السودان يتشاركون في السلطة في ترتيب هش أضعفه الشك المتبادل والخلافات حول القضايا الأساسية مثل من يتحمل المسؤولية عن عقود من الفظائع التي ارتُكبت في عهد البشير وما إذا كان ينبغي للجيش أن يكون قادراً على السيطرة على أجزاء من الاقتصاد. فاللاعبون القدامى والجدد يتنافسون على السلطة في السودان.
وقال الكاتب إن انقلاب البرهان جاء بعد ساعات فقط من مغادرة المبعوث الأميركي للمنطقة جيفري فيلتمان العاصمة السودانية الخرطوم بعد اجتماعات مع كبار القادة المدنيين والعسكريين في البلاد. فقد أدانت إدارة الرئيس جو بايدن الانقلاب وقالت إنها جمدت 700 مليون دولار من المساعدات المباشرة للسودان، والتي وعدت بها كجزء من خطة أميركية لمساعدة التحول الديمقراطي في البلاد.
وأضاف: لكن البرهان، الذي يحظى بدعم ضمني من عدد من الأنظمة الاستبدادية العربية في أماكن أخرى، هو في وضع قوي.
وقال مجدي الجزولي، المحلل السوداني في معهد "ريفت فالي" البحثي: "قد يتمكن البرهان من تحقيق ذلك بدعم من الحلفاء الآخرين، مصر والسعودية والإمارات. إنه ليس معزولاً مثلما أصبح البشير، ولا هو إسلامي. سيجد وجهاً مدنياً جديداً أكثر مرونة، وسيحافظ على الشكليات، وسينتهي الأمر بالغرب بالتعامل مع هذا الشخص".
وأشار الكاتب إلى أن هذا الثلاثي - مصر والسعودية والإمارات - هتف كذلك لمناورة الرئيس التونسي قيس سعيد الذي كان على خلاف مع حزب النهضة الإسلامي، الذي أكسبه انتماءه التاريخي للإخوان المسلمين عداوة المناهضين للإسلاميين في السلطة في القاهرة وأبو ظبي. بينما تكافح الحكومة الانتقالية لسعيد لتأمين قرض من صندوق النقد الدولي لتعويض عجز كبير في الميزانية، تشير التقارير إلى أنه يجري بالفعل محادثات مع الإماراتيين والسعوديين الأثرياء من أجل إنقاذ بلاده.
في عام 2013، لعبت الملكيتان الخليجيتان دوراً محورياً في المساعدة على دعم نظام الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، الذي كان يخطط للانقلاب. وقد يحاولون كذلك دعم البرهان في السودان، التي أصبحت، مثل تونس، ساحة لـ"لعبة كبرى" إقليمية أوسع، تضع مصر والسعودية والإمارات في مواجهة خصوم جيوسياسيين، هما قطر وتركيا. فقد ظهرت هذه الديناميكيات بشكل أكثر حدة في ليبيا المجاورة لتونس، حيث يدعم كلا المعسكران الفصائل المتناحرة المتناحرة وسط التوترات التي امتدت إلى السياسة الداخلية لتونس.
ويشير محللون إلى أن السخاء الخليجي قد عزز بالفعل الجيش السوداني في مناوراته بعد سقوط البشير. وكتب الباحث في شؤون السودان جان بابتيست غالوبين: "منح الدعم المالي للجنرالات من السعودية والإمارات مجالاً حاسماً لمقاومة المطالب الشعبية بالحكم المدني، وتشكيل توازن للقوى سمح للجنرالات باجتياز فترة من التعبئة الجماهيرية. إن التدفقات المالية السرية للإمارات أكسبتهم بالتالي نفوذاً لا مثيل له عبر قطاعات كبيرة من الطيف السياسي، مما ساعد الجنرالات على تعزيز سلطتهم".
وقال الكاتب إن الخبراء يجادلون حالياً بأن أي أمل في استعادة الآفاق الديمقراطية في السودان قد يتطلب ممارسة الضغط على هذه القوى العربية. وأشارت مذكرة سياسية صادرة عن "مجموعة الأزمات الدولية" إلى أن "ممالك الخليج ومصر، التي أقامت من بين جميع القوى الخارجية أوثق الروابط مع البرهان والجيش، يجب أن تحض السلطات على ممارسة ضبط النفس بدلاً من اللجوء إلى القوة العشوائية. يجب على الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي استخدام النفوذ الكبير الذي يتمتعان به مع عواصم الخليج والقاهرة لإقناعها بدفع الجنرالات في الخرطوم لتغيير المسار".
وأشار السفير الأميركي السابق في الخرطوم ألبرتو فرنانديز إلى أن "الحكومات العربية الإقليمية والساسة السودانيين الذين يدعمون الحكم العسكري الجديد سيتم الكشف عنها في الأسابيع المقبلة، ويجب على واشنطن والأطراف الأخرى توضيح أن هناك عواقب لدعم نظام مارق".
وختم الكاتب بالقول إن التعليقات العامة الأولية من القاهرة والدوحة وأبو ظبي والرياض كانت صامتة. لكن هذه الدول ستحتاج إلى تحقيق التوازن بين أجنداتها الخاصة بالسودان وعلاقاتها المعقدة مع الغرب.
نقله إلى العربية بتصرف: الميادين نت